زهرة زهرة المنتدى
المشاركات : 1572 العمر : 37 العمل/الترفيه : صناعة الحلويات المزاج : عاشقة لكوباني تاريخ التسجيل : 22/04/2010
| موضوع: صرخة وتر السبت يوليو 17, 2010 4:18 pm | |
| صرخة وتربانتظار انبلاج الصبح أمضى ليلة طويلة ، رافق فيها عقارب الساعة في حركتها البلهاء بين الأرقام المحكومة دوما" في ذاك المسار0 رافقها واقفا" على شعرة ، متأرجحا" بهواجسه على الميلين ، هوة الموت السحيقة على يساره ، وهوة الحياة الضحلة على يمينه ، فأصابع من ستتلقفه ؟ المطرب المشهور 0000 المطرب المحبوب كان بانتظار صدور نتيجة تحليل الخزعة المأخوذة من كتلة متوضعة على حباله الصوتية 0 بأصابعه التي لم تعرف سوى الإمساك بالريشة ومداعبة أوتار العود ، كان يتلمس حنجرته وللمرة الأولى يتعرف على أبعادها، يتحسس تفاصيل نتوءاتها ، فتصرخ كل خلية في روحه بالدعاء ، ويغرق في لجة الابتهال لم تكن مجرد حنجرة ، كانت قلبه النابض وراء مكبر الصوت ، على خشبة المسرح ، حيث يغدو ألحانا" ، كلمات واهتزاز أوتار0 جرب الغناء فأسكتته البحة وخذله صوته الذي أصبح غريبا" عنه ، لكنه ظل يمني نفسه بعودة صوته الجميل على أجنحة الراحة والامتناع عن التدخين والمشروب 0 وعده طبيبه أن يخبره الحقيقة أيا" تكن ، وهون عليه الأمر: حتى لو كان سرطانا" نستأصل الحنجرة ، نركب حنجرة اصطناعية ، وتعيش مئة عام 0 فقط ستفقد صوتك 0 صحح له : قل روحك ! أية لغة هذه التي يتحدث بها طبيبه ! من أين جاء بذاك المنطق ؟ أمن تلك البلاد التي حمل شهادته الكبيرة منها؟! أم من أعماقه التي حولتها المشارط إلى صقيع0 أيا" كان المصدر فإن ذهنيته لم تتهيأ بعد لذاك المنطق 0 في العيادة حاول أن يستبق الأمر لحظات ، ويعرف النتيجة من ملامح وجه الطبيب ، عندما كان يقرأ نتيجة التحليل ، لكنه وجدها خرساء كعادتها 0 وقف أمام المكتب رافضا" الجلوس ، عيناه منغرستان في عيني الطبيب ، وعندما بدأ الكلام تعلقت عيناه بشفتيه ليرى أي الكلمتين ستخرج من بينهما ، سليمة أم 0000 خبيثة 0 قال الطبيب : النتيجة إيجابية 0 قال المطرب : لم أفهم ، ماذا تعني ؟ أجابه : أعني 0000 س مع انطلاقة الحرف الأول ، لم ينتبه إلى قدرة الأذن البشرية على التقاط المسافة الزمنية بين أحرف الكلمة 0 لم ينتبه إلى السرعة التي يعمل بها العقل البشري 0 في تلك المسافة الزمنية تدلى حبل النجاة أمام عينيه فأمسك به ليعرش على ما تبقى من أحرف كلمة (سليمة) ويعانق الحياة من جديد ، ليعيشها بابتسامة دائمة مهما كانت الظروف ، لكن حرف الراء هو الذي تلا ، فارتمى وارتطم رأسه في قاع الهوة السحيقة ، وجاءت تكملة الكلمة (طان) صدى للارتطام والتشظي 0 شعر بأصابع الموت القاسية تلتف حول رقبته وتعارك روحه المهشمة 0 تلاشى ما تبقى من صوته ، جف حلقه ، وهربت الدماء من عروقه 0 جلس متهالكا" في المقعد القريب ، بينما الريشة تضرب بجنون على أوتار العود 0 علا صراخ الأوتار في رأسه وأضاع كلام الطبيب وهو يشرح خطة العلاج ويحدد موعد العملية 0 حمل نتيجة التحليل ، شعر أنه يحمل شهادة وفاته 0 خرج وهو يرى أوتار العود تتقطع ، خشبه يت**ر الريشة تتفتت وأغانيه ومواويله تكنسها الريح 0 في غرفة العمليات بينما أصابع الجراح الماهر تنتزع الحنجرة مما يحيط بها من أنسجة وأوردة وشرايين كانت أغاني المطرب الشهير تصدح في ذاكرته ، تتبعثر كلمات ودندنة خافتة على شفتيه 0 كم كان يحبه ! كم كان يحب صوته ويردد أغانيه التي حفظها 0 في لحظة انتزاع الحنجرة ارتبكت أصابعه خجلا" أمام مطر الأغاني المنهمر من سماء الذاكرة 0 تذكر مقطعا" من إحدى الأغاني 0 فصرخ بصمت معاتبا" القدر الذي لم يترك المطرب المسكين على شاطئ السعادة بل ابتلعه إلى أعاصيره و**ر كل مجاديفه ، وبصمت انسالت دمعة ذوبت جليد أعماقه 0 بحركة واحدة بأصابعه التي تحمل المشرط وتكتب دائما" باللون الأحمر فوق أجساد المرضى أخرج الحنجرة من مكانها0 احتضنها بين يديه ، تراءت له عصفورا" صريعا"0 راح يداعب الحبال الصوتية بالطرف الكليل من المشرط رأى الأغاني والمواويل متغلغلة في نسيجها ، ترتجف من مصيرها المحتوم 0 تمنى لو أن سحرا" ينبثق من المشرط وينسكب على الحبال ليحيلها أوتارا" ذهبية لا تصدأ ، وتبقى منيعة على السرطان 0 فكر بالملايين التي طربت لاهتزازها ، بالأكف التي صفقت لها ، وبالخصور التي تمايلت على إيقاعاتها 0 عندما رمى تلك الكتلة الغضروفية في سلة القمامة ، كانت حروف الكلمات تبكي ، مفردات الأغاني تنوح وأوتار العود وريشته تعزف لحن الوداع 0 على شفتي الجرح الذي كان يخيطه الجراح ، ولدت الأحرف الأولى من أبجدية الصمت والصبر ، تلك الأبجدية التي تعب كثيرا" في تعلمها0 كانت أحرفا" من شوك ، كلما جرب نطقها تنغرز أشواكها عميقا" فتقطر عيونه دما" ودمعا" 0 أما أحرف الصبر فكانت أحرفا" من جمر أشعلت الكثير من الحرائق في فضاءات روحه 0 كثيرا" ما كانت أغانيه التي تتصاعد من آلة التسجيل قرب سريره ، تنسكب عزاء" حينا" فوق الحرائق فتطفئها ، وحينا" آخر تتساقط فوقها زيتا" فتزيدها سعيرا" 0 تلك الحرائق جارت على كثير من المساحات الخضراء في حياته فأحالتها يباسا" ، لكن عوده الذي كان معلقا" بجانبه على الحائط بقي أخضر ، منيعا" على ألسنة اللهب 0 من تلك المساحة الخضراء تسلل اللون الأخضر إلى أصابعه ثانية" ، وشيئا" فشيئا" تعلم تلك اللغة الصماء حتى أتقنها فكان يشدو بها على خشبة المسرح ، عندما صعد ليتسلم درع التكريم 0 ومن جديد عادت الملايين تطرب ، الأكف تلتهب ، والخصور تتمايل وهو يحضن عوده وحنجرة بديلة تنتقل ريشته بنشوة فوق أوتارها | |
|
dost نجم المنتدى.
المشاركات : 3771 العمر : 45 المزاج : عصبي تاريخ التسجيل : 17/06/2009
| موضوع: رد: صرخة وتر السبت يوليو 17, 2010 4:21 pm | |
| | |
|