شكرا على المووع الجميل والمهم وتقبل مني الاضافة الى ما قلته ولك جزيل الشكر
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] مما يميز إنسانية الإنسان أنه كائن عاقل مفكر يُنمّي فكره ومعارفه عن طريق التفكير والتجارب والتعلم من الآخرين، وإن من الغرائز الأساسية التي يشترك فيها الإنسان والحيوان هي غيرة التجمع، أو غريزة القطيع.
فالحيوان والطير والأسماك تتجمع في شكل جماعات ومجموعات في المراعي والسير والاستراحة والهجرة والبحث عن الطعام والشراب وقد عبر المثل العربي عن ذلك بقوله: (الطيور على أشكالها تقع) فنجد قطيع الغزلان، وتجمعات العصافير والحمام والغربان والأسماك المتماثلة، كما يتجمع الناس في المجالس والنوادي ومواقع الاجتماعات المتعددة.
ومن الواضح أن الطفل ينشأ في بيئة محددة الثقافة، والحضارة، والإنتماء الفكري والثقافي، فتساهم تلك البيئة النفسية والثقافية في تكوين شخصيته، ونمط حياته، فمنها يكتسب، وبها يتأثر.
والقرآن الكريم يرفض طريقة التبعية غير الواعية، ويهاجمها بشدة ويطالب بالوعي والتأمل، وتوظف العقل في محاكمات القضايا وتمحيصها، واختيار الطريق الأسلم، وتحديد الانتماء الفكري والسياسي الانتخابي على وعي وبصيرة. قال تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصير أنا ومَن ابتعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) يوسف/ 108.
ولقد استنكر القرآن طريقة الإنتماء البيئي غير الواعي أو تقليد الآباء والأجداد من غير فهم ولا تمحيص ولا تمييز بين الخطأ والصواب في العديد من آياته، منها قوله تعالى: (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أوَلو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون) المائدة/ 104.
ويحدثنا القرآن الكريم عن معاناة الأنبياء والرسل من تبعية الإنتماء البيئي والتحجر الفكري، والوقوف على الموروث الثقافي المتردي لدى شعوبهم وأممهم، لذلك وجدناهُ يشخص تلك الظاهرة المعيقة في طريقة التفكير والإنتماء الفكري والسياسي، ويحذر منها، كما في قوله تعالى:
(وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على أثارهم مقتدون) الزخرف/ 23.
وحذر الرسول (ص) من تبعية الإمّعة الذي لا يحدد موقفه وانتماءه عن فهم ووعي وقناعة علمية سليمة، بل يعيش مقلداً تابعاً للآخرين، أو لظروف البيئة التي ولد فيها. فلا يكلف نفسه بمناقشة أو تمحيص ما وجد نفسه جزءاً منه، من فكر وعقيدة وسلوك وأعراف، ليتمسك بالصواب، ويرفض ما أخطأ السابقون بحمله، لتتم الغربلة والتنقيح عبر مسيرة الأجيال، وليتم التخلص من تراكمات الرواسب والأخطاء والممارسات غير السوية.
إنا نجد تحذير الرسول (ص) دقيقاً من خلال قوله (ص): ((لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا)).
إن من القضايا المتأصلة في أعماق الإنسان هي طبيعته الاجتماعية ـ كما أوضحنا ـ وانتماؤه الشعوري واللاشعوري إلى الجماعة، كالإنتماء إلى عنوان الأسرة والعشيرة، وإلى المدينة والإقليم والقومية والوطنية، وإلى الأمة والجماعة على أساس الدين والمذهب، وإلى الجمعية والمنظمة والحزب والطبقة المهنية والاجتماعية والنادي، بل والفريق الرياضي وغيرها من أُطر الانتماء أو التجمع والانحياز، وربما التعصب إليها.
وحالات الانتماء الجماعي، والتكتل ضمن إطار تجمع معين، كلها تنطلق من غريزة حب الاجتماع، أو ما يسميها علماء النفس بغريزة (القطيع) وشعور الفرد بجزئيته من تلك الجماعة والحاجة إليها، فيرى في الجماعة تعبيراً عن (الأنا) الجماعية عن الآخرين.
وتقوم اللغة بدور المعبر عن الحالة تلك. كما يشعر بالقوة والتخلص من الشعور بالضعف والوحدة من خلال الانتماء إلى الجماعة.
ومن الطبيعي أن الجيل الجديد يشهد تحولات اجتماعية، وأوضاعاً فكرية وسياسية جديدة، فالحياة حركة وتحول متواصل، ويختلف حجم وعمق تلك التحولات حسب ظروف المجتمع وأوضاعه، فجيل الشباب الذي عاصر الدعوة الإسلامية ومرحلة النبوة، مثلاً، كان قد واجه تحولاً فكرياً وحضارياً عظيماً في السعة والعمق والشمول.
فكان هو جيل الرسالة، وكان أنصار الإسلام هم من جيل الشباب والناشئين، في حين وقف الجيل القديم متعجرفاً عصياً على التفاعلات والتحولات الفكرية والاجتماعية الجديدة التي حملتها الرسالة الإسلامية.
وهكذا تشهد الإحصاءات أن جيل الشباب في عصرنا الحاضر هم حملة الإسلام، لا سيما في الجامعات والمعاهد والمدارس، ذكوراً وإناثاً.
فالشباب في البلدان الإسلامية مثلاً يمثلون طليعة التغيير والطموح، ويشغل اهتمامهم أوضاع المستقبل، ويتركز لديهم النزوع للتغيير، والثورة على الواقع غير المرضي، فهم في هذه المرحلة أكثر شعوراً بالتحديات، وإحساساً بالقوة التي تدفعهم لرد التحدي الدكتاتوري والظلم الاجتماعي.
للجمعيات والمنظمات والنوادي أثر بالغ في تربية الشباب، وتوجيه التفكير وتكوين نمط الشخصية في هذه المرحلة، لا سيما تلك التي تملك برامج ونظريات وثقافة مخصوصة تتبناها لتثقيف عناصرها.
وجيل الشباب المسلم، كما هو مهيأ لتقبل الفكر الإسلامي، والانتماء إليه بقوة وحيوية وإخلاص متناه، فإنه عرضة للانتماء إلى التيارات الفكرية والسياسية المنحرفة، وقد استحوذ الفكر الماركسي والغربي الرأسمالي على مساحة واسعة من جيل الشباب.
وتشهد المرحلة الحاضرة تحولات هائلة في عالمنا الإسلامي، تحولات الصراع الفكري والسياسي والاجتماعي في وقت يشهد فيه العالم تحولاً تقنياً وعلمياً هائلاً.
فالحضارة الماركسية انهار ودرست معالمها بعد أن استطاع في مرحلة بريقها بعد الحرب العالمية الثانية أن تجتذب تياراً واسعاً من جيل الشباب استهلك في الصراع، كما استهلك الذي تلاه حتى توارت الماركسية في متاحف التأريخ.
وكانت الحضارة الغربية قد غزت العالم الإسلامي بشكل تيار كاسح بعد الحرب العالمية الأولى، فوجدت فراغاً فكرياً هائلاً لدى جيل الشباب، فانبهر بها ذلك الجيل للفراغ، ولما صاحبها من تقدم علمي وتقني، وإعداد عسكري هائل، ولما يعيش فيه المسلمون من قلق ثقافي واقتصادي وعلمي على كل المستويات.
وكانت المشكلة الكبرى في هذا الإنتماء غير الواعي أنه كان منطلقاً من فهم خاطئ، منطلقاً من أن الإسلام هو سبب تأخر المسلمين، وأن التقدم العلمي والتقني والتطور يتطلب استبدال الإسلام كمنهج ونظام حياة بالحضارة الغربية.
وهكذا نجحت موجة الغزو الفكري لجيل الشباب المسلم، وكسبت مساحات واسعة من أبناء المسلمين، فانضموا إلى تلك التيارات، وآمنوا بها، ظناً منهم أنها الطريق إلى حل مشاكل التخلف العلمي والاقتصادي والاجتماعي، وتحقيق الحرية، والقضاء على الأنظمة الإرهابية التي كانت تحكم العالم الإسلامي، بتوظيف من قادة الحضارة الأوربية التي أوهم دعاتها المسلمين بأنها طريق الخلاص.
وكانت المدارس والجامعات والأحزاب السياسية العلمانية والأجهزة الإعلامية من سينما وتلفزيون وصحافة وكتب القصص والمسرحيات والشعر والأدب، وغيرها من وسائل النشر، هي الوسائل والأدوات لاحتواء جيل الشباب، واجتذابه إلى الحضارة الغربية المادية التي استخدمت الجنس والإثارة الجنسية، والتستر بالدعوة إلى الحرية، وحقوق المرأة تارة، والتقدم العلمي والتطور الثقافي تارة أخرى، مستغلين الظروف السيئة التي يعاني منها المسلمون، وفي طليعتهم جيل الشباب.
لم يع جيل الشباب ما انطوى عليه الموقف من خطط سرية، وأهداف عدوانية للقضاء على الإسلام، والإبقاء على تخلفا لمسلمين وغزوهم فكرياً وحضارياً، غير أن عوامل الوعي، ونشاط العاملين للإسلام، وانكشاف زيف الحضارة الغربية لأجيال المسلمين، أوجد حالة واسعة وعميقة من مراجعة الذات، والتأمل في الاندفاع نحو الفكر الغربي.
فقد اكتشفت جيل الشباب أن سبب مأساة الإنسانية، هو الحضارة المادية، والنظام الرأسمالي الإمبريالي، وأن الإنسان ضحية هذه الحضارة. فهي التي تمارس الإرهاب وقتل الشعوب ونهب خيراتها، واسناد الدكتاتورية.
إن كل ذلك أوجد تياراً واسعاً وعميقاً في جيل الشباب، عمق وصحح مفهوم الإنتماء إلى الإسلام، وخلق روح التحدي والمواجهة والثورة على الفكر الغربي.
وتمثل الوعي في تشخيص أسباب التخلف والإنتماء الفكري والسياسي الكامل للإسلام.
وتشكل الثقافة ركناً أساسياً من أركان شخصية الإنسان، وهي إحدى معالم هويته الشخصية، والعناصر المميزة له عن غيره. فنوع الثقافة وحجمها يطبع الشخصية بطابع معين. والثقافة هي غير العلوم المادية التجريبية والمهارات التي يكتسبها الفرد، وإن كانت تنمي ثقافته، وبشكل تقريبي، نستطيع القول أن العلوم الإنسانية والأفكار والنظريات والآراء التي تتعلق ببناء شخصيته، من حيث نظرة الإنسان إلى الوجود والحياة وخطر تفكيره وسلوكه، هي التي نطلق عليها الثقافة، كالثقافة السياسية والأدبية والتأريخية والعيدية والفلسفية والاجتماعية وأمثالها. ويتأثر بناء المجتمع والدولة والحضارة بلون الثقافة والفكر السائد في المجتمع. فرؤية الفرد وفهمه للحرية ولحقوق الإنسان، وللإيمان بالله، ولمسؤوليته تجاه نفسه ومجتمعه ولفهمه للحياة السياسية وأمثالها، هي إحدى المفردات الفكرية والثقافية التي ينبغي أن تكوّن حولها أفكار وآراء ثقافية وحضارية.
والمصادر الأساسية للثقافة الإنسانية هي الرسالة الإلهية، والفلاسفة والكتاب والمفكرون والأدباء والفنانون والمؤسسات الثقافية والإعلامية.
وفي المجتمع الواحد تتصارع عدة أفكار ونظريات وثقافات، يصل التناقض بينها أحياناً إلى حد الإلغاء. وكثيراً ما تجري التحولات الفكرية والثقافية في المجتمع بشكل حادّ ومتسارع، في حياة جيل أو جيلين، وفي كل الأحوال يكون جيل الشباب، هو الجيل الذي يعيش في دائرة الصراع، ويواجه الأزمات الفكرية، ويشهد التحولات الثقافية والحضارية.
ولابد للشاب من أن تكون لديه شخصية ثقافية وهوية حضارية واضحة المعالم. وهوية الشاب المسلم الثقافية هي الهوية الإسلامية، ولا يعني ذلك أن كل حصيلته الثقافية هي مجموعة من المعلومات الدينية التي تتعلق بالعقيدة أو السيرة أو الأحكام الفقهية، وإن كان الاهتمام بتلك المعارف مسألة أساسية في ثقافة الشاب المسلم. إنما نعني بالثقافة الإسلامية، هي وعي الحياة والمعرفة والسلوك والكون والطبيعة من خلال المنهج الإسلامي.
فالمثقف المسلم يتعامل مع مفهوم الحرية ومع السياسة والدولة، والجنس، والعلاقة مع الله والرسالة والمال والثروة والذات والفكر .. الخ من خلال الفهم والمنهج الإسلامي. وذلك يقتضي تكوين قاعدة فكرية، ورؤية إسلامية ينطلق منها، ويؤسس عليها.
فالشاب المسلم إذن بحاجة إلى فهم العقيدة الإسلامية وأصول الأحكام الشرعية، والسيرة النبوية، والتفقه في الدين، ومعرفة القرآن والسنة المطهرة، وأن يبدأ بتكوين ثقافته من خلال الكتّاب والمفكرين الإسلاميين، الذين يتمتعون بالأصالة والعمق في الفكر، والمنهج العصري في البحث والأسلوب، ليمتلك الأسس والقواعد الإسلامية في فهم القضايا، ويكون قادراً على التمييز بين ما هو إسلامي، وما هو غير إسلامي.
وكم كان الشاب ضحية الأزمات والصراعات الفكرية التي يعج بها المجتمع البشري، لا سيما في عصرنا الحاضر، عصر نقل المعلومات بواسطة الانترنيت، والتلفزيون العالمي، والإذاعة، والصحافة، والسينما، والكتاب، فلم يعد هناك حاجز يحجز بين الثقافات، لذا فإن التفاعل بين الثقافات مسألة يفرضها الأمر الواقع، وينبغي أن نميز بين الاستفادة من ثقافات الأمم، وفق المنهج الإسلامي الملتزم، وبين الذوبان وفقدان الهوية الثقافية، فيلجأ الفرد المسلم إلى التقليد الأعمى، والانبهار بما يطرح عليه من الثقافات الأجنبية، لا سيما الثقافة الغربية.
وثمة مسألة حيوية، وهي مسؤولية الكُتّاب والمفكرين الإسلاميين في عرض الثقافة الإسلامية عرضاً حياً متطوراً ضمن منهج الالتزام الفكري. فإن التحجر، وفرض صيغ متخلفة على الفكر الإسلامي تسيء إلى الإسلام، وتبعد جيل الشباب عن الفكر الإسلامي.
إن ما ينبغي العمل عليه، هو تناول مشكلات الإنسان الفكرية المعاصرة، كمشكلة الحرية والسلطة وحقوق الإنسان والجنس والسلوك والإيمان وعلاقة العلم بالحياة، وغيرها من المفردات وبحثها بحثاً علمياً، كما أراد المنهج القرآني ذلك، وبروح العصر ولغته.
كما ينبغي تقديم رؤية نقدية للأفكار والنظريات المعادية للإسلام، وحل الإشكالات التي يثيرها خصوم الفكر الإسلامي بروح علمية، ليتسلح الشباب المسلم بالوعي الثقافي، فيمتلكوا الأسس والقواعد الثقافية الإسلامية، ويكونوا على درجة كافية من فهم نقاط الضعف في الفكر الآخر، كما يكونون قادرين على رد الإشكالات والطعون الموجهة للفكر الإسلامي.
وفي كل الأحوال فإن تكوين الثقافة الذاتية، هي من مسؤولية الشاب المسلم، وعليه أن يخصص وقتاً من يومه، لتحصيل الثقافة والفكر الإسلاميين، ويتابع البرامج الثقافية الإسلامية التي تنشر في الصحف والمجلات والكتب والإذاعات وتتحمل المؤسسات الإسلامية المسؤولية الكبرى في تثقيف الشباب، فهي المعنية بإعداد الدورات والمحاضرات والمؤتمرات الثقافية الإسلامية وإصدار النشرات والدوريات وسلاسل الكتب المتخصصة بالفكر الإسلامي، ومتابعة التطورات الفكرية والأزمات الثقافية.