مقدمة:
عندما سئل آلاف العلماء والأطباء عن أعظم اكتشاف طبي أفاد البشرية في الألف عام الأخيرة، كانت إجاباتهم واحدة؛ هو "التخدير". فقد أحدث التخدير ثورة في عالم الطب والعلاج، وجعل ما كان مستحيلاً بالأمس، ممكناً اليوم. وكان الطبيب والشاعر الأمريكي أوليفر هوتون (Oliver U. Hotune) هو أول من أطلق على التخدير اسم (Anaesthesia) وهي كلمة إغريقية معروفة، تعني: فقدان الإحساس.
وقد بحث الإنسان بحثاً دؤوباً، منذ أزمنة سحيقة، عن طريقة لتسكين الآلام ليتمكن من هم على دراية ببعض فنون الطب من التدخل الجراحي. وأسفر هذا البحث عن اكتشاف بعض العقاقير، ذات الأصل النباتي، والتي تقلل من الإحساس بالألم، بل وتجعل المريض يغيب عن وعيه. ومن بين هذه العقاقير ظهر الأفيون(Opium) ،
والقنب (Hemp) ،
واليبروح (Mandrake)
ولكن أياً من هذه الأنواع لم يثبت جدارته في قتل الآلام نهائياً، فهي ضعيفة التأثير عند استخدامها بتركيزات صغيرة، أما التركيزات العالية منها، فإنها غالباً ما تفضي إلى الموت.
وكذلك جُربت المشروبات الكحولية لإحداث التخدير المطلوب، لكن استخدامها شابه كثير من القصور حيث عاود المرضى الإحساسُ بالألم والوعي، عند أول استخدام لمشرط الجراحة. الأمر الذي عقد الأمور، فضلاً عن غياب طرق التعقيم السليمة، التي تمنع من حدوث العدوى بالجراثيم القادرة على قتل الإنسان.
ولهذه الأسباب كلها كان إجراء العمليات الجراحية لاستئصال الأطراف، عند حدوث كسر مضاعف، أو لفتح خراج كبير، يتم بتقييد حركة المريض، سواءً بالإمساك به جيداً، أم بربطه إلى مناضد العمليات الجراحية. واقتصر هذا النوع من العمليات على تلك التي يمكن إجراؤها، في وقت وجيز جداً، لا يتعدى دقائق معدودة. وعلى الرغم من ذلك، فقد مات كثير من المرضى، أثناء هذه العمليات الجراحية، من جراء الألم الرهيب، والخوف، والصدمة العصبية.
إلا أن جهود الإنسان لم تكُفّ عن إيجاد وسيلة لتخدير مرضى العمليات الجراحية. فابتكرت طريقة تعتمد على وضع الجزء المصاب، الذراع مثلاً، في ثلج مجروش، ومع هبوط درجة الحرارة، يبدأ المريض بفقدان الإحساس تدريجياً في هذا الجزء؛ بحيث يُسمح عندئذ بإجراء عملية جراحية سريعة.
كذلك أجريت بعض العمليات الجراحية، بعد إيقاف، أو إبطاء الدم الوارد إلى العضو. ويكون ذلك بوضع رباط محكم ضاغط حول الفخذ مثلاً؛ حيث يعمل على منع وصول الدم إلى الأعصاب الموجودة بها، ومن ثم إحداث فقد جزئي للإحساس في الرجل بأكملها، الأمر الذي مكن الأطباء من إجراء بعض العمليات الجراحية السريعة.
ومن الطرق القديمة، التي استخدمت لإحداث فقدان بالإحساس، ضرب الإنسان بمطرقة في منطقة خلف الجمجمة، فيفقد الإنسان وعيه، لفترة وجيزة.
كذا استخدم بعض الأطباء طريقة أخطر، تمثلت في خنق المريض، حتى يفقد وعيه، نتيجة لعدم وصول الدم إلى المخ. وعندئذ يقوم الأطباء بإجراء العملية الجراحية، التي غالباً ما يعود المريض إلى وعيه خلالها.
واستخدم الإنسان التنويم المغناطيسي (Hypnosis) كذلك لإحداث التأثير، حيث يوحي كل من الطبيبُ والمنومُ، للمريضَ أنه لن يعاني من أية آلام، وبهذا يختفي الإحساس بالألم حتى يصحو المريض. لكن وجد أن هذه الطريقة لا تصلح للعمليات الجراحية الكبيرة، فضلاً عن أنه ليس بالإمكان تنويم كل مريض بنجاح.
أما الصينيون القدماء، فقد توصلوا إلى طريقة للتحكم في الألم، تعتمد على الوخز بالإبر، وهي طريقة مازالت تستخدم، حتى الآن، في الشرق الأقصى، وجنوب شرق آسيا، وبعض البلدان الأخرى.
ويعتقد الصينيون في وجود 14 ممراً، على طول الجسم، تقسم الجسم إلى مناطق. وأن هذه الممرات مسؤولة عن الإحساس والتحكم، في وظائف جميع الأعضاء والأنسجة الموجودة بين الممرات. كما يعتقد الصينيون أنه عند غرز الإبر، مع لفها بسرعة كبيرة، في نقاط خاصة، على طول الممرات الطولية حول مكان العملية الجراحية وبقائها لفترة طويلة فإن ذلك سيصاحبه شعور بالخَدَر أو التثاقل، يكون من القوة بحيث يمكن للطبيب من إجراء عملية جراحية، يظل فيها المريض، في وعيه، يشعر بألم بسيط، أو لا يشعر بألم، على الإطلاق .
وتبدأ قصة أدوية التخدير الحديثة، في أواخر القرن الثامن عشر. ففي عام 1776، اكتشف الكيميائي بريستلي (Priestly) غازاً، أطلق عليه غاز أكسيد النيتروز (Nitrous Oxide). وبعد عشرين عاماً من هذا الاكتشاف، اكتشف بريستلي وصديقه همفرى دافي (Humphry Davy) أن لهذا الغاز خاصية تخفيف الآلام في المرضى.
وفي أوائل القرن الثامن عشر اكتشف العالم مايكل فاراداي (Michael Faraday) أن استنشاق الأثير (Ether)، وهو سائل يتحول بسرعة إلى غاز، عند تعرضه للهواء الجوي، يسبب فقدان الإحساس بالألم.
وفي هذه الأثناء، اكتشف بعض الناس أن استنشاق كلٍّ من أكسيد النيتروز والأثير معاً، يمنح إحساساً رائقاً محبباً، ويجعل الإنسان في حالة مرحة. ولذا أقيم عديد من الحفلات أطلق عليها حفلات الأثير المرحة (Ether Frolic)؛ حيث تميزت بالعبث واللهو.
ويرجع الفضل، في استخدام أكسيد النيتروز في التخدير، إلى أطباء الأسنان، الذين كانوا على احتكاك يومي مع الألم، الذي يسببونه لمرضاهم، عند خلع أسنانهم. إذ لاحظ طبيب الأسنان الأمريكي هوريس ولز(Horace Wells) أن أحد المترددين على حفلات الأثير المرحة، التي كان يستنشق فيها أكسيد النيتروز، قد جُرِحَ جرحاً كبيراً إلا أنه لم يشعر بألم. وفي اليوم التالي قرر ولز فوراً أن يقوم بإجراء تجربة على نفسه، فقام باستنشاق غاز أكسيد النيتروز ثم قام أحد زملائه الأطباء بخلع ضرس له، فلم يشعر ولز بالألم.
وتحمس ولز لهذا الاكتشاف، فقدم طلباً لعرض اكتشافه في المستشفي العام لولاية ماساشوسيتس (Massachusetts General Hospital)، الموجود في مدينة بوسطن الأمريكية. وفي يوم العرض، اجتمع حشد كبير من الأطباء والطلاب، وقام ولز بإحضار مريض له، يود خلع أحد أسنانه، إلا إن المريض صرخ من الألم، أثناء قيام ولز بعملية الخلع، فباءت دعوى ولز بالفشل الذريع.
وإذا كان النجاح لم يحالف ولز، إلا أنه حالف صديقه، ويليام مورتون (William Morton)، الذي كان يدرس الطب. وكان مورتون على دراية بغاز أكسيد النيتروز ومحاولات ولز معه. كما كان أيضاً على علم، بما للأثير من خواص خافضة للألم، ومفقدة للإحساس، لذا عكف مورتون على إجراء تجارب في تخدير الحيوانات بالأثير. وبعد أن تيقن من نجاحها، وأن الحيوانات تعود لوعيها، بعد فترة تطول أو تقصر، حسب جرعة الأثير الذي تعرضت لها، قام مورتون بإجراء تجارب عديدة على نفسه، تعلم منها أموراً كثيرة عن الأثير، وخواصه، وتأثيره على الإنسان.
وفي عام 1846، تقدم مورتون بطلب، لعرض نتائجه، وتجربتها على مريض، تُجْرى له عملية جراحية، في المستشفى العام لولاية ماساشوسيتس، التي باءت فيها تجربة ولز بالفشل.
وفي يوم التجربة 16 أكتوبر 1846 احتشدت غرفة العمليات في هذه المستشفى، والتي تعرف حالياً باسم قبة الأثير (Ether Dome) تخليداً لهذا اليوم، بالمئات من رجال الصحافة والإعلام الذين ملئوا الدنيا ضجيجاً بأن طالب طب في الصف الدراسي الثاني يدعي القدرة على منع الشعور بالألم عن المرضى، أثناء إجراء العمليات الجراحية. كذا احتشدت غرفة العمليات بأساتذة وطلبة الطب، وبلفيف كبير من الأطباء، الذين وفدوا من كل صوب وحدب، لتعلم مزيد عن التخدير.
وعند حلول وقت إجراء العملية الجراحية، دخل القاعة السيد جلبرت أبوت(Gilbert Abbott)، وهو المريض الذي ستُجْرى له العملية الجراحية، ومعه الجراح الشهير، في ذلك الوقت، الدكتور جون وارين (John Warren). الذي قام بتجهيز عدة رجال أشداء لإمساك المريض وربطه إلى منضدة العمليات عند الحاجة تحسباً لفشل تجربة مورتون، أو عدم حضوره. وبالفعل لم يحضر مورتون في الوقت المحدد. وانتظر الجميع ومرت الدقائق بطيئة متثاقلة حتى نفد صبر الجراح، الذي تحدث إلى الحشد قائلاً: يبدو أن السيد مورتون لديه أشياء أخرى تشغله عن المجيء، وهنا ابتسم الحاضرون، في حين انكمش المريض على منضدة العمليات خوفاً. وما إن شمر الجراح عن ساعديه، وتناول المشرط، وشرع في إجراء العملية. حتى دخل مورتون إلى القاعة غارقاً في عرقه، فقد كان يسابق الزمن، طوال هذه الفترة لابتكار جهاز، يستطيع به المريض أن يستنشق الأثير، أثناء الجراحة.
وتعجب الجراح عندما رآه، لكنه تراجع للوراء، وقال لمورتون متهكماً "حسناً يا سيدي، هاهو ذا مريضك مستعد لأن تفعل به ما تريد". وبهدوء وبرود شديدين شرع مورتون في عمله، وسط نظرات الحاضرين المملوءة بالدهشة والتعجب .
وبعد دقائق معدودة من استنشاق الأثير، فقد المريض وعيه، وعندئذ نظر مورتون إلى الجراح، وتحدث إليه بنفس الصيغة التهكمية قائلاً: "حسنا يا دكتور وارين، هاهو ذا مريضك مستعد، لأن تفعل به ما تريد".
وبدأت العملية، ولم يتوجع المريض، إذ كان في سبات عميق، وكان تنفسه طبيعياً، ونبضه منتظماً، وعندما انتهى الجراح وارين من عمليته، التفت إلى الحاضرين الذين كانوا في ذهول وصمت مطبق، كأن على رءوسهم الطير قائلاً: أيها السادة.. إن ما رأيناه اليوم حقيقة وليس خدعة. وقيل أن الجراح ذهب، بعد ذلك، إلى السيد مورتون وانحنى أمامه، مقبلاً يده قائلاً: "إن هذه لحظة لن ينساها التاريخ ولن ينساك معها". كذا صرَّح الجراح الذائع الصيت، دكتور هنري بيجلو (Henry Bigelow)، قائلاً: "إن ما رأيناه اليوم سينتشر في العالم أجمع، وسيستمر حتى نهايته".
وانتشرت أنباء هذا النجاح بسرعة البرق، وفتح الطريق إلى الجراحة الحديثة، بلا ألم؛ حيث انتشرت في جميع أنحاء العالم، وحتى يومنا هذا.
وعلى الرغم من هذا النجاح المذهل، لم تتحقق لمورتون السعادة، والرضا الذي كان يتوقعها. فقد ادعى أستاذه تشارليس جاكسون، أنه هو الذي اقترح عليه استخدام الأثير بدلاً من غاز أكسيد النيتروز كما أن الطبيب كروفورد لونج (Crowford Long) كان قد أجرى تجربة ناجحة مماثلة، قبل تجربة مورتون بأربع سنوات قام فيها بتخدير مريضه جيمس فينال (James Fennial)، بواسطة استنشاق الأثير، ثم أزال ورماً، كان في عنقه، دون ألم. ولم يعلن لونج عن نتائج تجربته، في ذلك الوقت، ولم يحاول أن ينشر نتائج أبحاثه، إلا في عام 1849، وبعد أن ملأت أصداء نجاح مورتون الآفاق.
لذا، لم ينجح مورتون، في تسجيل اكتشافه المخدر لكنه تمكن من تسجيل جهاز التخدير؛ حيث قرن باسمه في كتب التاريخ. ثم مات مورتون، بعد ذلك، كمداً، بسبب الهجوم القاسي الذي شنه عليه معاصروه. غير أن، مواطنو مدينته بوسطن قاموا بتشييد تمثال لمورتون بالقرب من مقبرته تقديراً لكشفه العظيم حيث دونوا عليه:
"إلى ويليام مورتون مخترع التخدير، الذي كانت قبله العمليات الجراحية نوعاً من العذاب وصارت بعده شفاءً بلا آلام، إليه يرجع الفضل في معرفة العلم كيف يستطيع إيقاف الآلام"
أما كرفورد لونج، فقد نال أيضاً حظه من الشهرة بسبب اكتشافه، فقد أقيم له متحف، في مسقط رأسه، في مدينة جيفرسون، بولاية جورجيا، كما أن تمثاله يمثل ولاية جورجيا في مبني الكونجرس الأمريكي، حيث تضع كل ولاية رمزاً، لأكثر ما تعتز به على مدى تاريخها.
وبعد اكتشاف الأثير واستخداماته، تسارعت الخطى للبحث عن المزيد والأفضل من أدوية التخدير. ولم يبد الدكتور الإنجليزي جيمس سمبسون (James Simpson) ارتياحه لاستخدام الأثير لتسببه في التهاب الأغشية الرئوية. وفي أثناء بحثه عند البدائل لهذا الغاز، اكتشف أن للكلورفورم تأثيراً مخدراً. فاستخدمه في عام 1847، في توليد سيدة، فلم تعاني من أية آلام، ثم صار استخدام الكلورفورم شائعاً بعد عام 1853، عندما استخدمته الملكة فيكتوريا، أثناء ولادتها لطفلها السابع.
ومنذ ذلك الوقت، اكتشفت وطورت أدوية تخدير عديدة: لكل منها خواصه المنفردة. ويمكن للأطباء اليوم أن يتخيروا من بينها ما يناسب المريض أو العملية الجراحية المزمع إجراؤها.
ويعرف التخدير على أنه فقدان للإحساس، وخصوصاً فيما يتعلق بالألم، في مجمل الجسم أو جزء منه. والتخدير نوعان: تخدير عام، وتخدير موضعي، والمواد الكيميائية التي تعطى للمريض كي تسبب تخديراً يطلق عليها المخدرات، أو المبنجات .
التخدير العام (General Anaesthesia) يعرف على أنه فقدان الإحساس في سائر الجسم، ويتزامن فقدان الإحساس مع فقدان الوعي.
ولا يعود المريض إلى حالته الطبيعية، إلا بعد توقف إعطاء المبنجات. ويكون ذلك بطريق استنشاقها أو حقنها أو ابتلاعها.
وغالباً ما تكون المبنجات العامة، التي يستنشقها المريض، من الغازات، أو من السوائل التي تتحول إلى غازات. وتخلط الغازات المبنجة مع غاز الأكسجين، أو الهواء الجوي، ثم تدفع بعد ذلك في جهاز خاص بمعدل سريان ثابت، فيستنشقها المريض، الذي يبدأ في الدخول، في مرحلة التخدير تدريجياً
وقد أجرى عديد من الأطباء أبحاثاً على تأثير المبنجات على المريض وما هو أنسب وقت تبدأ فيه العملية الجراحية، بعد استنشاق المخدر. ويعد أبرز هؤلاء الأطباء، جون سنو (John Snow)، الذي عاش في القرن التاسع عشر، وقد وصف سنو أربعة مراحل للتخدير كما يلي:
المرحلة الأولي: فقدان الإحساس بالألم.
المرحلة الثانية: الهلوسة وفقدان الوعي الجزئي.
المرحلة الثالثة: فقدان الوعي الكامل، ويمكن عندها البدء في إجراء الجراحة.
المرحلة الرابعة: مرحلة فقدان رد الفعل المنعكس.
ويوجد أربعة أنواع من المبنجات الشائع استخدامها، في التخدير العام، عن طريق استنشاقها:
1) | غاز أكسيد النيتروز (الغاز المضحك) ،
فكان أول المواد الكيميائية، على وجه الإطلاق، التي اكتشفت مقدرتها على إحداث التخدير في الإنسان. ودرجة ذوبانه في الماء قليلة جداً، وهو، لذلك، لا يستخدم وحده في التخدير، ولكنه يخلط مع غازات أخرى. |
2) | الهالوثان (Halothane) التركيب الكيميائي لغاز الهالوثان وهو سائل شفاف عديم اللون، و له بخار ذو رائحة طيبة، وغير مهيجة، وهو أكثر المبنجات العامة استخداماً، في الوقت الحاضر. وتأثيره المخدر على المريض سريع ومقبول. كما يمكن للمريض أن يفيق سريعاً في خلال ساعة واحدة بعد انتهاء العملية الجراحية. ويستنشق المرضى عادة بخار الهالوثان، مع الأكسجين، مع مزيج من الأكسجين وأكسيد النيتروز. |
وقد اكتشف الهالوثان، في إنجلترا، عام 1951، واستخدم، لأول مرة، في العمليات الجراحية، عام 1956، في الولايات المتحدة. وقد اشتهر شهرة واسعة، منذ ذلك الحين، وصار حالياً هو المقياس الذي يتم به الحكم على قوة المبنجات المستنشقة. والآثار الجانبية للهالوثان تكاد لا تذكر، لذا يعد من أكثر المبنجات أماناً.
3) | الإنفلورين (Enflurane) التركيب الكيميائي لغاز الإنفلورين بدأ استخدام الإنفلورين منذ عام 1972. وهو متشابه مع الهالوثان في خواصه التخديرية إلى حد كبير. وليست له آثار جانبية، سوى بعض التشنجات، التي تصاحب مرحلة الإفاقة من التخدير. |
4) | الأيزوفلورين (Isoflurane) التركيب الكيميائي لغاز الأيزوفلورين هو أكثر المبنجات قبولاً لدى المرضى، إذ أن المريض يعود لوعيه بسرعة كبيرة، من دون الشعور بدوران أو غثيان اللذين يصاحبان استخدام كل من الهالوثان والإنفلورين. وتتشابه خواص الأيزوفلورين مع خواص كل من الهالوثان والإنفلورين. |
كما أن هناك عديداً من المبنجات العامة التي تعطى للمريض عن طريق الحقن في الوريد. ومن أكثر هذه المواد شيوعاً الثيوبنتال (Thiopental)، التي اكتشفها لندي (Lundy) عام 1935. وتتميز هذه المادة بقدرتها على إفقاد المريض وعيه خلال عشرين ثانية، إلا إن مفعولها قصير الأجل، لا يتجاوز 30 دقيقة، ولهذا السبب فإن هذه المادة تُعطى أولاً، ثم يبدأ تخدير المريض باستنشاق الهالوثان، أو غيره.
كما تسبب بعض المهدئات، مثل الفاليوم (Valium)، تخديراً عاماً، إذا أعطيت في جرعات كبيرة، إلا أنها لا تستخدم لهذا الغرض، وإنما يأخذ المريض جرعات صغيرة منها، وهو ذاهب إلى غرفة العمليات، فتهدئه، وتجعله في حالة استرخاء.
ويلجأ أطباء التخدير، إلى إعطاء المريض، مجموعة من الأدوية، لتُزيد من فاعلية المبنجات ولتقلل من آثارها الجانبية، بما يساعد على إنجاح العملية الجراحية. وتشمل هذه الأدوية المسكنات، مثل: المورفين، والتي تُقْدِر المريض على تحمل الآلام الحاصلة التي تكون أثناء، وعقب العملية الجراحية. كما يعطي الأطباء مواد تسبب استرخاءً في العضلات، فلا يتحرك المريض أثناء إجراء العملية الجراحية، ومواد توقف القيء، ومواد أخرى لتقليل إفرازات اللعاب والجهاز التنفسي، لئلا يختنق المريض. كل هذه الأدوية، بلا شك، تساعد على الإبقاء على حياة المريض، وتجنبه الآثار الجانبية.
وأثناء التخدير العام تتم مراقبة ردود أفعال المريض، من قبل طبيب التخدير، كما يقاس ضغط دمه، ومعدل التنفس، وعدد ضربات القلب، ما دام في العملية.
ويعتقد العلماء أن المبنجات العامة، تحدث التخدير، عن طريق منع الخلية العصبية من استخدام مصادر الطاقة الموجودة في داخلها، فتضعف، ولا تستطيع نقل الإشارات العصبية. كما أن هناك أنواعاً من المبنجات العامة، التي تستطيع منع مرور الإشارة العصبية، من خلية إلى أخرى، في مناطق التشابك العصبي.
التخدير الموضعي (Local Anesthesia) وهو فقدان الإحساس بالألم، في جزء معين من الجسم، فيما يظل المريض مدركاً لما حوله. ويوضع المخدر الموضعي على المكان المراد إزالة الإحساس منه، أو يحقن حول العصب، المغذي للمنطقة المطلوبة. ويستخدم الأطباء التخدير الموضعي في إجراء عمليات العيون، والأنف، والفم، والجلد، والأسنان.
وتاريخياً، يعد الكوكايين، المستخرج من أوراق شجيرة الكوكا، التي تنمو في أمريكا الجنوبية
التركيب الكيميائي للكوكايين
أول المخدرات الموضعية. وكان أول من استخرج مادة الكوكايين في صورة نقية هو الألماني ألبرت نيمان (Albert Nieman) عام 1860. وعندما قام نيمان بتذوقها شعر بأنه فقد الإحساس في لسانه وشفتيه، ومن وقتها ذاع صيت الكوكايين بحسبانه مخدراً موضعياً. وفضلاً عن فقدان الإحساس، يسبب الكوكايين انقباضاً في الشرايين الصغيرة الأمر الذي يعمل على تقليل النزيف، أثناء الجراحة.
والكوكايين هو أحد أملاح حمض البنزويك ولذلك بذل العلماء مجهوداً كبيراً لتخليق مواد كيميائية، لها أثر الكوكايين المخدر، لكنها عديمة السمية ولا تسبب إدماناً. وقد كللت هذه الجهود بالنجاح عام 1892 بعد أن تمكن العالم أينهورن (Einhorn) ومساعدوه من تخليق مادة البروكاين، وأعقبها تخليق مادة اللايدوكاين (Lidocaine) عام 1946، والتي صارت معياراً لقياس المبنجات الموضعية الأخرى.
وتقوم المبنجات الموضعية بالاتحاد مع مستقبل (Receptor) موجود على جدر الخلايا الإنسان والحيوان. وبذلك، تتحكم في نشاط هذه الخلايا، بوجه عام، وفي نفاذيتها لأيونات الصوديوم، بوجه خاص. ويحدث التخدير نتيجة لأن المبنجات الموضعية تعمل على منع حدوث الإشارة العصبية وانتقالها، عن طريق التحكم، في دخول وخروج أيونات الصوديوم، عبر الغشاء الخلوي.
التخدير الشوكي (Spinal Anesthesia)
وهو نوع يتم فيه تخدير منطقة كاملة من الجسم، وهي المنطقة السفلية، ويتم هذا النوع من التخدير بواسطة حقن مخدر موضعي، داخل سائل النخاع الشوكي، من خلال الثقب الموجود، بين
الفقرات القطنية. بما يؤدي إلى فقد الأجزاء السفلى من الجسم الإحساس بالألم، مع بقاء المريض واعياً.
واستحدث هذا النوع من التخدير، على يد الطبيب السويسري بير (Bier) ، عام 1899. وهو يستخدم بكثرة، في حالات الولادة، وأثناء إجراء العمليات على الساقين.