Gula Kobani نائبة المدير العام
المشاركات : 255 العمر : 38 تاريخ التسجيل : 03/04/2008
| موضوع: بين دموعها وابتسامة.. الخميس يوليو 08, 2010 6:50 pm | |
| ثاءبت القطة البنيّة باسترخاء ومنحت نظرةً لا مبالية لعصفورٍ يقفز أمامها على الغصن الآخر للشجرة، وحتى عندما مرّت بجوارها صاحبة الدار لم تخش شيئاً ولم تحرّك ساكناً.. فقد كانت سيدةً طيبة القلب، وللحق.. فكّرت القطة.. كلّ أهل البيت هنا طيبون. فالابنة ماجدة المعلّمة لطيفةٌ معها لأبعد الحدود، وهي من تأتيها بالطعام في كلّ يوم.
وسامر طالب الحقوق يجلس ويحدّثها في الليل عندما ينام الجميع ويكون وحيداً بين كتب القانون.. يجلس مستنداً إلى إطار نافذة غرفته المفتوحة ويخاطب هذه القطة الجميلة العرجاء بينما تقبع هي على الأريكة في الخارج.. تنظر إليه وكأنّها تفهم ما يسرد لها من همومٍ وأحداث..
وأمّا سائق التاكسي ربّ الأسرة فيغريها كثيراً لتأتي إليه وهو يشرب العرقسوس أو اليانسون في باحة البيت.. كان الوحيد من البشر الذي تسمح ليده بالاقتراب منها.. يعبث بعنقها ورأسها مستسلمةً بجوار كرسيّه القديم، فقد تعلمت أن لا تخاف هذه اليد منذ ذلك المساء.
ذلك المساء الحزين.. حين عبرت مع صغيرتها الزقاق الخالي من المارة والسيارات، وقد تشاغلت الطفلة بشيءٍ على الطريق ففاجأتها سيارةٌ مسرعة جمّدتها في مكانها.. عادت الأم لتنقذها فداست عجلة السيارة فوق قدمها بعد أن رمت ابنتها بعيداً لتفارق الحياة..
ركضت نحوها متحاملة على ألمها وصارت تشمّها وتصرخ، وتنظر بلوعةٍ لا توصف إلى السيارة المبتعدة والتي لم يكلّف صاحبها خاطره بأكثر من نظرةٍ سريعة للخلف حملت لوماً لهذه المخلوقات الغبية كما فكّر في نفسه.. قفزت القطة بقدمها الغائبة من جانبٍ لآخر تتمنى أن تنهض صغيرتها من جديد، ولم تشعر بسيارة الأجرة القادمة ولم تأبه بها.. ولكنّها توقفت وترجّل منها أبو سامر واتجه نحوها، فلم تهرب والتفتت إليه وهو يقترب، وكأنّها أحسّت بتعاطفه معها فأخفضت رأسها قرب ابنتها باستكانةٍ مؤلمة.. انحنى أبو سامر وحمل الصغيرة، وبلمسة حنانٍ لم تقاومها الأم وضعها أيضاً على ذراعه القوية.. وفي تلك الليلة ضمّ التراب في باحة بيته جسد القطة الطفلة.. وصارت هذه الباحة الواسعة بيت أمها الذي لا تفارقه.
ومرّت الأيام، وتعوّدت القطة الجميلة على الحياة بين أهل الدار.. سهرت معهم ونامت معهم.. سمعت قصصهم وعرفت همومهم، ولمست عن قرب معاني الحبّ والرحمة فيما بينهم وهي التي كانت غائبة عن شوارع حياتها..
كانت تتمنى فقط لو عاشت بينهم قطتها الصغيرة لتجرّب هذا النعيم الذي لم تسمع عنه إلا في قصص جدتها ربّما.. إذا كانت الجدات عند القطط تسرد الحكايات..
كانت تتأملهم يعيشون بين لمسة حنانٍ هنا وضحكةٍ هناك.. وحتى الدموع التي رأتها في هذا البيت كانت دافئة، فأدركت الأمّ الحزينة أنّ السعادة تكون قريبةً من الرحماء، وعندها قد تكون لاحت في وجهها ابتسامة.. وظنّ العصفور الأحمق على الغصن القريب أنّ القطة البنّية الجميلة تبتسم له.. بينما تثاءبت هي من جديد، واستسلمت للنوم. | |
|