جامع إبشير باشا".. درة المساجد العثمانية في "حلب"

يقع "جامع إبشير باشا" في محلة "الجديدة"، وقام بإنشائه والي مدينة "حلب" "إبشير مصطفى باشا" وذلك في العام 1063 هجرية 1653 ميلادية كما هو مذكور في تاريخ وقفه وذلك في عهد السلطان العثماني "محمد الرابع".




الباحث التاريخي الأستاذ "عبد الله حجار" يقول حول الجامع: «الجامع هو جزء من وقف "إبشير باشا" الذي يضم أسواقاً وأبنية اقتصادية وخاناً ومصبغة وثلاث قيساريات وفرناً وقهوة ويشمل هذا الوقف مجموعة الأبنية الواقعة بين "سوق الصاغة" وشارع حمام "بهرام باشا" وحي "الجديدة" و"ساحة الحطب" بمساحة حوالي 6000 متر مربع ويعود تاريخ الوقف إلى العام 1064 هجرية 1654 ميلادية وذلك في أواخر إقامة "إبشير باشا" في مدينة "حلب".

أنجز "إبشير باشا" بناء المسجد في تشرين الأول من العام 1653م كما تبين الكتابة الموجودة فوق مدخل قبلية القبلية وهي كتابة أبعادها متر و80×95 سم ونصها: "عمر هذا المسجد المبارك في أيام دولة سلطان البرين وخاقان البحرين خادم الحرمين الشريفين مولانا السلطان ابن السلطان محمد خان ابن السلطان إبراهيم خان خلد الله تعالى خلافته إلى انقراض الدوران وذلك إنشاء صاحب الخيرات مولانا الوزير إبشير مصطفى باشا محافظ ولاية حلب بتاريخ أواخر شهر ذي القعدة سنة ثلاثة وستين ألف"».

ويضيف "حجار": «إنّ المساحة التي يشغلها المسجد وقدره 250 مترا مربعا لا يشكل سوى 5% من مساحة الوقف الكلية ولعل أسباب صغر الجامع هو وجود "جامع شرف" القريب من جهة وكثرة السكان المسيحيين في محلة "الجديدة" من جهة أخرى علماً أنّ دخل الوقفية كان مخصصاً لأعمال خيرية في "مكة المكرمة" و"المدينة المنورة" ويبدو أنّ الجامع أنشئ أصلاً في حي "الجديدة" لأسباب اقتصادية بحتة ليعطي مردوداً جيداً».

ويختم الأستاذ "حجار" حديثه بالقول: «كان صاحب الوقف ومنشئ الجامع "إبشير مصطفى باشا ابن عبد المنان" 1607 -1655م والي "حلب" في العام 1651م وكان قبل ذلك والي دمشق 1649م ويحمل لقب /داماد/ وهو لقب يُعطى لصهر السلطان عادةً حيث كانت زوجته "عائشة" أخت السلطان "محمد الرابع" لذلك تدرج في المراتب العليا ليصبح صدراً أعظم لكن لفترة قصيرة حيث راح في أيار من العام 1655م ضحية ثورة الانكشاريين».

أما الدكتور والباحث




"محمود حريتاني" فيقول حول أوصاف الجامع وعمارته: «باب الدخول إلى الجامع مفتوح في النهاية الشمالية للواجهة الشرقية بارتفاع متر و93سم وعرض متر و8سم وهو مزخرف بإطار من عصبات أفقية سوداء وصفراء بالتناوب ويعلو حجر الساكف الكلسي الأصفر مباشرة إفريز مؤلف من أحد عشر زهرة من المرمر الأبيض والحجر الكلسي الأصفر رؤوسها موجهة إلى الأعلى ومتراكبة مع عشر زهرات كاملة ونصف زهرتين من البازلت الأسود ثم تتتابع الزخرفة مع مدماك من الحجر الأصفر ثم مدماك من الحجر البازلتي الأسود وآخر أصفر وفيها جميعها رُصعت طبقة من المرمر تحمل كتابة تأسيس باللغة التركية القديمة ثم يعلو مجموعة البناء إفريز من النوازل المحمية بمدماك مبني على شكل طوان.

مساحة الباحة 109 أمتار مربعة وتشكل 46% من المساحة الكلية للجامع، واجهتها الشرقية ذات جدار بسيط كسياج يعزلها عن الشارع أما الباب ففتح في جزئها الشمالي، جدارها الداخلي غير مزخرف وفي جزئها الجنوبي قوس كبير يشكل نوعاً من المحراب وفيه نافذة تطل على الشارع، وواجهتها الغربية هي جدار مشترك مع القيسارية الكبرى والواجهة الشمالية تقع على يمين الداخل من الباب الرئيسي يوجد فيها باب الدخول إلى قسطل الجامع وإلى المراحيض وفيها أيضاً درج مكشوف للصعود إلى قاعة الكتّاب في الطابق الأول».

ويضيف: «في الواجهة الجنوبية توجد قاعة الصلاة وهي الوحيدة المبنية بحجارة نحيت كبيرة، في وسطها يوجد باب للدخول إليها على يساره محراب قليل العمق، عرض الباب 96سم وعلوه حتى قبة القوس متر و92سم تعلوه كتابة تأسيس باللغة العربية منحوتة في لوحة مرمرية بيضاء محاطة بإطار من حجر البازلت الأسود تنتهي بإفريز من المقرنصات.

وبالنسبة للمئذنة فهي ذات قاعدة مثمنة ضيقة من الاسمنت المسلح مرتفعة قليلاً بمدماكين من الحجر الكبير المنحوت وطنف ناتئ مع حاجز وسقف من الخشب يُصعد إليها بدرج من الحجر.

أما قاعة الصلاة فتضم في الداخل فراغاً مركزياً تعلوه قبة قائمة على رقبة عرضها




حوالي 30 سم وعلى أربع مثلثات ركنية سقفها على شكل قبو متقاطع في الرواق الأيمن، يضم جدار القبلية نوعاً من الفراغ هو عبارة عن متوازي مستطيلات مفتوح على قاعة الصلاة بواسطة قوس حاد ونافذة مطلة على الشارع كما يُلاحظ أنّ السقف مكوّن من ألواح حجرية مخرّمة بتزيينات نجمية وسداسية تتيح إضاءة إضافية وتضفي زخرفة أصيلة على هذا الفراغ، ويقع المحراب في تجويف فوقه قوس مقوصرة جنوب القبة ومقابل باب قاعة الصلاة إطاره محدود من الأعلى بجبهة ذات شكل متوازي مستطيلات وبثلاثة أنواع من الزخرفة هي: إفريز زخرفة نباتية بمثمنات ونجوم وإطار متوازي المستطيلات مكتوب عليه آية من سورة /آل عمران/ و/زكريا/ وأخيراً طنف مزخرف بأزهار وسعف النخيل وينتهي بحافة ناتئة من الحجر بزخارف من أغصان الشجر».

ويختم السيد "حريتاني": «يدخل النور إلى قاعة الصلاة من ست نوافذ اثنتان مفتوحتان على الباحة واثنتان على الشارع الجنوبي وواحدة على الشارع الشرقي وأخرى على ممر القيسارية في الغرب وساكف هذه الأخيرة تفتح على فتحة تهوية /بادنج/ وتستمر حتى السطح حيث يوجد ملقف من الحجر الكبير ومن القرميد متجه نحو الغرب وفي القبة أربع فتحات دائرية وفي سقف التجويف أربع نجوم سداسية وثمانية عشر شكلاً سداسياً».

وأخيراً ورد في كتاب /تقصي خطا الدولة العثمانية في "حلب"/ -تأليف مجموعة من الباحثين من جامعتي "حلب" و"غازي عنتاب" التركية والذي تم إنجازه في إطار برنامج التعاون الإقليمي السوري التركي ما يلي حول المسجد: «أنشأه "إبشير باشا" والي "حلب" سنة 1063 هجرية 1652 ميلادية وبنى السيد "عبد الرزاق أفندي الصيادي" نقيب أشراف "حلب" حجازيةً غربي الصحن في العام 1344هجرية 1925 ميلادية وكان متولياً على وقف "إبشير باشا".

الصحن مستطيل الشكل مبلط حجري جداره الشمالي مؤلف من إيوان قوسه مدبب أُغلق بحاجز خشبي وزجاجي يُستخدم الآن كموضأ، المئذنة قاعدتها مثمنة لها شرفة ومظلة خشبية، وبني في الجهة الغربية من الصحن حجازية




مربعة الشكل مدخلها كبير قوسه حدوة الفرس الدائري يعلوه نقش كتابي "أنشئت هذه الحجازية المباركة بمساعي المتولي السيد عبد الرزاق أفندي الصيادي نقيب أشراف حلب سنة 1344 هجرية".

حنية المحراب مضلّعة خمسة أضلاع ويعلوه خمسة صفوف من المقرنصات ويعلو المقرنصات نقش زخرفي هندسي فيه ستة زهرات ويعلو النقش الزخرفي نقش كتابي كتب فيه "كلما دخل عليها زكريا المحراب ووجد عندها رزقاً قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، صدق الله العظيم"، وعلى يمين المحراب إيوان قوسه مدبب سقفه جميل جداً حيث يتألف من قمريات شكلها نجمات سداسية وثمانية وقد سُدّ الإيوان حالياً بمنجور خشبي جميل وزجاج غامق».