قصة قصيرة
كَرْمَى
بقلم : مروة كريدية
أَطَلَّتْ إِلَى الشَّارِعِ بِعُيونٍ زُجَاجِيَّةٍ، وَنَحْوَ السَّمَاءِ وَجّهَتْ قَلبَهَا، أَطْلَقَتْ شَعْرهَا للهَوَاءِ، فَالمَشي صَديِق الأزَمَات والشَّارع وَنِيس مَنْ لا أَنِيسَ لَه، وَمَنْ سُدَّت أمَامه سُبُل الثَّرى تَوجّه بِفِطْريَّةٍ نَحْوَ الثُّريّا . بِمُفْرَدِهَا تُوَاجِهُ الشَّاطِئ هذَا المَسَاء، فَلَطالَمَا عَشِقتْ الوحدَة وتَوَحَّدتْ بالوُجودِ وَبِرَّبِها على طَريقَتِها، وبِالرَّغمِ مِنْ كَثْرَة الكَائنات البَشَريّة حولَها بيدَ أنّ كلّ غيرَ الحَبيب فِي نَامُوسها أغْيَار !
بِصَدْرِهَا تَحتَضِنُ النَّسِيم فَتَكشفُ عَن عُنقهَا المُثْقَلِ بِأَطوَاقِ العُبوديَّةِ فِي مُجْتَمَعِ الخِدَاعِ، ومِعْصَمٍ مِنْ فَرط القُيودْ تَشَقَّق.
تَتَنَفَّسُ بِعمْقٍ … تُريد ان يدخل الهوَاء إلَى كُلّ ذَرَّةٍ فِي جَسَدِهَا، وَكَالنُّورِ يَسْرِي فِي هَيْكَلِهَا . تَتَحَسَّسُ وَجْهَهَا بِكَفِّها فَتَنْزَلِقُ أنَاملها عَلى دَمْعَةٍ انسَلَّت تُرَطِّبُ وجهًا مِنَ المَعْنَى أُفْرِغ.
كَمَا الأمْطَار فِي الليلِ تُرَاوِدُهَا أَحْلام صَغِيرة، والحزن يَسكنُ قَلبها الوادع كمَسَاءِ نَخْلَةٍ صامتة.
تُشَرِّعُ ذِراعَيْهَا لِلمُحِيِطِ وَتُطلِقُ لِكَيْنُونَتِهَا العنَان…
****
تَتَفَقَّدُ ذَاكِرَتَهَا وَتَبْحَثُ فِي تَكَالِيفِ الحَيَاة عَلّهَا تُعِيدُ العُمْرَ الهَارِب مِنهَا فَتُنسِجُ أحْدَاثَه مِن جَدِيدٍ عَلى الطَّرِيقَةِ التي تُرِيد فَتُلَوّن الأيَّام بِرَونَق البَهَاء، وَتُبَدِّلُ أَمكِنَة البُؤسِ بِجَنّةٍ وَردِيّةٍ، وَتُزِيلُ الانفِعَالاتِ المُوجِعَة والأسى بِطُمَأنِينَة السَّلام .
وَعِلمَ اليَقِينِ تَعلَم أنّ السَّعَادَة تَكمُنُ فِي أنْ نَرَى مَا حَوْلَنَا كَمَا هُو لا كَمَا نُريد، وأنّ دُرُوبَ الحَيَاة لا تُوطَأ أبَدًا مَرَّتَين، وَأنَّ النَّدَم عَلَى الخَطَأ غَلَط كبِير. وَأن اجْتِرارَ المَاضي بِزهورِهِ وَندُوبِه خُرُوجٌ عَن انسِجام الذَّات مَع آنَتِهَا الحَاضِرَة .
تَسْتَجْدِي أُغْنِيَة النّسْيَان وَتُحَمِّل وِزْرَ عَجْزهَا لِضَعْفِهَا ، وَتَعودُ إلى نَفسِهَا تُسَائِلُهَا:
هَل الشَّقَاء صَنِيعَة مُمَارَسَةٍ لَنَا طالَمَا توقَّعنَا صوابَها عند وقُوعِها فَكنّا كمَن سَاءَ سَعيهُم وَهم يَحسَبُونَ أنَهم يُحسِنون صُنعًا ؟
وهَل استمرارية "الذَّاكرة " المثقلة بالأوجاع و التّوق الى إشباع الرغبَات عَبر "التمنِّيَات " بمسْتَقبَلٍ "مفتعلٍ مُزيَّف " يُوَّلدّ لديْها حَاضرًا نَاقِصًا فتُصبح الذات ساحة صراعٍ تَحول دون إطلاق إمكانيَّاتها الروحية الدفينة ؟؟
***تَتأملُ بصَمتٍ … تُنصِتُ إلى صَوت الأمْوَاج …
تَسْتَحضِرُ "كَرْمَى" الماضِي والآتِي…
تُطِلُّ برُوحِها إلَى الأزَليَّة والأبَدِيَّة…
تَنْعَتِقُ مِن دُنَيَويَّتِهَا الأرضِيَّة آنَة …
تُعانِقُ المُحِيط …تُلامِسُ أَسْمَى الشَّوق….
تَسْتَعِيد الحسَّ بِرَذَاذِ مَوجِ البَحْر المتَكَسِّر عِنْدَ أَقْدَامِها
تَشعر بِحُريَّةٍ غامِرة تَتَفَتَّح فِي كيوننتها محبَّة …
***
تَدْخل البَيْت تُعَانِق طِفْلها بِغبطَة… فابتِْسَامته رِسَالَة لَهَا:
أن من أراد رَاحَةَ رُوحِه سيجد نفسه في المَحَبَّة لا في تملق الرَّغَبَات وَأَنَّ إزدِهَارَ الحَيَاةِ يَكْتَنِزُ عَوَالِمَ الإخْفَاقَات عَلى الدَّوام . فَعِندمَا يَفرَغ ذِّهن المَرْءِ عَن الزَّمان يَدخل عالم السكينة والجمال !
***