تكفي جلسة حوار لمدة دقائق قليلة مع أي شاب
معضلة الفقر وأسئلة الناس في سورية تكفي جلسة حوار لمدة دقائق قليلة مع أي شاب، أو خريج جامعي عاطل عن العمل، أو حتى موظف أو عامل، أو صاحب مهنة خاصة،
حتى ندرك حجم الاحباط الذي يلقي بظلاله الثقيلة على الجميع جراء الأوضاع المعيشية المتردية وغلاء الأسعار، وبقية الهموم المتعلقة بتأمين القوت اليومي، أو الحصول على فرصة عمل.
أيضاً فإن جولة على الصحف السورية، والمواقع الالكترونية، تكشف لنا كم هي الأخبار الكثيرة التي تتعلق بالجرائم الجنائية، وحالات القتل والسرقة التي تمت لأسباب اقتصادية، أيضاً الفساد المستشري في جسد المؤسسات العامة، وفي مناحي حياتنا كافة، كذلك حجم الشباب الذين غادروا، أو الذين يقفون كل يوم على أبواب السفارات العربية والأجنبية بحثاً عن فرصة عمل، أو ربما فرصة حياة. إن كل ذلك يكشف أن بلدنا في حاجة لعملية إصلاح اقتصادي عاجلة.
بحسب تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي نشر في عام 2005 فإن ما نسبته نحو 11.4 في المئة من إجمالي عدد السكان البالغ 22 مليون نسمة يرزحون تحت خط الفقر، أي ان نحو 2.2 مليون شخص لا يمكنهم توفير احتياجاتهم الأساسية. ولنا أن نتخيل الأوضاع بعد خمسة أعوام من هذا التاريخ، حيث زاد عدد السكان، وزاد عدد الطالبين لفرص العمل، كما ازدادت تكاليف المعيشة وزادت أسعار غالبية السلع الأساسية بعد الأزمة المالية العالمية، ولا ننسى هنا مئات الآلاف من العمال الذين عادوا من لبنان بسبب الأزمة التي نشأت بين البلدين بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري.
حسب ذلك التقرير فإن 30 في المئة من السكان يعانون من الفقر، وهؤلاء الفقراء لا يستفيدون من النمو الاقتصادي للبلاد. كذلك بلغت نسبة التضخم، بحسب صندوق النقد الدولي، نحو 14 في المئة في عام 2009. ويقدر معدل البطالة بثمانية في المئة حسب الأرقام الرسمية، وحسب خبراء مستقلين باثنين وعشرين في المئة.
صحيح أن الانتقال إلى اقتصاد السوق له ثمن على المدى القصير، حيث بدأت منذ أعوام وببطء عملية الانتقال من الاقتصاد الاشتراكي إلى اقتصاد السوق، لكن المشكلة أن الفساد القائم، واستمرار العمل بالمنظومة الفكرية السياسية الحزبية والتشريعية «الاشتراكية» السابقة يعملان على تشويه عملية الانتقال تلك وهذا ما يدفع لخسائر مضاعفة، ومتضررين كثر من شرائح المجتمع السوري.
وكما أشرنا سابقاً فإن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية وانعكاساتها على كل الدول، رغم تبجح المسؤولين ونفيهم حصول تأثيرات تذكر، قد زاد من الأوضاع سوءا، كذلك لعبت الشروط المناخية والجفاف الذي يضرب مناطق كثيرة من سورية بين الفينة والأخرى، في مضاعفة الصعوبات، وزيادة نسبة من هم تحت خط الفقر منذ صدور تقرير التنمية عام 2005. فبسبب الجفاف المستفحل منذ 4 أعوام أو اكثر، تم رصد هجرة ريفية من المناطق الشمالية الشرقية «الحسكة والقامشلي» نحو العاصمة دمشق، والمدن الكبرى مثل حلب بشكل مكثف، ولنا أن نتخيل كيف أن مزارعاً مع جميع عائلته كان لوقت طويل يعيش حياة مستقرة ورغيدة معتمداً على أراضيه ومحصولاتها، بات اليوم وجميع أفراد أسرته على أطراف دمشق عاطلاً وينام تحت خيمة فيما أطفاله يشحذون على إشارات المرور في الطرق بعد أن تركوا بيوتهم ومدارسهم ودفء العائلة؟ هذه ليست قصة متخيلة، انها حقيقة.
كذلك يلعب نضوب الثروة النفطية وانخفاض عائدات النفط، رغم أنها قليلة في الأصل، في نقص إيرادات الخزينة وهو الأمر الذي عملت الحكومة على تعويضه للأسف من زيادة الضرائب والرسوم على السوريين، ووقف زيادات الأجور للموظفين في مؤسسات الدولة، الذين يقدرون مع أفراد الجيش بأكثر من مليوني شخص، وذلك بدلاً عن استدراك المشكلة مبكراً والعمل على توفير بدائل للمداخيل خارج جيوب ومحفظات المواطنين.
ان الأوضاع الاقتصادية المتردية تفرض على القيادة السياسية العمل بشكل حثيث اعطاء عملية الاصلاح الاقتصادي الأهمية التي تستحق، ولا نقول الاصلاح السياسي لأنها أعجز وأضعف من أن تقوم به. ان أهمية الدول اليوم، وحجم دورها الإقليمي، وكذلك تواجدها على الساحة الدولية وسمعة نظامها، تتوقف على أوضاع اقتصادها ومواطنيها، وعلى حجم النمو السنوي، وحجم دخل الفرد، وليس على التبجح السياسي الديماغوجي ومحاولة استغباء المواطنين وتجاهل ألمهم ومعاناتهم اليومية. ان الحكومات التي تحترم نفسها، هي الحكومات التي توفر الرخاء الاقتصادي لشعوبها، وشعبنا ملّ من الديماغوجيا والانتصارات الوهمية.