مقدمة:
البصر نعمة وهبها لنا الخالق عز وجل؛ فحبانا عينين، وحماهما بالجفون والرموش، وجملهما بقزحيتين ملونتين، ووضعهما داخل جدار واقٍ من عظام الجمجمة. فالعين معجزة توافرت فيها كل الخصائص الحيوية والطبيعية لتنقل للمخ صورة حقيقية للمرئيات بأضوائها وأبعادها وألوانها وحركاتها. وفوق مقلة العين نجد الحواجب، وقد أضفت شكلاً جمالياً على الوجه، تعمل كمظلة للعين، فتمنع سقوط العرق عليها.
أما الجفون، فهما زائدتان من الجلد الرقيق (علوية وسفلية) مبطنتان من الداخل بغشاء رطب يسمى الملتحمة. ويتحرك الجفنان فوق مقلة العين فيتباعدان بعضهما عن بعض لتزداد الرؤية، ويقتربان فيحميان العين من أي أتربة أو عوالق جوية، يضاف إلى ذلك أنهما يمنعان وصول الضوء إليها، ليعطيا خلايا العين العصبية فترات قصيرة من الراحة تجدد بها نشاطها. والجفون تتحرك من حين لآخر حركة تلقائية لتوزيع الدموع وإفرازات الغدد المخاطية على سطح مقلة العين، الأمر الذي يجعلها دائماً رطبة لامعة.
تتحرك العين في مقلتها في جميع الاتجاهات؛ وبذلك تستطيع تكوين صورة كاملة لكل ما هو أمام الإنسان أو عن يمينه أو يساره. وتتحرك العين بواسطة ست عضلات تحيط بالمقلة من كل جانب .
وينظم حركة هذه العضلات مجموعة من الأعصاب المخية. كما يحيط بمقلة العين وسادة دهنية رخوة تمتص الصدمات، ونسيج لين يغلف العضلات والأوعية الدموية والأعصاب يصل بينها ويحميها من التمزق. أما عظام الجمجمة المحيطة بالمقلة، فتتميز بصلابتها وسمك حوافها، الأمر الذي يوفر حماية كافية للعين.
وبياض العين غشاء متين معتم مصنوع من الألياف يسمى الصّلْبة (Sclera)، والخمس الأمامي منها شفاف يسمح بدخول الضوء إلى العين، ويسمى القرنية (Cornea)، وهي شديدة الحساسية للألم واللمس والحرارة، لكنها تخلو من الأوعية الدموية لتحافظ على شفافيتها. والقرنية تعمل كعدسة محدبة تساعد على انكسار الضوء وتركيزه على الشبكية. وقد قدر العلماء القوة العدسية للقرنية بـ42 ديوبتر. أما غذاء العين، فتوفره الأوعية الدموية الموجودة في القزحية (Iris)، والجسم الهدبي (Ciliated Body)، والمشيمية (Choroid) .
والقزحية غشاء أمامي دائري يحتوي على الخلايا الملونة التي تعطي العين اللون المميز لها، ويوجد في وسطها ثقب يسمى حدقة أو إنسان أو بؤبؤ العين (Pupil).
وحدقة العين هي التي تتحكم في كمية الضوء المناسبة الداخلة للعين، فتنقبض الحدقة في ضوء النهار الشديد، في حين تتسع (تنبسط) في ضوء الليل الخافت، لتسمح بدخول أكبر كمية من الضوء إلى الشبكية. ويتحكم في انقباض حدقة العين وانبساطها زوج من العضلات اللاإرادية تتصل أعصابهما بالمركز العصبي اللاإرادي للعين. ويتم هذا التكيف الدقيق بصورة انسيابية.
ويكسو العين من الداخل غشاء المشيمية؛ وهي طبقة إسفنجية رقيقة تتداخل فيها الأوعية الدموية، فتوصل الغذاء لكل من الصّلْبة والشبكية.
أما عدسة العين (Lens)، فهي عبارة عن قرص شفاف لا يحتوى على أوعية دموية، محدب من الأمام والخلف، ومكون من العديد من الخلايا العدسية التي تحوي نوعاً خاصاً من البروتين يُطلق عليه البروتين الكريستالي(Crystalline) . وتقوم العدسة بتجميع حزم الأشعة الضوئية الصادرة عن المرئيات القريبة والبعيدة. وهى تختص بثلث الانكسار الضوئي للعين.
ويتحكم الجسم الهُدْبي (Ciliated Body) في درجة تحدب عدسة العين، كما أنه يمد خلاياها بالمواد الغذائية اللازمة؛ فهو يفرز سائلاً يسمى السائل المائي (Aqeuous Humour) يتكون من ماء به أملاح وبروتين وسكريات. ويقوم هذا السائل بالمحافظة على شكل العين؛ حيث ينظم الضغط داخلها، كما أنه يغذي الأجزاء التي لا تحتوي على الأوعية الدموية كالقرنية والعدسة.
ويسمى الفراغ الموجود بين الوجه الخلفي للعدسة والوجه الأمامي للشبكية بغرفة العين الخلفية. هذه الغرفة يملؤها سائل لزج يسمى السائل الزجاجي (Vitrous Humour). ويقوم هذا السائل بتدعيم الشبكية ومنعها من السقوط للأمام أو منع العدسة من السقوط للخلف، وهو بذلك يحافظ على تثبيت أجزاء العين الهامة، بالإضافة إلى محافظته على شكل مقلة العين.
يستقبل الضوء غشاء حساس يسمى الشبكية (Retina) يتكون من عدة طبقات من الخلايا
في الطبقة الأولى تصطف خلايا طلائية مزودة بصبغيات داكنة، تليها طبقة مملوءة بخلايا عصبية تحتوى على مستقبلات خاصة للضوء، وهى نوعان من الخلايا؛ الأول: يسمى الخلايا العصوية (Rod Cells) صنعت مستقبلاتها من مادة خاصة اسمها الرودوبسن (Rhodopsin)، وهي مادة حساسة للضوء الخافت وللظلام، ويعتمد عليها الإنسان للرؤية في جنح الظلام. إلا أن هذه الخلايا لا تستطيع التفريق بين الألوان، ولا التدقيق في تفاصيل الأشياء. والنوع الثاني: يسمى الخلايا المخروطية؛ لأنها تحتوي على مستقبلات مخروطية الشكل (Cone Cells) تستطيع إدراك الألوان وتفاصيل الأشياء؛ لذا يعتمد عليها الإنسان في ضوء النهار، وهي - من جانب آخر - تُعد المسؤولة عن حدة الإبصار والتحديد الدقيق للمرئيات .
ويوجد في الشبكية قرص يسمى البقعة العمياء، وهو عبارة عن مخرج العصب البصري، ويتألف من ألياف عصبية فقط؛ ولهذا لا يستطيع إدراك الضوء مطلقاً. كما توجد بقعة أخرى تسمى البقعة الصفراء أو البقعة المركزية؛ وهي تحتوي على العديد من الخلايا المحتوية على المستقبلات المخروطية.
أما العصب البصري، فيتكون من محاور لخلايا عصبية مصفوفة في الطبقة الأخيرة من الشبكية، وهو غير محاط بغمد، ولذلك لا يتجدد إذا أصيب.
البصر
تشبه العين آلة التصوير الفوتوغرافي (الكاميرا) في نواح عديدة، سواء أكان ذلك في الأجزاء المكونة لها أم في آلية عملها؛ فالطبقة الخارجية المعتمة من جدار العين (الصّلْبة) تتطابق مع جدار الكاميرا المعتم، وتشبه القرنية وعدسة العين الشفافتان عدسة الكاميرا، وشبكية العين تقابل الفيلم الحساس بالكاميرا الذي يلتقط صور المرئيات، وتتكيف عدسة العين لرؤية الأشياء البعيدة والقريبة بنفس الكيفية التي تعمل بها عدسة الكاميرا الأوتوماتيكية.
فعندما تسقط حزم الأشعة الضوئية الصادرة من جسم مرئي على العين، فإنها تتجمع بواسطة قرنية العين، ثم تكمل عدسة العين تجميع هذه الأشعة التي تخترق الجسم الزجاجي الشفاف في طريقها للشبكية، فتتكون صورة مقلوبة للجسم المرئي على النقطة المركزية للشبكية، حيث تتركز الخلايا الضوئية ذات المستقبلات المخروطية. وتتغير درجة تحدب العدسة تبعاً لبعد المسافة بين العين والأجسام المرئية، فيزداد تحدبها عند النظر في الأشياء القريبة، ويقل عند النظر في الأشياء البعيدة، وكلما ازداد تحدب العدسة ازدادت قوتها على تجميع الأشعة الضوئية .
وتستقبل الشبكية الضوء، حيث تمتصه الخلايا ذات الصبغات الداكنة الموجودة في أولى طبقاتها، فيحدث تفاعل كيميائي يتناسب نوعه وشدته مع شدة الضوء الساقط عليها. وتؤثر هذه التفاعلات على الخلايا العصوية والمخروطية التي تحول التفاعلات الكيميائية إلى ذبذبات كهربائية. وترسل تلك الخلايا إشاراتها إلى المخ عن طريق تلامسها مع خلايا عصبية وسيطة توجد في الطبقة التي تليها، فتنقلها إلى الخلايا العصبية التي تكون محاورها العصب البصري. ويغادر العصب البصري العين، إلى داخل تجويف الجمجمة، حيث يلتقى مع العصب البصري للعين الأخرى، وبمجرد التقاء العصبين البصريين، يحدث بينهما تبادل للألياف العصبية، فتنتقل نصف الألياف العصبية من كل عصب إلى العصب الآخر .
وهكذا تتكون حزمة من الألياف العصبية البصرية تحتوي على ألياف عصبية من النصف الأيمن لشبكية العين اليمنى التي ترى النصف الأيسر من المجال البصري، والألياف العصبية من النصف الأيمن لشبكية العين اليسرى التي ترى النصف الأيسر من المجال البصري. وبالمثل تتكون حزمة أخرى من الألياف العصبية البصرية من النصف الأيسر لشبكية كل عين، لتتمكن من رؤية النصف الأيمن من المجال البصري. ويسبب هذا التداخل لكلا العصبين الرؤية الكاملة والمجسمة للمرئيات. ثم يكمل العصبان البصريان رحلتهما حيث ينتهيان إلى مركز الإحساس البصري الذي يقع في الجزء الخلفي الأيمن والأيسر من المخ الذي يقوم بترجمة هذه الذبذبات إلى صورة حقيقية كاملة ومعتدلة؛ أي غير مقلوبة.
وتعتمد رؤية الألوان بأنواعها ودرجاتها المختلفة على درجة امتزاج ثلاثة ألوان يطلق عليها "الألوان الأولية"؛ وهي الأحمر والأخضر والأزرق. وتحتوي الشبكية على ثلاثة أنواع من الخلايا الضوئية المخروطية، كل نوع منها حساس لكل لون. ويقوم المخ بترجمة هذه الألوان ومزجها بعضها ببعض، فيكون تلوين الصورة النهائية مطابقاً لألوانها الحقيقية. وفي حالة وجود نقص نوع أو أكثر من هذه الخلايا، يحدث عمى ألوان؛ وهو نوعان: عمى ألوان جزئي أخضر وأحمر، وعمى ألوان أزرق. أما في حالة وجود نقص كلي في هذه الخلايا، فيحدث عمى ألوان كلي. وفي هذه الحالة يرى الإنسان جميع الأشياء المرئية على درجات متفاوتة من اللون الرصاصي فقط. يقاس الإبصار بحدته. وتعرف حدة الإبصار بأنها: أصغر مسافة تستطيع العين عندها أن ترى أي نقطتين كنقطتين منفصلتين. وتعتمد حدة إبصار العين على مدى شفافية مسار الضوء في العين، وعلى مدى سلامة الخلايا الضوئية في الشبكية، وسلامة الأعصاب التي تنقل الإحساس بالضوء من العين إلى مركز الإبصار بالمخ. وتقاس بواسطة لوحة مرسوم عليها عدد من الدوائر المتدرجة في الحجم ذات فتحات متباينة الاتجاهات أو حروف لاتينية أو حروف عربية. ويعبر عن حدة الإبصار بكسر اعتيادي، يشير البسط فيه إلى المسافة بين العين ولوحة العلامات التي غالباً ما تكون 6 أمتار، في حين يشير المقام إلى المسافة التي ترى عندها العين الطبيعية الشكل وتحدده بدقة. والسبب في ذلك أن الأشعة الضوئية الصادرة من المرئيات الواقعة على بعد 6 أمتار أو أكثر تكون متوازية، وعلى ذلك لا تستلزم حدوث تكيف في عدسة العين. والشخص الذي يستطيع أن يرى بوضوح من على بعد 6 أمتار الأشكال الموجودة بالصف السابع من أسفل لوحات العلامات، تكون حدة إبصاره 6/6 وهكذا. وقد يحدث ألا تقع الأشعة الضوئية المنبعثة من المرئيات على الشبكية، بل تتجمع أمامها أو خلفها فلا يستطيع الإنسان الرؤية الواضحة، مثل حالات قصر النظر وطوله. فإذا كانت مقلة العين أطول من اللازم، أو إذا فقدت العدسة مقدرتها على التكيف، كما يحدث مع التقدم في العمر، فإن الصورة تتكون أمام الشبكية وليس عليها، وتسمى هذه الحالة بقصر النظر(Nearsightedness) . وتعالج هذه الحالة باستخدام عدسة مقعرة على هيئة نظارة طبية أو عدسة لاصقة . أما إذا كان هناك قصر في مقلة العين، فستتكون صورة الأشياء خلف الشبكية وليس عليها. وتحدث نفس الحالة عند حدوث خلل في القرنية أو نقصان في تحدب عدسة العين، وهو ما يطلق عليه اسم طول النظر. وتعالج هذه الحالة باستخدام عدسات محدبة. وهناك من الأفراد من لا يستطيع تركيز الأشعة الضوئية على الشبكية، وهو بذلك لا يستطيع التركيز على الأجسام لمدة طويلة. وتسمى هذه الحالة الاستجماتزم(Astigmatism). ويرجع هذا المرض إلى عدم انتظام تحدب العدسة، أو عدم انتظام سُمك قرنية العين، ويترتب على ذلك أن تتجمع صور المرئيات في خط وليس في نقطة. وتعالج هذه الحالة باستخدام عدسات مركبة |