---قيمة الانسان---

موضوع: ---قيمة الانسان--- الأحد مايو 16, 2010 10:11 am

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

الساعة السابعة مساءا في مقهى الحي جلس كمال وعيناه سارحتان
كالباحث عن خلوة تنسيه وجع الشمس في وجوه المارين يعد خطاهم وهو يردد:
كل هؤلاء البشر كل هذا السحاب كلهم يعملون إلا أنا ما هذا القدر البائس ..!
ُيقاطعُ َنفسهُ لن استسلم سأجدك يا وظيفة ولو في قمم البحار ولن أعدم الوسيلة
لن أعدمها قاطعه صديقه احمد مسلما عليه بنبرة باسمة: يا شارد العقل والعقال
׃ تنتهي من التذمر؟

بادرة كمال بلهفة المشتاق :هل وجدت عملا قل لي... قل لي...
تبدوا سعيدا أجب ..أجب ؟؟؟
إبتسم في وجهه، لا تخف لن أعمل وأتركك وحدك مرابطا بالمقهى ثم ضحك ساخرا مردفا :
لكن، إتفقت والأصدقاء أن نقوم بإعتصام أمام البرلمان في العاصمة
فلا يعقل أننا متحصلون على الإجازة في القانون ونظل عاطلين عن العمل
للأبد لابد من التغيير... لا بد من حل !!
قالها بنبرة حانقة من أعماق قلبه فقد كان مؤمنا بكل المبادئ التي درسها ، مبادرا صديقه :
هل انت معي يا كمال ....؟؟؟
طبعا لا يا صديقي وهل لي وقت لاصلاح العالم وانا لم أصلح حال نفسي حتى!!
تعال معي انت فقد سمعت أن هناك شخصا قادرا على مساعدتنا مقابل هدية مالية
أول 6 أشهر عرضا مغري اليس كذالك !!!
قاطعه أحمد بغضب شديد :بل عرض سخيف وأمر مشين هذه رشوة وليست هدية
هذا استغلال نفوذ ..بل هذه جريمة إنسانية واجتماعية!!!
-أحمد أحمد أفق هذه لست المدينة الفاضلة ولسنا في عهد الصالحين ، قاطعه كمال ملوحا بيديه.
لينفض اللقاء على وقع الفراق وتتفرق السبل وتُختار الأرزاق .

مرت 5 أشهر هي المدة التي قضاها كمال في معسكر التدريب في مركز ضباط الشرطة
ثم تخرج ضابطا في حرس السجون، كان الثمن لا يعنيه بعدما دفع الرشوة الاولى
واصبح الامر لديه سيان.. إن كانت ستوصله لغرضه فقد تعلم كيف يعبد الطريق امامه٫
كما أصبح مؤمنا بمبدأ أن المال يشتري كل شيء وأصبحت المبادئ تتهاوى امامه مثلما تتهاوى رقع الشطرنج.
أما احمد صاحب المبادئ الثابتة وبعد إعتصامات وإضرابات متتالية لم ينل منها سوى
الضرب والجرح وكسر الضلوع تم إعتقاله بتهمة إثارة الشغب وزعزعة الأمن وإستقرار
ــ في قانون يحكمه عرف الطوارئ هي تهمة خطيرة ــ
تم نقله لسجن سري في ضواحي المدينة ليجد هناك عالم اخر عالم تحكمه الرشوة بإمتياز
يا الله حتى الحرية تباع في زمن العبودية!!! ... ظل يردد هذه القولة كثيرا في حين
رفاق المبادئ و الزنزانة يتناقصون واحد تلو الأخر ليحل محلهم أشخاص
جدد ما يلبت أن يتعرف عليهم حتى يغادروا. بعد أن يبيعوا قيمهم ومبادئهم مقابل الحرية
نشطت تجارة الرقاب وتغاضى عنها أصحاب الأمر ،كان هدفهم كسر تلك المبادئ سواء بالرشوة
أو غيرها المهم أن يرضخ السجين الأمر والواقع وكان يديرها هذا النشاط ظابط شاب
جامد الملامح .. مستعد لبيع روحه للشيطان مقابل حفنة من المال ..وقد سماه السجناء بارون الرقاب.
مرت عشر سنوات لم يتنازل احمد عن شبر من مبادئه وأصبح أقدم السجناء في المعتقل
وقد وصلت شهرته انه صاحب مبادئ للضابط الذي يدير المعتقل فأصابه الغيض من أمر هذا الشخص
فأمر بتعذيبه والتضييق عليه ... لكن للقدر وجهة نظر أخرى ففي المقابل أصيب الضابط بمرض خطير
تدهورت معه صحته ولم ينفع معه علاج فكانت صحته تسوء مع مرور الأيام وأشد ما أرق باله
في هذه الفترة بإضافة للمرض أن لجنة دولية لحقوق الإنسان ستزور السجن بعدما رصدت ما قيل عنه
خروقات في حق الإنسانية سرب وثائقها بعض المعتقلين السابقين .
فأمر الضابط بإحضار أقدم سجين الذي أصابه وهن شديد بسبب المضايقات الشديدة
التي مارسها عليه حراس السجن ليوضع في مستشفى السجن كوسيلة لإرباكه وتحذيره من الكلام ،
اخبروه بأنه سيكون مراقبا شخصيا من طرف الضابط الذي سينزل كأحد المرضى
في المستشفى كنوع من المساوات لتلميع صورته والسجن خدعة خبيثة لكن الصدف
لا وجود لها في حكم القدر أخيرا .....
كبير الجلادين الجاني والمجني عليه في غرفة واحدة وما اشد الدهشة نظرة تتبعها نظرة
وصمت مطبق لقاء بعد فراق ليقف الزمن للحظة ويعود بنا للحظة الفراق
في مشهد المقهى في اول يوم باع فيه كمال نفسه لم يكلم أحد الاخر وبعد ايام
تم قفل المعتقل بضغط من منظمات حقوق الانسان وتم احالة الضابط للمحاكمة
بعدما تنكر له رؤسائه. في حين تم افراج عن احمد ليكمل مشواره النضالي
إذ نقل معاناته في كتاب يحكي سيرته الذاتية تم ترجمته لعدة لغات وتم تعيينه
كي يحاضر في ارقى الجامعات..
وفي اخر صفحة من الكتاب المعنون بقيمة الذات في زمن اللذات
قال :
قيمة الانسان لا يحددها الاخر بل يحددها الانسان ذاته
فمتى باع الإنسان نفسه سقط في عيون الاخرين !!

شكرا