حين يقبل المساء
حين يقبل المساء
وتهرب أفواج النور
وتهدي الظلمة البرية سكون وسكينة
وستار صمت يخبئ الأسرار إلى الصباح
يصغي الكون بغير أذن للسكون
وترسل العتمة تسابيح مع نسائم الليل الذي انسكب ببطء على الأرض
وتصعد أرواح الهاربين من الحياة للسماء
و تتأوه المقابر تحدث عن ساكنيها
وتظل الوحدة شريكة الدرب ورفيقة العمر
تحدثني وأحدثها وتصغي إلى صمتي
انزواء على الذات
ومساء يحرض على الانزواء
وزوايا لا يضيئها غير قبس من روح
وجسد أنهكه الدرب الطويل
وعتمة تنذر بخوف
وتتوعد بليل طويل
بعثرة بين النور والظلمة
وبين مساءات الخوف
وليالي الدروب المقفرة
وبين نور يتسلل بين أفواج الظلام
ولازالت الخطى تسير بقبس من روح
كنت أظن أني ملكتها وصارت لي
كنت أحسبني وجدتها وهي بين يدي
ولكني كنت أقبض على بعض غباء
وطيش وغفلة
حين تخيب الآمال
وتأتيك العتمة بما لا تتوقع
حين تصدمك الحقيقة
وتجدها قد خانتك بواقعها وصفعتك بنورها
وهزتك حتى الموت بصعقة حق
ولمّا لا تجد معك في هذا النفق المظلم يدا ولا تسمع همسا
وتتمنى لو تبخر جسدك لو تسمرت خطاك
لو سلخت روحك عن جسدك
لو أنك لم تكن أو أنك كنت شيئا غيرك
حتى وإن كنت بلا اسم ولا هوية
وإن كنت ذاك الباب الذي طرقته
أو تلك النافذة التي وقفت عندها
أو سادتك التي أصغت بصبر لسرك
أو شجرة استلقيت بألمك تحتها
أو حتى شارع أسفلت ممتد دسته
وأنت – أنت وحدك المهزوم
المخلوع من عرشك
المنتزع من ملك
المطرود خلف أسوار البشر
المراءون الكاذبون المتحذلقون
أصحاب الوجوه المتعددة
والأقنعة المزورة والقلوب المتحجرة
لا تستطيع إلا أن تقيء
وتفصد الدم الذي تغذى على أنفاسهم
لا تستطيع إلا أن تنزوي وتضع الأسوار بينك وبينهم
وتخلق للعتمة ألف عذر وعذر حتى تبقى
تخبئك منهم أو تخبئهم عنك
ترسل سهام الليل
ألا يدوم هذا الطوفان الهادر
الذي ما أبقى على شيء
دمتم بمحبة في لجة الصخب كنتم
وكم يؤسفني أن أجركم إلا بعض هذا الجنون
كم يؤسفني أن أغرقكم في هذه العتمة
وكم يعز علي حالكم وأنتم تنظرون لهذا الروح
التي شوهها طين وطلاء
ولطخها سواد وبعثرها هم الخلاص
أترككم لكي لا تتشوه أرواحكم
وحتى لا تغمركم عتمة روح في لجة صخب
دمتم بكل الخير الذي يسكنكم
دمتم برعاية الله