هل صحيح أن سطوة الحلم علينا تقتصر على دقائق معدودة؟ أم أنها تستمر فترات طويلة، تكون فيها صاحبة الكلمة الفاصلة في مصيرنا ومصير مَن حولنا؟
قد لا يرسم الحلم الخط البياني لمزاجنا في صبيحة النهار التالي فحسب، بل إنه قد يرسم الخط البياني لقراراتنا، خصوصاً حين نصحبه إلى واقعنا ليكون شريكاً حقيقياً في صنع قراراتنا والكثير من خياراتنا. فكثيراً ما تخرج الأحلام من عالمها إلى عالم الوعي، لتلعب دوراً مهماً في برمجة مزاج صاحبها، وفقاً لِـمـا جاء في سيناريو الحلم. فإلى أي مدى نخضع لأحلامنا؟ وهل تستحق تلك الأحلام أن تنوب عنا في اتخاذ الكثير من القرارات كما يحدث مع كثير من الحالمين؟
خوف
يَعتبر مأمون فحماوي (موظف مبيعات، متزوج وأب لـ3 أبناء) نفسه «من الرجال الذين يسلّمون بالحلم بحلوه ومره». لهذا، فهو يعترف بأن الحلم يخيفه ويقبض على أنفاسه طيلة النهار لدرجة أنه يعيش حالة من التوقعات الصعبة التي تستمر حتى حلول الظلام. وبسؤاله عما إذا كان الخوف من الحلم يتوقف عند عتبة الليل؟ يجيب بجدية: «أبداً، فالتوقعات تخف، ولكن الخوف يبقى لأنه في الغد يوم آخر قد يفسر الحلم ويحققه».
«الهوس بالحلم ليس خياراً» كما يضيف مأمون، لافتاً إلى أنه «يجبرك على الخوف مما رأيت، خاصة حين يتعلق الأمر بأحد أفراد عائلتك». وإذ يستحضر مشاعر الخوف التي تملكته حين رأى ابنه الصغير في عداد الموتى في أحد أحلامه. يقول: «وجدت في الحلم جنازة ابني خارجة من بيتنا، فنهضت من السرير مذعوراً مما رأيت لأواجه أطول يوم ممكن أن يمر على أب». يأخذ مأمون نفساً طويلاً قبل أن يتابع قائلاً: «لم أذهب إلى عملي في ذلك اليوم، ولم أترك ابني يغادر البيت على الإطلاق، كنت أمسك بيده طيلة الوقت وكأني أحميه من الموت، حتى راحت زوجتي ترجوني أن أتناسى تأثير ذلك الحلم الصعب». أسبوع كامل احتاج إليه مأمون للتخلص من مخاوف ذلك الحلم المزعج كما يؤكد. يضيف: «أمضيت الوقت في الصلاة والدعاء ومراقبة ابني على مدار الـــ 24 ساعة، فرؤية الجنازة أنهكتني، وسرّعت دقات قلبي طوال تلك الأيام، وقد مر الموضوع بسلام والحمد لله».
عقدُ عمل
تأثير الأحلام في حياتنا لا يقتصر على التفكير الطويل في ما رأيناه من تفاصيل الحلم، فكثيراً ما تصبح الأحلام شريكاً حقيقياً في صنع القرار، كيف؟ حكاية طبيب التخدير محمد طيب حاكمي تجيب عن هذا السؤال.
حلم واحد كان كفيلاً بأن يدفع محمد إلى توقيع عقد العمل في أحد مستشفيات مدينة العين في الإمارات العربية المتحدة. أما الحكاية، فبسيطة جداً، كما يرويها: «نمت، حلمت، استيقظت، ووافقت على عرض العمل». أما الحلم، الذي يسميه حاكمي الـ«رؤيا» فقد تضمن التالي: «حدائق خضراء، وفي وسطها مستشفى كبير يطل على بحر أزرق جميل». وهل قمت بالاستعانة بأحد لتفسير الحلم؟ يجيب: «لا، فقد جاء الحلم مفسِّراً نفسه بنفسه، فالبحر رِزق، والخضار ثمار ونعمة، ووجود المستشفى في ذلك المكان كان إشارة إلى الخير الذي سيأتي من العمل فيه»، مؤكداً أنه لو رأى حلماً ذا دلالات مختلفة، لِـمَا كان قد قام بتوقيع العقد أبداً، فهو من الناس الذين يتأثرون بالحلم ويؤمنون به. «لهذا، كان الحلم في تلك الليلة كلمة الفصل في مسـألة المجيء إلى العين التي لا يندم عليها أبداً» بحسب ما يقول.
زفة عروس
«الأحلام في حياتي، هي بمثابة عالم يومي، أدخله كل ليلة لأخرج منه بشتى أنواع التنبؤات والإشارات»، هذا ما تقوله نادين فتوى (متزوجة وأم لبنتين) عن أحلامها التي لا تنزل الأرض حسب تعبيرها. اقتناع نادين بالأحلام «لا يعرف حدوداً معينة» بحسب ما تقول. لهذا، فهي قد تذهب بتفسير حلمها إلى مكان بعيد لا يتصوره أحد. والدليل، قبولها الزواج بناء على حلم رأته في اليوم الذي تقدم فيه زوجها الحالي لطلب يدها. وهي إذ تتحدث عن ذلك الحلم، تقول: «رأيت أن هناك لصاً اقتحم بيتنا، وراح يسرق غرفة نومي من دون أن يترك فيها شيئاً واحداً، فأفقت من النوم منشرحة القلب،سعيدة بما رأيت». يبقى أن «اللص أو الحرامي في المنام، هو دليل فأل حسن «كما تعلق نادين مفسِّرة حلمها بالقول: «إن الإحساس عند الاستيقاظ مهم جداً في تفسير الحلم، فحين نستيقظ سعداء، لابد أن يكون المعنى لمصلحتنا، والعكس صحيح». تضيف: «لهذا، عرفت في ذلك اليوم أن الباب سيُقرع من قِبل شريك العمر». أما كيف وصلت نادين إلى هذه العلاقة مع الأحلام، فالسبب كما توضحه يعود إلى قراءتها المستمرة كتاب «تفسير الأحلام» الذي كانت تحفظ أجزاءه بتفاسيرها المختلفة عن ظهر قلب، الأمر الذي جعلها مقصد معارفها وأقا
ربها ممن يريدون لأحلامهم شروحاً وتفاسير. ولأن أحلام نادين لا تخطئ أبداً، فها هو العريس يأتي في ذلك اليوم لتقول له كلمة: «موافقة» من دون تفكير، خاصة أنه شاب «كامل مكمّل» كما يقولون.
مسلسل على حلقات
العمل بما تقوله الأحلام مسألة حتمية في حياة أم الطيب (متزوجة منذ 40 سنة)، فالحلم في رأيها «هو بمثابة رسائل تعبُر ساعات نومنا، لتقودنا في النهاية إلى ما يجب القيام به». هذه القناعة «لم تأتِ من فراغ» حسب تعبيرها، وإنما تؤكدها التجربة الطويلة التي مرت بها وهي ترى مناماتها تتحقق على أرض الواقع. تختلف أحلام أم الطيب عن غيرها في أنها تأتي على حلقات. فها هي تؤكد أن الحلم الذي تراه اليوم، قد تستكمله غداً، والحلم الذي أفاقت منه البارحة سيأتيها اليوم في نصفه الثاني، كما لو كان مسلسلاً في حلقات متتابعة. وتفسر ذلك بالإشارة إلى أن عقلها مليء بالناس والحكايات والتفاصيل، الأمر الذي يجعل من نومها شيئاً مسلّياً، لِـمَا يمنحها إياه من تسلية ومتابعة. ويبدو أن أحلام أم الطيب لها الكلمة الأولى والأخيرة في توقعاتها المستقبلية، وهذا ما تؤكده حين تقول: «حين أرى سمكاً في المنام أعرف أن الرزق آتٍ إلى بيتنا، فهذه إشارة لا تخطئ أبداً، خاصة أنها تطرح نتائج قريبة في تجارة زوجي، الذي أنهض من النوم لأبشره بأن رزقاً قريباً في طريقه إليه».
أحلام مَلكية
ثمة حيز كبير تحتله الأحلام في حياة محمد رقيب (موظف، متزوج وأب لطفلين)، من حيث تأثيرها في حياته. لهذا، يقول محمد وباقتناع تام: إن «الحلم هو امتداد لِـمَـا يجري في الواقع، لأنه متنفسنا في ساعات النوم، وناقوس الخطر في ساعات الاستيقاظ، إن كان حلماً بشعاً»، مؤكداً أنه لا يترك حلماً يراه من دون تفسير، «خاصة أن الإنترنت تساعد الحالم على فهم حلمه فور استيقاظه». واللافت أن محمد لا يصدق أحلامه فقط، بل يؤمن بأنها إشارة إلى ما سيحدث في عالم الواقع، وهو يعيد ذلك إلى الحلم الذي رأى فيه كل الملوك العرب والرؤساء. وإذ يتحدث عن ذلك الحلم، يقول: «رأيت نفسي بين عدد من الملوك والزعماء العرب، وكنت مبتهجاً وسعيداً، وكأني أملك الدنيا كلها في يدي»، مؤكداً أنه عاش نهاراً مليئاً بالتوقعات والتنبؤات، معتمداً في ذلك على مشاعر الفرح والثقة التي كانت تملأه أثناء الحلم. محمد الذي يصف نفسه بأنه «صاحب التوقعات الوردية»، ظل ينتظر الخبر السعيد إلى أن جاءه على لسان أحد معارفه حين بشره بخبر تعيينه في منصب مهم. وهو إذ يتذكر ذلك اليوم، يقول: «كنت أعرف أن حلمي سيتحقق، فأنا من أشد المؤمنين بالأحلام وبتأثيرها في واقعنا. لهذا، أسرعت إلى زوجتي أزف إليها
الخبر مردداً: أرأيت ماذا تُقدم لنا الأحلام؟».
رفع معنويات
ويبدو أن البشائر ليست الهدايا الوحيدة التي تقدمها الأحلام، فها هي فتيحة سمير (متزوجة وأم لطفلين)، تعلن أنها تعيش مشاعر الخوف دائماً بعد أحلامها البشعة. فالحلم، حسب تعبيرها، هو الذي يتحكم في ساعات نهارها، وهو الذي يرفع معنوياتها أو يهبطها، لهذا فإن أول ما تفعله حين تفيق بعد حلم بشع بحسب ما تشير، هو أن تردد «الله يعطينا خير الحلم»، ومن ثم تتجه إلى أمها وتعيد رواية الحلم بحذافيره على مسامعها لتعرف معنى ما رأته وبالتفصيل الممل. وفي إطار سردها أكثر أحلامها ثباتاً في ذاكرتها، تقول: «رأيت أبي مصاباً بجرح في رأسه حين غادرت المغرب إلى أبوظبي، فقمت في منتصف الليل أبكي من مرارة ما رأيته، ذلك أن المنظر كان قاسياً عليَّ وأنا أراه متألماً حزيناً في سرير مرضه».
24 ساعة مرت وفتيحة تتألم من خوفها على أبيها، وحتى تخرج من ذلك الكابوس، ارتأت أن تتصل بأحد أقاربها في المغرب لتضع النقاط على الحروف. تقول بنبرة حزينة: «أخبرني قريبي أن والدي في المستشفى بعد أن أجريت له عملية في الرأس، فازددت يقيناً بأن الأحلام تُخبرنا باكراً بما سيحدث لنا في اليوم التالي، وكأنها نشرة أحوال جوية».
مؤشر
بدورها، تشدد مهى أحمد حماد (ربة منزل ومتزوجة)على أنها «تستسلم لأحلامها كما لو كانت حقيقة مثبتة لا تقبل الشك». وتقول عن تأثير الأحلام في حياتها: «تفيق معي أحلامي وتلازمني كالظل، فإذا كانت أحلام خير، كالمطر والسمك والخبز، جاء نهاري ولا أحلى. أما إذا كانت أحلام شؤم كالأسنان المكسرة، أو الملابس البيضاء، أو رؤية الأمراض، جاء نهاري محمّلاً بالخوف والترقب وكأن الشرّ كله يقف وراء باب بيتي. فالحلم في حياتنا ليس خرافة أو نتيجة حتمية لتناول طعام كثير قبل النوم، إنه حقيقة ومؤشر إلى ما سيصيبنا، لأنه ليس من صُنعنا نحن البشر، بل من صُنع قوة أعظم منا تضعه في أدمغتنا طوال ساعات النوم». وتؤكد مهى أنها تخاف أن تتحدث عن سيناريو حلمها لأحد، مبررة ذلك بالقول إن «الحلم يجب أن يبقى مِلكاً لصاحبه وإلا بطل مفعوله لو كان حلماً جميلاً وتحققت إشاراته لو كان حلماً مخيفاً».
منتصف الليل
«الأحلام ذات الطابع السوداوي هي التي تؤثر في الناس فقط». بهذه الكلمات، يبدأ علاء شيخ عيسى (موظف مبيعات، 22 سنة) حديثه عن هوسه بالأحلام التي يُشبهها بأنها «كاتصال هاتفي يأتي في منتصف الليل لشدة الخوف الذي تضعه في نفوس أصحابها»، مؤكداً أنه من الذين يوسوسون بحلمهم «إذا كان ذا دلالات سلبية»، لهذا يتمنى في كل ليلة ألا يرى حلماً قط حتى لا يحمله معه طيلة النهار حسب تعبيره. ويتذكر علاء كيف رأى في حلمه ذات مرة أن أفراد أسرته يبكون ويلطمون وجوههم، فأفاق وكأن صخرة جاثمة فوق صدره. ويقول: «عملت على تكذيب مشاعري طوال اليوم، فتجاهلت ما جاء في الحلم محاولاً ألا أنجرف وراءه، ولكنه تمكن مني وحولني إلى أسير له حتى تحقق بموت جدي بعد يومين».
شخصية
تخرج الأحلام من وجهة نظر حسان علي الأحمد (موظف بنك، أعزب، 28 سنة) من هويتها الشخصية لتشمل مَن حول صاحبها من معارف وأقارب. هذا ما تؤكده تجربته مع الأحلام، خصوصاً حين رأى أحد أصحابه في المنام مهموماً ومكروباً. ويقول حسان مدافعاً عن رأيه: «استيقظت وبالي مشغول على صاحبي، فالحلم كان واضحاً ولا يقبل أي تفسير آخر، لهذا رحت أطمئن عليه بين الحين والآخر، لأتأكد من أن الحلم لم يتحقق بعد»، موضحاً أنه يعتمد في تفسير أحلامه على الإنترنت المليئة بالمواقع التي تكشف معنى كل حلم. وماذا حدث مع صديقك؟ يجيب منفعلاً: «مات والده بعد يومين على رؤيته مهموماً في حلمي». وعما إذا كان قد أقدم على إخباره بحلمه، ينفي حسان ذلك، مؤكداً أنه يخشى أن يُتهم بأنه صاحب أحلام تجلب السوء للناس، فكتم السر وراح يُعزي صديقه بحرقة قلب.
تجاهُل
يبتعد هاني رؤوف السيد (موظف علاقات عامة، أعزب) عن التصويت الكامل لتأثير الحلم الفعلي في حياته وقراراته، لكنه لا يُنكر التأثير النفسي للحلم في صاحبه، من حيث التلاعب بمزاجه، فيقول: «حين أحلم حلماً سيئاً أمضي يومي بكامله متفائلاً، والعكس صحيح. فالحلم يرسم لنا الخط البياني لمزاجنا، وهذا ما يضعني في أحسن حال حين أفيق بعد حلم جميل». وماذا عن الحلم السيئ؟ يجيب: «بصراحة أحاول ألا أسترجعه وكأنه اسم مرض خبيث، فأعيش ساعات اليوم متجاهلاً تفاصيله مستعجلاً الليلة التالية أن تأتي حتى يبطل مفعوله».
هلوسات
كثيراً ما يغلق الناس الباب في وجه أحلامهم ما إن يستيقظوا من نومهم، رافضين أن يكون لها أي تأثير في حياتهم، سواء بالسلب أم بالإيجاب. ومن هؤلاء، عارف صبري علي (سائق، متزوج) فهو من الرجال الذين يصفون الأحلام بــأنها بمثابة «هلوسات النوم» التي لا تقدم ولا تؤخر في حياتهم شيئاً على الإطلاق. والسبب كما يقول، اقتناعه بأن «الحلم الجميل هو ثمرة تفكير صاحبه في موضوع يتمناه ويحبه، والحلم البشع عبارة عن خوف صاحبه من حدوث ما يكره حدوثه». يضيف: «لهذا لا علاقة للأحلام بحياتنا لأنها مجرد أوهام تمر في المنام».
مخزون
في الحديث عن الأحلام وتأثيرها في حياتنا وقراراتنا، كان لا بد من العودة إلى تاريخ الأحلام التي يقف على تفاصيلها أستاذ علم النفس الإرشادي الدكتور رعد الشاوي، الذي يقول: إنّ «تاريخ الأحلام قديم جداً، ففي حضارة ما بين النهرين وُجد نصٌّ منحوت يثبت رؤيا جلجامش في ملحمته المشهورة في البحث عن نبتة الخلود وموت رفيقه أنكيدو، كذلك الحال في ملحمة «آخيل» في حلم «الإلياذة». كذلك كانت الأحلام محل اهتمام الأديان السماوية والوضعية، كـ«رؤية يوحنا» وتفسير الرؤيا في قصة يوسف الصدِّيق». ويشير الشاوي إلى أن «الأحلام كلها تقبل التفسير، من خلال الرموز والمعاني القابلة للتحليل، والربط بين وقائع الحلم وخلفية الشخص الحالم. لهذا فما من حلم لا يحتمل التفسير، حتى لو اعتقد أصحابه ذلك». والسبب كما يشرحه الدكتور الشاوي «يعود إلى أنّ الأحلام تأتي نتيجة تضارب وتشابك في تنظيم المعلومات الموجودة في خزانة الذكريات، التي تحتوي على كمٍّ هائل من المعلومات، ليس فقط التي جمعها الفرد أثناء حياته، بل ما ورثها من آبائه وأجداده عبر آلاف السنين، كما هو في مفهوم اللاشعور الجمعي عند عالِم النفس الشهير كارل غوستاف يونغ». ويقسم الدكتور الشاوي الأحلام إلى أنواع عدة، فيقول:
«هناك أحلام تحذيرية تلفت انتباه الحالم إلى الأخطار المحدقة به، وهناك أحلام تنبئية تلفت انتباهنا إلى ما نرغب في الحصول عليه، ونوع آخر هو عبارة عن إعادة تنظيم للجهاز النفسي، حيث يكون فيه الحلم لا معنى له، أو كما يقال غير قابل للتفسير، لكن من حيث الوظيفة فهو مهم جداً. وهناك نوع من الأحلام يحلُّ المشاكل التي يصعب على الفرد حلها في اليقظة، إضافة إلى أحلام الرؤيا والأحلام العبثية، أو ما يسمى أضغاث الأحلام والكوابيس». وعما إذا كانت هناك مراحل معينة من النوم تحدث فيها الأحلام، يقول الدكتور الشاوي: «تحدث الأحلام في أغلب الأحيان في مرحلة النوم السريع «REM» التي يكون فيها التنفس سريعاً وضحلاً، حيث تتميز هذه المرحلة بحركة العين السريعة في الاتجاهات المختلفة، فيزداد معدّل نبضات القلب، ويرتفع ضغط الدم فيها». ويتحدث عن «اختلاف في وجهات النظر، من حيث وضع هذه المرحلة من النوم ضمن مراحل النوم الأربع، التي هي مرحلة الاسترخاء والدخول في النوم، أو المرحلة التي يبدأ فيها التغير في النشاط الكهربائي للمخ، ومن ثم مرحلة النوم العميق، التي يبدأ فيها ظهور ما يسمى الموجات البطيئة، وأخيراً مرحلة النوم العميق جداً والتي تكون فيها الموجات
البطيئة كثيفة جداً»، مؤكداً: «قابلية حدوث الحلم في كل مراحل النوم المختلفة، وحتى المرحلة العميقة، التي إذا حدث الحلم أثناءها لا يمكن للفرد أن يتذكر أحداثه». ويؤكد الدكتور الشاوي «وجود بعض الاختلافات بين الأفراد في نوع الحلم وعدد الأحلام». وهذا يرجع في نظره إلى «طبيعة الأفراد، من حيث الشخصية والبيئة التي يعيش فيها ونوع وكم الخبرات التي يمرون بها، فتكرار الكوابيس مثلاً، يحدث لدى فئة من الأشخاص دون غيرهم، كذلك الأحلام التنبئية أو الرؤيا، حيث تتكرر لدى الأشخاص الذين يمتازون بصفاء روحي وتركيز ذهني عالٍ». وهل هناك شخص لا يحلم، يجيب: «لابد أن يحلم الإنسان، لأن الأحلام هي عبارة عن تفاعلات كيميائية حيوية وكهربائية لابد من حدوثها، حيث يؤدي الحلم وظيفة بيولوجية مهمة للجسم كبقية الوظائف الأخرى، ولكن عندما يحلم الشخص في مرحلة النوم الثالثة أو الرابعة، أي مرحلة النوم العميق، فسيصعب عليه تذكر أحداث الحلم، وبالتالي سوف يعتقد أنه شخص لا يحلم».
عدم الاستخفاف
في سياق الحديث عن تأثير الأحلام في حياتنا ومزاجنا، يوصي المستشار الأسري والديني في دائرة القضاء في أبوظبي، ومفسر الأحلام د.أشرف العسال، بـ«ألا نجعل أحلامنا شغلنا الشاغل». ويقول: «ما كان خيراً فلنسأل عنه وسيكون في تفسيره تطميناً لنا ورسالة من الله. أما أن نجعل الحلم مصدر قلق وخوف، فهذا ما يُدخلنا في متاهات لا مَخرج منها»، مشدداً على أنه «لا يجوز أن نسأل غير أهل التخصص». يضيف: «يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقص رؤيا إلا على عالم أو ناصح»، مؤكداً أنه «لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، فإن رأينا خيراً فلنحمد الله، وإن رأينا شرّاً فلنقم ولنستعذ ونتوضأ ونقرأ القرآن، فالنافع والضار هو الله وليست الأحلام المزعجة». وعن علاقة الإنسان بما يراه في المنام، يؤكد العسال أن «هناك علاقة قوية بين ما نراه من رؤى وحاضر الإنسان ومستقبله»، مؤكداً أن «الرؤى لا تتحكم في الأقدار، ولا ينبغي أن نعطيها أكثر من حجمها، وعلينا أن نحكي الخير منها من دون أن نستفسر عن الرؤى غير الطيبة، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة عدم الاستخفاف بأهمية الرؤيا، لأنها علم شرعي ورد ذكره في القرآن الكريم». يضيف: «كم من رؤيا صالحة كانت سبباً في هداية عاصٍ، وكم من
رؤيا حسنة كانت حِرزاً من الوقوع في المهالك». وإذ يعدد الجوانب الحسنة التي تدل على فضل الرؤيا وأهميتها، يقول: «جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: (..يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى..)( في الآية:102 سورة الصافات)، وحين ننظر إلى يوسف عليه السلام ورؤياه، نجد فيها الكثير من العجب. قال تعالى في بيان فضل تعلمُّ تأويلها. (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ...) (الآية 6 / يوسف), وهل تختلف طبيعة الأحلام من شخص إلى آخر؟ يجيب: «بالطبع تختلف، فرؤيا الملك أو الشيخ أو الرئيس، غير رؤيا الإنسان العادي، فقد تكون رؤيا الحاكم متعلقة بمصير شعب أو دولة، مثل رؤيا ملك مصر في عهد سيدنا يوسف، عندما رأى سبع بقرات سمان وسبع بقرات عجاف، وكان التفسير حلول سبع سنين خصب ثم سبع سنين جدب على شعب مصر، وكل شعوب الشرق الأوسط، وقد وقعت كما فسرها سيدنا يوسف». ويشدد العسال على أنه «لا يوجد شخص لا يحلم، فكل الناس يرون أحلاماً حتى الطفل الصغير الرضيع، لهذا نراه يبتسم وهو نائم، وهذا بفضل حلم جميل يداعبه في نومه، إلا أن البعض ينسى أحلامه وقد يستيقظ لا علم له بما
رأى».