زهرة زهرة المنتدى
المشاركات : 1572 العمر : 37 العمل/الترفيه : صناعة الحلويات المزاج : عاشقة لكوباني تاريخ التسجيل : 22/04/2010
| موضوع: الشعر الابيض السبت يوليو 17, 2010 4:16 pm | |
| إنها قصة صغيرة و قصيرة في آن واحد ، ليس ثمة من ثمة شيء ٍ مغري ٍ في قصّها ، سوى أنه أي هذا الشاب العشريني الذي أجهل اسمه ، صار يقضي أمام المرآة مدّة أطول . فقد لاحظ مؤخراً اختلاط شعره الأسود الداكن بشعيرات قليلة بيضاء بعثتْ في ذاته هاجساً آسر و توفّزاً يشبه ارتكاز قط ٍ على قدميه الخلفيّتين إبان أن يقفز على السور في جو ٍ يسوده الخطر و التربّص . و بما أنه أوعز سبب ذلك الإشتعال الأبيض إلى القلق الذي نما في قلبه و عرّش في مخيّلته ، فقد فضّل أن يتجاهل و أن يتحاشى النظر إلى نفسه في المرآة . و لكن ، منْ منا يستطيع أن يتخلى عن المرآة ؟ ، نرسيس نفسه لم يطق صورته في عيون ممن افتتنْ بجماله ، ظلّ ينظر في الماء . أما بالنسبة له فلم يكن ثمّة من ماء أو رطوبة خلال الطريق الذي جففه تموز بشمسه الطالعة حوالي الظهر . عرّج على أكثر من محال ، ابتاع منها بعض الحاجيّات ظلّ يحملها حتى استوقفته لافتة صالون الحلاقة فدخل . و هو أمام المرآة تابع بعينيه الخرزيّتين الشعر الأسود المقصوص و هو يتناثر على الملاءة ، فأوجس شكل شعرة ٍ بيضاء طويلة أكثر من الغير ، تتدلى ككوز ذرة على سواد حقل أخضر . ضايقه طلب الموظف الجديد في المحل بأن يرفع رأسه عن صدره و ينظر للمرآة التي بدتْ الآن كأثاث زائد لا معنى له . و على مقربة منه دار حديث بين مالك الصالون بكرشه الكبير و زبون كان يحلق له . و لم يكن على استعداد لأن يلقي بالاً فيسترقْ السمع لولا أنه وجد الكلام طريفاً و غريباً .. قال مالك الصالون و المِشط يدوّر بين أصابعه : - لا لا ليست الحاديّة عشر تماماً .. إنها تؤخّر على الدوام . ( تابع و قد أمسك بساعة حائط بلاستيكيّة متوسط الحجم من طرفها الخفيّ الخلفيّ ) لقد ظننا في بادىء الأمر أن البطاريات تنفد بسرعة . استبدلنا البطاريّات و لم يتغيّر الحال ، حتى لاحظنا أن العقربيّن يضربان بعضهما البعض أثناء دورانهما فيحدث التأخيّر .. و ردّ عليه رأسٌ صغير لرجل خارج من ملاءة صفراء بغمغمة متقطّعة . أما هو فقد آب إلى مشاعره التي بدتْ الآن أكثر اضطراباً و أشدّ إبهاماً ، " ماذا يعني ذلك ؟ و إلامَ أريدُ أن أصل ؟ متى أخلُصْ من توأمة الأشياء و ربط الحوادث ، قلتَ في نفسكَ أنا أهوي الآن لا مُحالة . الشعرُ الأبيض ليس دلالة خير ٍ على كل حال ، و هذه العشوائيّة في النمو .. في اليمين و اليسار ، المؤخّرة و الغُرّة . تحيلُني إلى أن أتخيّل جميع الخطوط البيضاء على استقامة ٍ واحدة تثخن فجأة ثم يبرق لي أحدُ طرفيّها يشدّ نفسه ملوّحاً حلقة في الهواء .. - لو سمحتْ ؟ هناك بعض الشعيرات الزائدة في أسفل الذقن و على امتداد الوجنتين ، هل تتفضّل بأن ترفع الرقبة قليلاً ؟ - الرقبة ؟ - نعم ، و لن يطولَ الأمر كثيراً . خرجَ من الصالون متكدّراً . كان آخر ما وقعتْ عليه عيناه تلك الساعة بعقربيّها المشلوليّن . مضى على الرصيف بتوءدة شأنه عندما يشعرُ بوخزة في كليّتيه و غمامة ثقيلة تتوسد صدره . قال مندهشاً : " و لا شعرة واحدة .. و لا واحدة ! ، فهل كنتُ واهماً ؟ " مالَ إلى الجِدار مُفسِحاً المجال لبعض المّارة بالعبور . أخرجَ من جيبه منديلاً ورقيّاً و مسح العرق الذي تجمّع على الجبّهة السمراء . و إذْ تذكّر ضرورة شراء المزيد من الحاجيّات ، اختار أول سوق ٍ تجاريّ صادفه و دلفَ إليه كان السوقُ مكتظّاً ،وظهرتْ له امرأة عجوز بوجهها الأصفر الناحل تسأله عن نوع ٍ من اللحم المُبّرد ، فاعتذرَ لها بإبتسامة لزجة تنم عن ضيق . و راح يبحثُ بعينيّه عن مُراده . بقيّ يتساءل و يقلّب الفكرة بتشكك و هو واقفٌ في الطابور . باتَ على مقربة من آلة الدفع ( الكاش ) ، التي تسمّرتْ خلفها فتاة لا يبدو عليها أنها من طاقم المحل ، رغم أنه أي هذا العشرينيّ المتوتر ، لا يتردد عادة ً على هذا السوق . إنها لا ترتدي مثل زملائها ، بل اللباس العادي و لعلها لو كانت بالزيّ الرسمي ما كانت تكشّفت له مثل زهرة جبليّة مملوءة بالحياة تشققتْ عنها ضخرة في تلك اللحظة بالذات . سمعها تومىء إلى زاوية مقابلة جلستْ إليها امرأة أشبه بقطعة من الخشب ، تتحرك بتلقائيّة عجيبة . و قد أفزعه وجه تثاءب كما لو أنه سينام عشرين سنة قادمة على التوالي كان ينتظر تلك المرأة حتى تخلُص من الحِساب . قال في نفسه : " لأدع موضوع الشيب الآن .. و أراقب هذه الحوريّة الصغيرة ." إنها ترتدي وشاحاً بلون " الكاكاو " الفاتح و سترة " بيّج " بسحّاب طويل ، أما البنطلون الجيّنز فقد كان بين تلكم اللونين . وجهٌ قمحيّ و عينان لوزيّتان و ابتسامةُ شفاه ظلٌ يمتدّ إلى الناظر . تقلّص الطابور ، و عادتْ هي تكرر بيدها الرقيقة الإشارة إلى الآلة المقابلة . و بينما هو يهمّ بالإقتراب أكثر و نشوة ٌ سيتذكّر فيما بعد أنها لم تطل . لاحَ له رأس عجوز ٍ أصلع ، قوّره جلدٌ أحمر بإستدارة ٍ قطنيّة بيضاء ، أحسّ إزاءه حينذاك بالحاجة الماسّة إلى مقصّ ضخم . لكنه سمع صوتها يذكر سعر السلعة .. فانتبه لإبتسامتها . مالتْ الشمس ، لا بّد أنها مالتْ و لو قليلاً . سار بضع خطوات ثم انعطف في طريق طويل درجَ إثره طلعة أسفلتيّة تُقوِّسُ ظهر صاعدها . قال متذمّراً : " إنني ألصقُ الأمور ببعضها البعض لا محالة . ما جدوى أن أصفّ مستقبلي في سلسلة طويلة يجمعها خيط ٌ كأنما مسبحة صوتُ طقطقتها يؤذيني من الداخل ؟! . عليّ أن أمضي هذا الطريق كله ، و أن أترك صنبور الزمن ينهمرُ في جسدي و روحي و عقلي . لافونتين تمنى بقاء البحيّرة و تجمّد الزمن . لكن شعري حال إلى الأبيض و لم أكتشف أي ثقب ٍ فيّ سرب الزمن ! . هو خريفي المبّكر ، الذي يأتي قبل الشتاء عادة ً ، و الذي لحسن حظيّ جاء قبل الربيع و الصيف أيضاً ." زعق زامور سيارة مسرعة . كانت تنحدر و تبعث بعادمها الأسود في أثرها . " لا مندوحة إذاً ؟ ، إنها لا تُقاس فلا تحاول ، مهما تناولوها في أحاديثهم هذه الحياة ، تظلّ الصخرة التي لم يصقلها موج . هي ليلة ٌ تنكريّة طويلة ، يغيّر فيها المرتادون أصباغ الوجوه و أزياءً ارتدوها و مقاعداً شغلوها ، و لم يفطنوا أيّان تنتهي ليلتهم و إلامَ اجتمعوا ." شمسٌ تغسلُ الأفق و تنشرهُ على حبال الضوء ، و أمنيّ نفسي بغد ٍ يأتي وحيداً و لا يجلبُ معه غداً آخر تسرّب مني ! " عند غرّة الشارع الأسوّد ، حذاء كومة أحجار ، وجد قطّاً أبيض مصدوم .. مات لتوه ، فلم يكن أمامه إلا أن يلتفت للسيّارة التي كانت تنزل منطلقة ً في البعيد .. | |
|
dost نجم المنتدى.
المشاركات : 3771 العمر : 45 المزاج : عصبي تاريخ التسجيل : 17/06/2009
| موضوع: رد: الشعر الابيض السبت يوليو 17, 2010 4:19 pm | |
| | |
|