etica,sans-[size=24][size=18]serif]إذا لم نكن حكماء أنفسنا فمن يتحمل مسؤوليتنا؟!![/font][/right]
عادة ما نلجأ إلى الطبيب لتشخيص أمراضنا ووصف العلاج الملائم لها، ونبقى تحت إشرافه حتى الشفاء التام، إيماناً منا بخبرته وقدرته على تقديم الدواء المناسب لحالتنا. ولكن مهمة الطبيب في أيامنا هذه لم تعد تقتصر على تشخيص المرض فحسب، بل بات البعض يلجأ إليه لعلاج الأذى الناجم عن تناول الدواء بمعزل عن الإشراف الطبي، وبطريقة فوضوية لا تنتمي إلى مستوى تطور هذا العصر، ولا تمت إلى الطب بصلة.
والمؤسف أن فوضى استخدام الدواء تكاد تتحول إلى داء بل وباء يتفشى في مجتمعاتنا بمساعدة شاشات التلفزة من جهة، وهاجس الجمال الذي نلهث وراءه من جهة أخرى، فلم يعد الأمر يتعلق بتناول حبة مسكن للألم فقط، بل يتجاوزه إلى استخدام مستحضرات وأدوية بدون استشارة الطبيب، إنما اعتماداً على إعلان في هذه القناة أو نصيحة من شخص ما على مبدأ (اسأل مجرب ولا تسأل حكيم).
وللوقوف على الأضرار التي يسببها الاستخدام غير المسؤول للدواء رصدنا عدداً من الحالات، فما كانت طبيعة العلاجات التي تم استخدامها؟ وما المضاعفات التي سببتها؟ هذا ما سيجيب عنه التحقيق التالي...
وتحطمت أحلام الوجه الجميل
عادة ما تطالعنا القنوات التلفزيونية بإعلانات عن مستحضرات تنقية الوجه وتفتيح البشرة، وتعرض لنا مزايا تلك المستحضرات على ألسنة منتجيها أو فتيات الإعلانات اللواتي يتفنن في التغزل بخصائص وفوائد هذه التركيبة أو ذاك الكريم. الأمر الذي يدفع فتياتنا إلى الاستعانة بها لحل مشكلات البشرة من نمش وكلف وبثوروغيرها... غير أن النتيجة لا تكون دائماً على المستوى المطلوب من النقاء بل تتجاوزه أحياناً إلى مضاعفات تشوه الوجه وتستدعي تدخلاً طبياً كما حدث مع ريم (موظفة) التي عانت لفترة طويلة من حب الشباب واستشارت عدة أطباء، واستخدمت كريمات وأدوية متنوعة، لكنها لم تحصل على بشرة صافية كما تتمنى. وذات يوم شاهدت إعلاناً تلفزيونياً عن أحد مستحضرات تنقية البشرة فاستخدمته منفذة الخطوات التي حددها المنتج بحذافيرها، غير أنها فوجئت بالبثور تطفو على بشرتها. تقول ريم: (لم يمض يومان على استخدامي لذلك الكريم حتى بدأت البثور تكسو وجهي مرفقة بالتهاب وقيح لدرجة أني لم أعد أستطيع أن أضع يدي على خدي أو حتى أمسحه بعد غسله، فراجعت عيادة أحد أطباء الجلد الذي وبخني بقسوة بعد أن استمع لحالتي، ووصف لي دواء أعاد إلى صفاء بشرتي وحذرني من التهاون مجدداً واستخدام المستحضرات كيفما اتفق). ريم الآن راضية عن النتيجة التي حصلت عليها وأقسمت ألا تثق مجدداً بأي إعلان من هذا النوع وألا تستخدم مستحضراً قبل استشارة الطبيب.
بدورها هيا تعاني من النمش الذي يكسو وجهها، واستخدمت كريمات مختلفة لإزالته بناء على وصفات من أطباء جلدية لكنه كان في كل مرة يعود ليطفو مجدداً على وجهها، إلى أن نصحتها خالتها بتجربة المستحضر الذي تستخدمه باعتباره من الكريمات مرتفعة الثمن ومضمونة النتيجة، وفعلاً جربت هيا الكريم، لكن عوضاً عن اختفاء النمش بدأ وجهها يتقشر ويميل نحو الاحمرار:( بدأ الاحمرار يزداد يوماً بعد الآخر ويسبب آلاماً كآلام الحروق، وأخذ زملائي في العمل يستوقفونني لسؤالي عن السبب دون أن أعرف جواباً، إلى أن أدركت بعد عدة أيام أن المستحضر قد يكون السبب، فتوقفت عن استخدامه وعاد وجهي لطبيعته). تقول هيا إنها الآن مقتنعة بوجهها ولن تعيد الكرّة وتضيف:( يبقى النمش كما يقولون قبلات الشمس وليس بالمشكلة العظيمة).
طريق الآلام أم طريق الرشاقة؟
يبقى هاجس الرشاقة الشغل الشاغل لفتياتنا وسيداتنا، وبما أن طبيعة طعامنا وحلوياتنا الغنية بالحريرات والدهون ترفع مستويات البدانة، ولأن نظام الحمية والرياضة يتطلبان وقتاً قد يستمر أشهراً لإنقاص الوزن، يلجأ البعض إلى خلطات الأعشاب المنحّفة أو الأدوية قاطعة الشهية ومزيلة الدهون كحل سريع لمواجهة المشكلة. ولا ننكر أن الكثيرين استفادوا من تلك الأدوية وأنقصوا الكيلوغرامات الزائدة، لكن تأثير تلك الوصفات ليس موحداً لأن طبيعة أجسامنا ليست واحدة، فالكثيرون تعرضوا لمضاعفات صحية نتيجة استخدام تلك الأدوية، وماجد ( طالب جامعي) واحد من الشبان البدينين، حاول اتباع عدة أنظمة لتخفيف الوزن لكنه كان يمل من طعام الحمية ويعود لتناول الأغذية الغنية بالدهون، إلى أن نصحه صديقه بتجربة دواء قاطع للشهية كحل بديل للحمية، غير أن جسد ماجد لم يتقبل الدواء وأصيب بارتفاع في ضغط الدم وصداع استمر يومين مع دوار، فتوقف عن استخدام الدواء وقرر الانتساب لنادٍ رياضي وراجع اختصاصي تغذية، وهو الآن ملتزم بإرشادات الطبيب ويراجعه كل عشرين يوم للوقوف على معدل خسارته للوزن وتحديد نوعية وكميات الطعام المناسبة له.
من جهتهافداء (أم لولدين) استخدمت أحد الأدوية المزيلة للدهون على أمل التخلص من الكيلوغرامات الزائدة قبل حلول الصيف، لكنها أصيبت بدوار حاد وفقدت وعيها أمام ولديها اللذين أصيبا بالذعر لرؤيتها ممددة على أرض الغرفة، تضيف فداء: ( اتصلت ابنتي البالغة من العمر 10 أعوام بزوجي الذي هرع إلى البيت، ومع وصوله كنت قد بدأت أستفيق من غيبوبتي، فوبخني وألقى بالأدوية في سلة المهملات محذراً من استعمالها مجدداً دون استشارة طبيب).
أما فريد فقد حصل على مفعول عكسي مع استخدام أحد الأدوية قاطعة الشهية، وراح يلتهم الطعام بنهم وبكميات لم يعتد تناولها، ووجد نفسه مع نهاية ذلك اليوم وقد أكل طعاما ًيكفي ثلاثة أشخاص على حد قوله، يقول فريد:( قررت بعد تلك الحادثة استشارة طبيب ليقدم لي وصفة آمنة ومضمونة لتخفيف الوزن، وقد مر حتى الآن يومين على استخدامها، أرجو أن أصل إلى نتيجة مرضية).
على حافة الخطر
إذا كانت مضاعفات مستحضرات الجمال وأدوية تخفيف الوزن ثانوية إلى حد ما، فإن الاستهتار بالصحة واستخدام أدوية كيفما اتفق لأمراض تستوجب إشراف الطبيب، قد تؤدي إلى عواقب مأساوية و وتسبب مخاطر نحن في غنى عنها.
ميادة واحدة من السيدات اللواتي أوصلن أنفسهن إلى حافة الخطر بسبب تناول قرص دواء خافض للضغط دون استشارة الطبيب. تتذكر ميادة تلك الحادثة بأسى: ( كنت يومها أمر بظرف صعب سبب لي التوتر، ودعتني صديقتي لتناول القهوة فأخبرتها بأني أشعر بألم حاد في رأسي وكأن أحداً يمسك مطرقة ويدقه بها). خمّنت الصديقة أن تكون حالة ميادة النفسية تسببت بارتفاع في ضغط دمها فأحضرت الميزان وقاسته للتثبت من درجته، وكان ظنها صحيحاً. تتنهد ميادة قبل أن تتابع: (نصحتني بتجربة قرص من دوائها كونها تتناول خافضاً للضغط، وبعد حوالي 20 دقيقة بدأت أشعر بالغثيان وفقدت وعيي، وعندما استيقظت وجدت نفسي في المستشفى محاطة بعائلتي والطبيب الذي وجه إليّ اللوم بسبب استهتاري بصحتي، وطلب مني استشارة طبيب مختص عندما أشعر بارتفاع في ضغط دمي لأن الطبيب وحده القادر على تقدير حالتي ومدى حاجتي للدواء).
تناولت دواء لعلاج التلبك المعوي فأصبت بغيبوبة، وأفقت لأجد نفسي وقد تقيأت على السجادة، بهذه العبارة بدأت السيدة ليلى تخبرنا عن الحادثة التي مرت بها وتابعت: (كنت أتناول القهوة صباحاً مع جارتنا فشكوت لها إحساسي الدائم بانتفاخ في بطني، عندها وصفت لي دواء لعلاج حالتي وأرسلت قرصين لتجربتهما، وفعلاً ابتلعت قرصاً، وبعد قليل شعرت بدوار وبدأ يميل لون وجهي إلى الاصفرار ثم رحت أتقيأ وبعدها فقدت وعيي ما جعل ابنتي تعتقد أني توفيت، وعندما استيقظت وجدت ابنتي والجارة - التي كانت تعمل ممرضة في السابق- فوق رأسي). عملت الجارة على تهدئة ليلى، وأخبرتها أن الحالة التي تعرضت لها سببها عدم استجابة جسدها للدواء، وقررت بعدها أن تصم أذنيها عن جميع الأدوية التي لا يصفها الطبيب المختص، إذ يكفي رؤيتها لابنتها وهي تبكي خوفاً عليها.
الموت عبر إلى هنا
لا يتوقف الاستخدام الخاطئ للدواء على تناوله بمعزل عن توجيهات الطبيب بل نجد حالات تستخدم الدواء الموصوف من قبل طبيبها بجرعات مخالفة للكميات المحددة من قبله سواء بزيادة الجرعة أو تخفيفها أو حتى التوقف عن تناول الدواء من تلقاء نفسها ما يتسبب بمضاعفات خطيرة تصل حد الموت كما هي حال والد سامر الذي توفي قبل عشرة أيام بعد أن كان أجرى قبل شهر عملية ناجحة لاستبدال شرايين القلب وأخذت حالته تتحسن، لكنه عاد وأصيب باحتشاء في عضلة القلب استدعى نقله إلى المستشفى. يمسح سامر دموعه وهو يتذكر ذلك اليوم قائلاً:( أخبرنا الأطباء أنه مصاب باحتشاء حاد وأن حالته خطرة، ولم تمر ساعات حتى توفي، كنا مصابين بصدمة لوفاته المفاجأة، لكن بعد انتهاء مراسم العزاء وبينما نحن نجمع علب الدواء التي كان يتناولها تنبهنا إلى وجود علبتين كاملتين لم يتناول منهما شيئاً مع أنه من المفروض أن يكون تناول عدة أقراص من كل منها، وكانت إحداهما دواء للحفاظ على لزوجة الدم). أدركت عائلة سامر حينها أن والده قد توقف عن تناول الدواء ما تسبب له بالاحتشاء ومن ثم الوفاة.
على طرفي نقيض
الحالة التي سنذكرها تمثل النقيض التام لسابقتها، لأن بطلها رجل مصرّ على تناول جرعات زائدة من الدواء الموصوف له، ولم تنفع محاولات أولاده لجعله يلتزم بالكميات المحددة من قبل الطبيب. تحدثنا أمل ابنة السيد فهد عن والدها - السبعيني- قائلة: ( إن إفراط والدي في تناول الدواء قد سبب له مضاعفات عدة وأضعف مناعته، وقد أجرى تحليلاً مرتين وتبيّن بالنتيجة انحفاض عدد كريات الدم البيضاء لديه، ورغم محاولاتنا المتكررة ونصح الطبيب الدائم له، فهو مصر على المضي في تناول الدواء بجرعات زائدة ظناً منه أنه يستطيع بذلك وقاية نفسه من المرض). عائلة السيد فهد تضطر بين الفترة والأخرى إلى وضع سيروم له لعلاجه من مضاعفات تلك الجرعات.
طبيعة أجسامنا ليست واحدة
يرفض الدكتور عبد الرحمن بركات (طبيب مخبري) بشدة لجوء الناس إلى استخدام وصفات أو علاجات بمعزل عن استشارة الطبيب لأن طبيعة أجسامنا ليست واحدة، فما يتقبله شخص قد يتأثر به الآخر سلبياً، ويضيف: (كثيراً ما يلجأ الأفراد إلى أعشاب معينة لتخفيف الوزن دون أن يعوا أن تلك الأعشاب قد تحوي مواد مضرة، بينما الأدوية المستخرجة منها تحتوي فقط الأجزاء النافعة).
ويشير الدكتور بركات أنه حتى الأدوية الموصوفة من قبل الطبيب المختص قد تسبب مضاعفات للمريض ما يدفع الطبيب إلى إيقافها أو استبدالها، ويروي قصة أم وابنتها تعانيان من الحساسية ويتولى حقنهما بالإبر المقررة من طبيبهما فيقول: (رغم أن نوع الحساسية الذي تعاني منه الأم وابنتها واحد، والدواء المقرر لهما هو نفسه، غير أن الأم أصيبت بارتفاع في ضغط الدم ما اضطر طبيبها لإيقاف علاجها بهذا الدواء، في حين تستجيب ابنتها جيداً ولا تعاني من أية أضرار جانبية).
ويشدد الدكتور بركات على الاستعانة بالأطباء الاختصاصين لأنهم يعرفون مضاعفات الأدوية خاصة ما يتعلق منها بأدوية تخفيف الوزن كونها الأكثر انتشاراً وبمتناول الجميع، ويرى أن اللجوء إلى اختصاصي التغذية هي الطريقة الأمثل والأكثر ضماناً لتخفيف الوزن بمعدلات صحية ودون أن يفقد الجسم عناصر غذائية ضرورية.
أفكار كثيرة تتزاحم في ذهني في ختام هذا العرض وتصطدم بألف سؤال وسؤال عن جدوى أن ندخل القرن الحادي والعشرين بكل إنجازات العلم وتطوراته ونحن ما نزال نتعامل مع أجسادنا بعقلية (اللي إلو عمر ما بتقتلو شدة)، فهل سنبقى أسرى الاستهتار أم إننا سنحيل أوجاعنا على الطب عملاً بالمثل القائل (عطي الخباز خبزو لو أكل نصو)، ربما.....