ابنك مجتهد يا سيد ولا ينقصه إلاّ بعض التوجيه ليحصل على علامات شبه تامة
ـ كم تكلف هذه المسألة يا أستاذ؟
ـ نصف مليون ليرة سورية
ـ أليس هذا كثير يا أستاذ؟
ـ أبدا فنحن طاقم متكامل من الأساتذة... افترض أنك اشتريت ورقة يانصيب بخمسمائة ليرة فما هي نسبة حصولك على الجائزة الكبرى... الجواب هو واحد على مئة ألف إذا كان عدد البطاقات الإجمالي مئة ألف وهذه النسبة ثابتة بغض النظر عن سعر البطاقة الذي قد يزيد أو ينقص وبحسب قيمة الجائزة التي تخضع هي أيضاً للزيادة والنقصان... أما أنا يا سيدي فإني أبيعك بطاقة يانصيب واحدة وهي الرابحة حتماً... إن ابنك من المتفوقين وأنا أعرفه منذ سنتين... وسأضمن له كلية الطب.
ـ وإذا كان المجموع المطلوب لدخول الطب أعلى من ذلك الذي كان مطلوباً في العام الماضي؟
ـ سيدخل الطب
ـ وإن لم يدخل؟
ـ سيدخل
ـ والضمانة؟
ـ ستستعيد المبلغ الذي دفعته.
ـ وأين سيذهب المبلغ؟
ـ نحن طاقم متكامل من الأساتذة وأنا رئيسهم، ونحن متفقون ومن النخبة، وسنتقاسم المبلغ الذي ستدفعه وسيباشر كل واحد منا اختصاصه ... وسنجدول ساعات الدروس وننظمها فيما بيننا... والأمر محسوم لأن هذا سيكلفك أقل مما لو استقدمت أساتذة من هنا وهناك...لا تشغل نفسك بالتفاصيل يا سيدي لأن الذي عنده طباخ لا يحرق أصابعه.
ـ الأفضل أن يكون المبلغ على دفعات.
ـ نعم ونحن نفضّل ذلك... احسب حسابك أن يقسم المبلغ على خمسة دفعات متساوية... مائة ألف في نهاية الشهر الحالي ومثلها في نهاية كل شهر يليه... ويسدد رصيد الحساب قبل الامتحان.
ـ على خيرة الله.
وتحول البيت إلى ثكنة...اصمتوا... لا تتحدثوا ... لا تضحكوا... لا تشعلوا التلفاز... ركوات القهوة... بسكّرزيادة أو وسط أوسادة وعلى الريحة... وحفظت الأم كافة الأمزجة واستعانت بجدول ضيافة، حلويات، عصائر، فواكه مجففة، وفواكه طبيعية حسب المواسم، الراحة والشوكولا سادة أو مع الفستق الحلبي والبندق، رجاءً شاي مع القرفة فأنا لا أحب القهوة... لا لا لا أرجوكي يا سيدتي... كباية كمّون مع القليل من الملح وعصرة ليمون.
والبيت محجوز... لا للضيوف وألف لا للأقارب وجهاز الهاتف محجوز فلقد كان يمثل الواسطة السهلة لضرب المواعيد وضبط تقاطعات الدروس، والأب محجوز وسيارته أيضاً برسم هذا الطاقم الذي يتعمد امتهان الزيارات الليلية المتأخرة لإحراج العائلة بشكل عام والأب بشكل خاص الذي كان يرتدي ملابسه من جديد ويعمل كسائق تكسي ليلي وبالمجّان، وبدأت الامتحانات، وجوّالات السادة الأساتذة مغلقة، والحساب مغلق، والأفواه مغلقة، والصمت مطبق.
وصدرت النتائج والمجموع الصافي لن يوصل إلى الطب ولا طب الأسنان ولا الصيدلة ولا الهندسات التي تحولت إلى مهنة الشحادة حيث يعمل المهندس في القطاع العام في تنظيم جداول الرواتب للعمال وفي القطاع الخاص يعمل كحفّار أرصفة أو سائق سيارة عمومية.
وبكى الولد وبكى الأب...
الأب: لا تبكي يا بني فإن دمي يرخص لك.
الولد: كانت متاهة مروعة يا أبي... وكانت حملة تشتيت قاسية... كانوا يتقاذفوني كالكرة... ويضيع تركيزي فلا أعرف من الذي سيحضر الآن ومن الذي سيعتذر ومن الذي سيؤجل... كنت يا أبي سكرتيرهم الخاص... ومجدول مواعيدهم... لقد أتعبوني يا أبي... وتمنيت أن أخلد قليلاً للراحة وكم تمنيت أن أدرس بتركيز دون أن أقطع دراستي وأقفز كالكنغر من مادة إلى أخرى... لقد حولوني إلى عامل هاتف في ثكنة عسكرية... أعتقد لو أنهم تركوني وشأني لكان مجموعي أفضل الآن وكان مالك في جيبك يا أبي... ضميري يعذبني يا أبي وخاصة في مواجهتك ومواجهة أمي وإخوتي.
ـ لا تحزن يا بني ولا تتوقف هنا... فالحياة هي ضربات متلاحقة ومتفاوتة الشدة، والضربة التي لا تكسر الظهر تقويه.
ـ لقد حزنت يا أبي ولكني بالطبع لن أتوقف... سأستيقظ باكراً يا أبي الحبيب كما تفعل أنت وسأذهب معك إلى حوش بلاس وسأجلس في السيارة أمامك كراكب ولن أطلب منك تعليمي القيادة فأنا لا دخل لي بسيارتك بعد اليوم فلا تخف... وسأفتح باب المحل بالنيابة عنك... وسأتعلم منك صنعة البيع والشراء... الأهم هو شراء محبة الناس كما تفعل أنت... فنحن يا أبي أصحاب التصنيف الجديد... هذا التصنيف الذي يطبق علينا قصراً... نحن يا أبي الفئة الغير متعلمة، لطالما أن المجموع الذي يؤهلنا لدخول فرع معقول هو مجموع خرافي ويحتاج لمعجزة... نحن يا أبي أصحاب الفئة الجديدة... فئة الخدم.