يبدو أن مفتاح حل معضلة الحد الأدنى لأجور العاملين في القطاع الخاص سلم إلى لجنة وطنية مختصة، تفويض حكومي صدقه رئيس الوزراء إلى فريق وطني لرفع الحد الأدنى لأجور العاملين في مواجهة الارتفاعات الكبيرة في معدل التضخم وأسعار السلع والخدمات وفيما تتسارع خطا مفاوضات تشكيل اللجنة على وقع التغيرات الاقتصادية الأخيرة يصبح السؤال: إلى أي أرقام سيتحدد الحد الأدنى للأجور؟
فجوة
وثمة تحليلات اقتصادية ترى أن الاتيان إلى سلة الاستهلاك الحالية التي يعتمدها المكتب المركزي للاحصاء قد تحمل بعض المبالغة خصوصاً وأن الأرقام لا تزال متضاربة بين ما يعلن رسمياً وبين ما يلمسه المواطن العادي من خلال معيشته اليومية، الأمر الذي يستدعي إشراك جميع المعنيين في اللجنة من مختصين إلى عاملين لتحديد ماهية سلة الاستهلاك الحقيقية بحيث يعكس بشكل صحيح وموضوعي التغيرات في الأسعار وتأثيرها على أصحاب الدخل المحدود ثم ربط الحد الأدنى للأجور الحالي بالحد الأدنى الحقيقي لمستوى المعيشة.
فالمسألة لا تحتاج إلى لجان على مستوى عال وفقاً للباحث الاقتصادي منير الحمش بل إلى ممارسات يومية لمعرفة حقيقة تكاليف المعيشة للعائلة وكيفية تطور الأسعار والأخذ بالاعتبار التضخم والحاجات الأساسية لأسرة معتدلة التكوين وعلى هذا الأساس يتم وضع الحد الأدنى للأجور.
ودعا الحمش إلى ضرورة الانطلاق من مستوى الحد الأدنى للحريرات التي يحتاجها الجسم ثم قيمة هذه الحريرات ومصادرها الغذائية وصولاً إلى أرقام صحيحة فضلاً عن عناصر أخرى كالمسكن والملبس والأدوية والطبابة التي باتت تشكل عبئاً كبيراً على الأسرة.
حدان
يطالب البعض بربط الأجور بمستوى تكلفة المعيشة، وهذا مبدأ متبع في بعض الدول التي تقيس الأجور بالأسعار، كأن تنصّ القوانين على زيادة الأجور بنسبة 90٪ من معدل التضخم السنوي فإذا وصل التضخم إلى 5٪ زادت الاجور بنسبة 4٪ لكن المسألة سيف ذو حدين إذا لم تتوفر الشروط الصحية في ربط الأجور بالتضخم فإنه يؤدي إلى التهاب مستوى الأسعار وارتفاع التضخم بطريقة حلزونية تضر الجميع بمن فيهم أصحاب الدخول المنخفضة، وتتلخص أضرارها برأي الاقتصادي سمير سعيفان في زيادة تكلفة الانتاج بدون زيادة كميته وانخفاض القدرة التنافسية للمنتجات المحلية داخلياً وخارجياً وزيادة العجز في الموازنة العامة للدولة وتدهور قيمة العملة الوطنية بسبب استدامة العجز التجاري في ميزان المدفوعات وارتفاع معدل البطالة.
لذلك يرى سعيفان أن المبدأ الأكثر صحة قد يكون في ربط الأجور بالأسعار والانتاجية في علاقة ثلاثية تحقق أهدافاً كمحاربة التضخم واستدامة ارتفاع معدل نمو الدخل القومي في هذا الاطار وليس المطلوب فقط تحديد الحد الأدنى للأجور بل اصلاح هيكلي للاجور والرواتب.
تكهن
وفيما يصعب التكهن حول احتمال تقبل رجال الأعمال فكرة زيادة الحد الأدنى للأجور تجنباً للزيادة في تكلفة الانتاج تصرّ نقابات العمال على زيادة الحد الأدنى للأجور عبر منظومة متكاملة تشمل السيطرة على الأسعار وتحسين الخدمات وإتاحة فرص عمل.
يقول الحمش: بعض الفئات من رجال الأعمال لا ينقصها الذكاء وستنظر إلى اعطاء العامل أجراً يتناسب مع مستوى المعيشة وستقبل برفع الحد الأدنى من الأجور انطلاقا من مصالحها الذاتية في منشآتهم بيد أن كلام سعيفان لا ينسجم مع هذا الطرح وهو يرى أن رجال أعمال كثيرين سيرفضون فكرة رفع الحد الأدنى للأجور متذرعين بارتفاع تكاليف الانتاج ومستوى المعيشة والتضخم.
اجماع وخلاف
باختصار بات اعتماد حد أدنى لأجور العمال ضرورة تنسجم مع قواعد البعد الاجتماعي، فعدم معالجة القضية الآن وبشكل صحيح ستترك تداعيات سلبية على مستويات النمو الاقتصادي في المدى القصير والطويل علماً أن غالبية الدول تطبق آليات محددة للمحافظة على القيمة الحقيقية للأجور حتى لا تتآكل بمرور الوقت وفقاً لمتغيرات التضخم في أسعار السلع الاستهلاكية وبالتشاور مع منظمات الأعمال.
وبحسب الحالة السورية هناك اجماع على ضرورة تعديل الحد الأدنى للأجور إلا أن هناك خلافاً حول قيمة هذا الحد الأدنى والآلية الخاصة بتغيره دورياً، خاصة وأن هناك تبايناً حول النسبة الحقيقية للتضخم أو ارتفاع الأسعار بين الجهاز الرسمي الذي يتولّى هذه المسألة وخبراء علم الاقتصاد.