النشأة الأولى للأرقام في العالم
وقبل الكلام عن غريزة العد في المخلوقات يجدر بالبحث أن يقدِّم تعريفاً للعد، والعدد، والأرقام، والحساب؛ فأمَّا العدُّ: فهو إحصاء الشيء.
وأما العدد: فهو مقدار ما يُعدُّ ومبلغه، وجمعه أعداد.
ومنه العدائد: وهو المال المقتسم والميراث، وهي جمع عديدة: وهي الحصة.
وأما الرقم: فهو الكتابة والختم.
والترقيم: هو تقييد الأعداد.
وأما الحساب: فقد عرَّفه عبدالرحمن بن خلدون، في مقدمته، بقوله:
"هو صناعة عملية في حساب الأعداد بالضم والتفريق، والضم يكون في الأعداد بالأفراد وهو الجمع، وبالتضعيف، تضاعف عدداً بآحاد عدد آخر، وهذا هو الضرب، والتفريق أيضاً يكون في الأعداد، أما بالأفراد مثل إزالة عدد من عدد ومعرفة الباقي، وهو الطرح، أو تفضيل عدد بأجزاء متساوية تكون عدتها محصلة، وهو القسمة، سواء كان في هذا الضم والتفريق على التصحيح من العدد أو التكسير".
والحساب أساس جميع الفروع الرياضية، سواء كانت بحتة أو تطبيقية، وهو أكثر العلوم نفعاً، وربما لا يوجد فرع آخر، في المعرفة الإنسانية، أكثر انتشاراً بين الناس مثله. وموضوعه العدد، والعدد إما مفرد وإما مركب:
فالمفرد: ما وقع في مرتبة واحدة كالواحد، والإثنين، والعشرة والتسعين.
والمركب: ما وقع في مرتبتين أو أكثر، كأحد عشر، وكمائة وثلاثة وثلاثين.
والعدد أيضاً إما زوج، وإما فرد:
فالزوج وهو أنواع:
زوج الزوج: وهو العدد الذي ينقسم إلى قسمين متساويين، وهو ما يقبل التنصيف إلى الواحد، مثل:
8 و 16 و 32
وزوج الفرد: وهو ما يتنصف مرة واحدة فقط، مثل:
6 و 10 و 30
وزوج الزوج والفرد: وهو يتنصف أكثر من مرة واحدة دون أن يصل التنصيف إلى الواحد، مثل:
12 و 20
وأما الفرد فهو:
أي عدد لا يمكن تقسيمه إلى نصفين، بحيث يكون كل منهما عدداً صحيحاً، مثل 1، 3، 7، 11
وهو غير العدد الأولي: الذي هو عدد كامل لا يقبل القسمة، دون باق، على أي عدد آخر، خلاف الواحد الصحيح، وذلك مثل:
3، 5، 7، 11، 13، 17، 19، 43، وهكذا.
عوامل العدد: هي الأرقام التي يقبل العدد القسمة عليها، فمثلاً: 1، 2، 3، 4، 6 هي عوامل العدد 12، لأنه يقبل القسمة عليها كلها.
والأعداد، بشكل عام، أنواع: تامة، وزائدة، وناقصة، ومتحابة.
أولاً: الأعداد التامة:
كل عدد يتساوى مجموع عوامله مع العدد نفسه، يسمى تاماً، وأصغر الأعداد التامة 6، فعواملها 1، 2، 3 مجموعها 6، يلي ذلك 28، وعوامله 1، 2، 4، 7، 14، مجموعها 28، ومن الأعداد التامة 496، و 8128، و 33550336 ولا يوجد في الآحاد سوى 6، وفي العشرات سوى 28، وفي المئات سوى 496، وفي الآلاف سوى 8128. وهي دائماً تبدأ إما بالرقم 6 أو 8 في آحادها. وهي دائماً أعداد زوجية. وجميع الأعداد التامة 17 عدداً فقط.
أما الأعداد الزائدة:
فهي كل عدد مجموع عوامله أكبر منه، مثل العدد 12، الذي مجموع عوامله (1، 2، 3، 4، 6) 16 أكبر منه.
وأما الأعداد الناقصة:
فهي كل عدد مجموع عوامله أصغر من العدد نفسه، مثل العدد 10، فإن مجموع عوامله (1، 2، 5) 8 أقل منه.
وأما الأعداد المتحابة:
وهي كل عددين مزدوجين، أحدهما ناقص، والثاني زائد، إذا كان مجموع عوامل كل منهما مساوياً للآخر، مثل العددين 220، وهو عدد زائد، و 284 وهو عدد ناقص.
(لاحظ أن:
عوامل العدد 220 هي 1 + 2 + 4 + 5 + 10 + 11 + 20 + 22 + 44 + 55 + 110 = 284
وأن عوامل العدد 284 هي 1 + 2 + 4 + 71 + 142 = 220
بالإضافة إلى ذلك هناك العدد التخيلي، والعدد الذري، والعدد الكتلي، والعدد الماخي، والعدد المركب، وبيانها كالتالي:
العدد التخيلي imaginary number
ظهر نتيجة البحث عن حلول للمعادلة س2 = -1، حيث لا يوجد جذر للأعداد السالبة، وفي الرياضيات القديمة اُعتقد أن هذه المعادلة ليس لها حلاً، حتى عام 1777 حين قام العالم السويسري ليونارد إيلر بتعريف الرمز الحديث ت وقيمتهويسمى العدد التخيلي، وهو يظهر كثيراً في الجبر (جبر المتجهات)، ويدل على أن المقياس (الإحداثي) الذي يمثله يتعامد على المركبة الأفقية (أي يصنع معها زاوية مقدارها 90 ْ). العدد الذري atomic number
عدد البروتونات الموجودة في نواة الذرة، وهو العدد الذي يمثل العنصر في الجدول الدوري للعناصر، فمثلاً العدد الذري للأكسجين8، وهذا يعني أن ذرة الأكسجين تحتوي على ثمانية بروتونات في نواتها.
العدد الكتلي mass number
هو مجموع عدد البروتونات والنيوترونات الموجودة في نواة الذرة، ويمكن وجود عدد كتلي أو أكثر حسب نظير العنصر (نظير العنصر: يوجد العدد نفسه من البروتونات ولكن يختلف عدد النيوترونات وبالتالي يختلف المجموع وهو العدد الكتلي)
العدد الماخي mach number
النسبة بين سرعة أية طائرة أو قذيفة وبين سرعة الصوت. ومن ثم فإن العدد الماخي 2 يعني ضعف سرعة الصوت، والعدد الماخي 0.75 يعني ثلاثة أرباع سرعة الصوت. ويختلف العدد الماخي لأية سرعة محددة باختلاف الارتفاع والفصل من السنة، وموقع الطيران.
العدد المركب complex number
عدد يتكون من جزء حقيقي وآخر تخيلي. وعلى سبيل المثال فالعدد أ + ب ت(ت=) يمثل عدد مركباً. وتستخدم مثل هذه الأعداد لتحليل البعض الآخر منها، فضلاً عن استخدامها في نظرية التيارات الكهربائية المترددة.
هناك أيضاً الأعداد الصماء: وهي الأعداد التي لا يمكن التعبير عنها بعدد كامل، أو كسر من عدد كالجذر التربيعي.
كيف نشأت الحاجة إلى العد
عاش الإنسان القديم تحيط به ظواهر الطبيعة من كل جانب. وكان هناك الكثير من الظواهر التي تشده إليها، وتدفعه إلى التأمل والتفكير. فحينما يتجه إلى السماء ليلاً يجد النجوم المتلالأة، وإذا اتجه ببصره إلى الأرض، نهاراً، وجد الأشجار الباسقة، وما يحيط به من إنسان وحيوان. وكل هذه، وغيرها، دفعته إلى المقارنة بين هذه الكميات، وإلى أن يحصي عددها، أو يدرك مقدارها، هل هي كثيرة؟ أو كثيرة جداً؟ أو قليلة جداً؟ وهذا في الواقع هو بداية التفكير في العد والأعداد.
تطور طرق العد
تشير الدلائل إلى أن فكرة الإنسان الأول عن الكميات لم تكن واضحة تمام الوضوح؛ فكان ينظر إلى الأشياء التي يراها، باعتبارها وحدة واحدة؛ فإذا كانت مجموعة من الحيوان مثلاً، نظر إليها على أنها وحدة واحدة، وليست أفراداً. ولعل أول طريقة عبر بها القدماء عن الكمية كانت باستخدام الإشارة بالأيدي للدلالة على مقدار الكمية؛ فهي كثيرة جداً، أو كثيرة، أو قليلة، أو قليلة جداً، وكان في كل حالة يفتح الذراعين بقدر معلوم للدلالة على تلك الكمية كوحدة، وهذا يشبه معاملة الأطفال الصغار عندما يعبرون عن الشيء الكثير قبل أن تكون لديهم فكرة عن معنى الأعداد، وأسمائها، وعن النظام العدي، أي أن فكرة الإنسان البدائي عن الكميات كانت فكرة تقريبية، وليست فكرة مضبوطة تماماً. كما أنه لم يستخدم كلمات أو رموزاً للتعبير عن الكمية.
وأتت، بعد ذلك، مرحلة استخدم فيها الإنسان الأشياء، وأوصافها للتعبير عن الكميات. ولم يكن الراعي ليدرك مثلاً أنه يملك خمسة رؤوس من الأغنام، وإنما استخدم الكلمات لمعرفة كميتها، بقوله:
إن عنده واحدة لونها أبيض، وواحدة لونها بني، وواحدة ذات قرون طويلة، وما يشبه ذلك، أي أنه يعرفها فرداً فرداً، بقدر ما تسمح به ذاكرته، وبقدر عدد القطيع، حتى إذا بلغ مقداراً لا تعيه ذاكرته، أو التبست عليه الألوان، أو تعددت الأنواع، وأصبح لديه من كل نوع، أو لون، كمية معينة، شعر بعجز تلك الطريقة، وبدأ يفكر في طريقة أخرى أكثر دقة في العد .
وكانت المرحلة الثانية، هي مرحلة المطابقة بين الشيء ونظيره، أو "واحد لواحد"، كما ذكر البحث من قبل، وتتلخص هذه الطريقة في المقارنة بين الشيء وما يناظره. وكانت تلك النظائر في أول الأمر أشياء بسيطة سهلة، يراها الإنسان، ويحس بها، أو مجموعات معروفة له، كأصابع اليدين، وأجنحة الطير أو مخالبها، وأذني الإنسان، وما شابه ذلك. ومن أمثلة هذا أن يقول رجل لآخر: "قتلت اليوم من الذئاب قدر ما للنعامة من أظلاف" أو "إن عنده من النساء قدر ما عند الإنسان من آذان". وفكرة مقارنة الأشياء بمجموعات معروفة، مثل: الأنف، والأذنين، وأوراق نبات البرسيم، وأظلاف النعام، وأصابع اليد، تقابل اليوم 1، 2، 3، 4، 5، على الترتيب.
ولا ريب أن فكرة التجميع قد سهلت على الإنسان البدائي عملية التفكير في مجموعات تمثِّل المقادير، ولكن هذه المجموعات كانت صغيرة، ولا تصلح للكميات الكبيرة، وهذا ولَّد لدى الإنسان الشعور بالحاجة إلى اختراع طريقة أخرى من طرق المطابقة، وكانت تلك هي طريقة استخدام الحصى، فعدد أفراد القطيع، أو السهام، أو الأشجار، التي يملكها، أو كمية الطير التي اصطادها، يمكن أن يعرف مقدارها عن طريق مطابقتها مع كمية معينة من الحصى. وما زال أفراد بعض القبائل الهندية، في ولاية أريزونا يحمل كيساً به مجموعة من الحصى تطابق كمية ما عنده من الخيل. وقد استخدم بعض الأقدمين بدلاً من المطابقة بالحصى نوعاً من الأحجار المستطيلة على هيئة عصى يحفرون عليها علامات. وكل علامة تقابل فرداً مما يملكون، بحيث يدل مقدار الحفرات، أو الحزَّات على عدد هذا الشيء. ولكن البعض تخلص من الجهد اللازم للحفر على الحجر؛ فاستخدام فروعاً من الأشجار يسجل عليها علاماته بعمل حزات بآلة حادة لتمثل الكميات، التي لديه. ولجأ آخرون إلى استخدام ألياف الأشجار، وعمل عُقد عليها بقدر الكمية الموجودة. ولا شك أن طريقة المقارنة جعلت الإنسان يشعر بشيء من الثقة في معرفة كمية ما عنده من أشياء، عند مقارنتها بالعلامات أو بالحصى.
كما أن هذه الطريقة أعطت فكرة "التساوي" عندما تتم المطابقة، وفكرة "أقل" أو "أكثر" في حالتي عدم المطابقة، وهي، على أي حال، كانت خطوة نحو الأمام في تطور التفكير البشري، إلا أن هذه الطريقة ظلت قاصرة عن أن تدل الرجل البدائي على عدد ما عنده، أو تعطيه اسماً، أو عدداً، يبين المقدار الذي يريده، ليسجل الاسم أو العدد بسهولة، وبساطة، بدلاً من الحصى الذي يحمله، أو الأحجار، وفروع الأشجار التي يحفر عليها.