إن بعض الأطفال هم أقل إنطلاقاً وأقل ميلاً للتحدث من غيرهم ، وبعضهم الآخر يستمتع بالنشاطات الفردية ، أما الأولاد الأكثر جرأة فيُعبرون عن أفكارهم وحقوقهم دون أن ينكروا حقوق الآخرين. أما الأولاد الخجلون فهم حساسون من أنفسهم ، ضعيفوا الإتصال ولا يُقدِّمون أنفسهم بشكل جيد، فعادةً يشعرون بعدم الإرتياح الداخلي ويعانون غالباً من أعراض القلق ويرغبون بالإبتعاد عن المواقف الإجتماعية. كما إنهم غالباً ما يشعرون بالإختلاف والنقص مُعتقدين بأن الآخرين يُفكرون بهم على نحوٍ سيء وبأن الإتصال الإجتماعي سوف ينتهي بخبرة سلبية جداً.
هذا الخوف من التقييم السلبي غالباً ما يكون مصحوباً بسلوك إجتماعي غير مناسب يتضمن الإرتباك وعدم البراعة ومحدودية اللغة. وكثير من الأولاد الخجولين لا يشاركون في المدرسة أو في المجتمع لكنهم من الممكن أن يتصرفوا على نحو مختلف في البيت ، إلاّ أن الوضع يصبح أكثر صعوبة عندما يكون هؤلاء خجولين في البيت أيضاً.
أيضاً الأولاد الخجولين غالباً ما تعوزهم المهارات الإجتماعية فهم لا يُبدون اهتماماً بالآخرين ولا يتصلون بهم إرسالاً أو استقبالاً ، ولا يُظهرون تعاطفاً أو إعتباراً للغير مما يحول دون أن يرى الآخرون الصفات الجيدة لديهم.
الأسباب:-
1. مشاعر عدم الأمن: إن الأولاد غير الآمنين لا يشعرون بالطمأنينة عند التعاطي مع الآخرين إذ تعوزهم الثقة بالنفس.
ـ فالأولاد الذين يحميهم أهلهم حماية زائدة يكونون في الغالب إعتماديين ويصبحون هادئين وسلبيين وخجولين ، هذا الإتجاه في التنشئة يؤدي الى الجبن وطفولية التصرف ، إذ أن الأولاد لا يكونون قد تعلموا أن يثقوا بأنفسهم في التعامل الفعّال مع البيئة والآخرين، فيبتعدون خجلاً عن الآخرين لأنهم لا يحبون التعامل مع الأشياء إلاّ إذا سارت على هواهم.
ـ عدم الميل: حيث يُظهر بعض الأهل نقصاً في الإهتمام أو العناية بأطفالهم ، وقد يكون السبب عدم وجود اهتمام بالأولاد أو بسبب القناعة بأن عدم الاهتمام يساعد على تنمية إستقلالية الولد ويؤدي ذلك الى شخصية خائفة وخجولة . ففي هذه الحالة يشعر الأولاد بأنهم غير جديرين بإهتمام الآخرين ولا يمتلكون الثقة الداخلية الضرورية للمغامرة إجتماعياً.
ـ النقد: إن الأهل الذين يُكثرون من توجيه النقد لأولادهم ، غالباً ما يطورون لديهم حالة من الجبن. فالأهل يعتقدون أن النقد هو أسلوب جيد وضروري يتعلم الأولاد عن طريقه كيف يسلكون، إلاّ أن نتيجة النقد الزائد غالباً ما تُكوِّن طفلاً خائفاً وخجولاً.
ـ السخرية: إن الأولاد الذين يتعرضون للسخرية قد يصبحون خجولين ، ويتجنبون الإتصال الإجتماعي تجنباً للسخرية ، ومن الأمور ذات الأثر المدمر بشكل خاص أن يُسخر من الولد عندما يقوم بمحاولات فجة لإقامة علاقة مع الآخرين.
ـ التهديد: قد يقوم الأهل غالباً بتهديد الأولاد بالعقاب وقد يُكثرون من التهديد ويُوقعون العقاب وقد يستجيب الأولاد للتهديد المستمر بالخوف والجبن فهم ينسحبون محاولين تجنُب إحتمال تنفيذ التهديد ويتخذون موقفاً دفاعياً مع علاقاتهم مع الآخرين.
2. تسمية الذات كخجول: نُطلق هذه التسمية عندما يتقبل الأولاد أنفسهم كخجولين، وذلك عندما يُدركون المواقف من خلال شعورهم بالخوف ونقدهم للذات. فهم يتصرفون كما لو أن عليهم أن يُثبتوا بأنهم فعلاً خجولين وغير مؤكدين لذاتهم.
3. المزاج أو الإعاقة الجسمية: هنالك أدلة تدعم فكرة وجود خجل وراثي ، فبعض الأولاد يميلون الى الحركة والإنطلاق وبعضهم الآخر أميل للهدوء والإنفراد . وقد يستمر هذا النمط مع الأولاد طوال حياتهم . وغالباً ما تؤدي الإعاقة الجسمية الى الخجل فالإعاقة الظاهرة التي تجعل بعض الأولاد مختلفين عن غيرهم قد تؤدي بهم الى أن يصبحوا حساسين جداً فيتجنبون الآخرين حتى لا يحدقوا بهم أو يتحدثوا عنهم . أما الإعاقات الخفية كعدم القدرة على التعلم فتُورث مشكلات في التعبير اللغوي مما يؤدي الى الإنسحاب الإجتماعي.
4. نموذج الأهل: إن الأهل الخجولين الهادئيين غالباً ما يُنتجون أولاداً خجولين ، إذ يؤدي ذلك الى مزيج قوي من وراثة تحمل إستعداداً للخجل والعيش مع نماذج من الراشدين الخجولين. وقد يقيم هؤلاء الأهل علاقات جيدة مع الآخرين ولكنهم يزرعون الخوف من الغير لدى أولادهم الذين يستمعون لأهلهم وهم يسخرون من الآخرين على نحو متكرر، إذ يتم التحدث عن الناس كما لو أنه من الضروري تجنبهم وعدم الثقة بهم.
الـوقـايـة:-
ـ تشجيع النشاطات الإجتماعية ومكافأتها: فيجب العمل على أن يحصل الولد من عمر مبكر على أكثر ما يمكن من الخبرات السعيدة والمبهجة في علاقاته مع رفاق من عمره. فقد تكون الزيارات لرفاقه أو الرحلات الخاصة التي يشارك فيها ولد أو أكثر من الخبرات الممتعة . وأي محاولة يقوم بها الأولاد الخجولين لكي يكونوا إجتماعيين يجب أن تُكافأ بالإبتسامة أو بالكلمة الطيبة ، أيضاً من المفيد مساعدة الأولاد على فهم الحوادث الإجتماعية كتوضيح كيف يشعر الآخرون وكيف يفكرون ويسلكون كي يفهم السلوك على نحو أفضل ولا يساء تفسيره. كما ينبغي أن نُوجّه الأولاد الى كيفية التصرف بطريقة إجتماعية مناسبة لأعمارهم من خلال إقتراحات وتوجيهات ودية.
ـ تشجيع الثقة بالذات والتصرف الطبيعي: ينبغي تشجيع الأولاد ومدحهم لاعتمادهم على الذات ولتصرفهم على نحو طبيعي ، فليس من الضروري التظاهر بأننا مختلفون أو كاملون ما دام بوسعنا أن نكون ذاتنا وأن نعبر عن آرائنا بصراحة ، فينبغي تعليم الأولاد كيف يتعاملون مع مواجهة الصراعات والتوترات والتعامل معها وليس الخرب منها.
ـ التشجيع على تطوير المهارات والتمكن منها: ينبغي مساعدة صغار الأولاد بالكفاءة والمقدرة والأهمية ، إذ إن إعتبار الذات ينمو لدى الولد من خلال قدرته على التحكم الفعّال بالبيئة:فينبغي إعطاء الأولاد مهمات فيها تحدّ بسيط حيث يتكرر شعورهم بالنجاح وتشجيعهم على المحاولة للوصول الى ما يرغبونه ، وإذا لم يكن لدى الأولاد تناسق جيد فيجب تزويدهم بتدريب مبكر على شكل فردي أو جماعي.
ـ تزويد الولد بجوّ من التقبل والدفء: فالحب والإنتباه لا يُفسد صغار الأولاد ، وكل زيادة في الحنو والتقبل تُعتبر أفضل، فينبغي أن نسمح للأولاد بأن يقولوا "لا" في المواقف التي لا يستطيعون ممارسة الإختيار فيها، لأن هذا يُشعرهم بأن إستقلالهم موضع إحترام وبأنهم متقبلون حتى لو لم يتفقوا معنا فنحن يجب أن نوصل للأولاد تقبلنا الأساسي لهم كأُناس حتى لو كنا لا نحب بعض سلوكاتهم فالولد ينبغي أن يشعر بأنه منتمي الى الأسرة وأن بإمكانه أن يلجأ إليها للحصول على الدعم كلما كان ذلك ضرورياً.
هذه الخطوات هي الأهم للوقاية من الخجل ومحاولة حماية الأولاد من الوقوع فيها ولا بد من علاج لحالة الخجل منها المكافآت والتشجيع ومحاولة إشراك الولد باللعب ضمن المجموعات والتحدث بإيجابية مع الذات .
الـعـلاج:-
ـ تعليم ومكافأة المهارات الإجتماعية: إن أية محاولة من الولد الخجول لإقامة علاقة مع الآخرين يجب أن تُمْتَدح وتُكافأ بطريقةٍ ما. ويمكن للأولاد أن يكسبوا نقاطاً لانخراطهم في أي سلوك إجتماعي وبذلك تُستبدل النقاط بمكافآت وامتيازات ، فمن الضروري أن نكافأهم حتى على الخطوات الصغيرة . فبعض الأولاد تستجيب بشكل جيد أو حتى أفضل للإمتياز أو المدح المعطاة لهم لنقص الخجل وزيادة الإتصال الإجتماعي ، الاّ أن كثيرٌ منهم يحتاجون الى تعليم المهارات الإجتماعية. وإذا شعر الأولاد بأننا نقف الى جانبهم فيكون الأمر فعّالاً أكثر في تغيير سلوك الخجل لديهم، لذا علينا أن نكون متعاطفين مع الصعوبات التي يواجهونها ، وأن نقدم لهم إقتراحات محددة تتعلق بالطرق البديلة للتعامل مع الموقف الذي يواجههم.
التدريب على المهارات يتم وفق الخطوات التالية:
- إعطاء التعليمات.
- تقديم معلومات عن الأداء.
- تكرار السلوك.
- إعطاء نماذج أو ما يسمى بالنمذجة.
وأكثر خطوة مفيدة وذات فعالية هي التكرار الفعلي للأشكال المختلفة من السلوك. ويتم هذا التكرار السلوكي عندما يقوم الأولاد بتكرار السلوك الإجتماعي الذي تعلموه عن طريق التعليمات والمعلومات عن الأداء والنمذجة ، ويعتبر تمثيل الدور الطريقة الأساسية في ذلك ، إذ أن الأولاد محبون للتمثيل في طبيعتهم وهم يستمتعون بتمثيل المُشكلات .
أيضاً من الطرق الفعالة أن نجعل الأولاد الخجولين أن يُمثلوا دور الولد الأكثر شعبية ،ومن المفيد تبادل الأدوار مع الأولاد وهو ما يسمى أسلوب عكس الدور فيكون هنالك تمثيل هو (طرقاً بديلة للسلوك).
ـ تقليل الحساسية من الخجل: يمكن للأولاد أن يتعلموا أن المواقف الإجتماعية ليست مخيفة بالضرورة فيصبحوا بذلك مرتاحين لهذه المواقف وإجتماعيين أكثر في خطوات تدريجية .
كما يمكننا إستخدام مخيلة الأولاد لهذا الغرض حيث نعلمهم إرخاء كل عضلاتهم ليشعروا بالإسترخاء التام وهذا الإسترخاء مضاد مباشر للقلق ، فعندما يكون الأولاد مسترخين في غرفهم يمكنهم أن يتخيلوا أنفسهم وهم يقومون بسلوك إجتماعي كانوا يعتبرونه في السابق مخيفاً. وبعد ذلك لا بد من القيام بتجربة هذه السلوكات واقعياً بشكل تدريجي. كما ينبغي أن يُعرض الأولاد الخجولين بشكل تدريجي الى أشكال أعنف من اللعب ، فيمكن استخدام تدريبات متنوعة مثل أن ينظر الولد الى المرآة فيُطلب منه أن يصف ذاته أو التدرب على مهارات المحادثة عن طريق التحدت في موضوع معين عندما يكون وحده .
ويمكن المساعدة أيضاً باستخدام أسلوب " الهدف النقيض " حيث يُطلب منهم أن يُظهروا لكل شخص كم هم خجولين فعلاً وعليهم ألاّ يتحدثوا مع أي شخص مهما كان الأمر . وبعد فترة تكون النتيجة أن يصبح الولد مسترخياً وراغباً في التحث مع الآخرين.
ـ تشجيع الجرأة: ينبغي تشجيع الأولاد على أن يطلبوا ما يريدون بصراحة، يجب أن يتعلموا التغلب على الجبن أو الخوف من التعبير عن أنفسهم ، لأن من الأهمية أن يقول الإنسان "لا" عندما لا يكون راغباً في عمل شيءٍ ما. إن تأكيد الذات يجب أن يُناقش باعتباره حقاً أساسياً إذ أن من غير الضروري أن يُصبح الإنسان عاجزاً بسبب سلوك الآخرين ، ففي الواقع يمكن للأولاد أن يروا كيف يكونوا أكثر جرأة من خلال مساعدتهم للآخرين وكبداية يمكن الطلب من الأولاد أن يساعدوا ولداً أصغر منهم أو أقل كفافأة في التعلم أو في القيام بأعمال بيتية أو في الألعاب.
ـ إشراك الولد في مجموعات اللعب الموجه أو التدريب على المهارات: عندما ينخرط الأولاد الخجولين في نشاطات جماعية فإن بعض الحديث والتفاعل يحدث بشكل طبيعي ، ووجود قائد حساس للمجموعة أمر ضروري ، أيضاً من الضروري أن يكون الوالدين جريئين بما فيه الكفاية للتحدث مع قائد عن ولدهما وتقديم الإقتراحات.
ـ تعليم التحدث الإيجابي مع الذات: إن أكثر العناصر تدميراً في الخجل هو قناعة الفرد بأنه ذو شخصية خجولة ، فالحوادث تُرى وتُفسر من خلال الإدراك القائم على الخجل ، على نحو يجعلها تدعم باستمرار مفهوم الذات بأن الولد شخص خجول لا يستطيع إقامة علاقات مع الآخرين. من هنا يمكننا تعليم الأولاد بأن السلوك الخجول هو ما يفعله الناس وليس من هم ، فهذه الفكرة تعارض الحديث السالب مع الذات الذي يؤدي الى استمرار الخجل . يجب أن يُعرض التحدث مع الذات بطريقة طبيعية أي يجب أن نُحلل مشكلة الولد ونعطي مقترحات محددة حول الأحاديث السلبية مع الذات التي ينبغي تجنبها واستبدالها بعبارات إيجابية أن من الضروري أن يتوقف الخجول عن ترديد عبارات سلبية مثل ( أنا شخص غير جيد/ أو الجميع أكثر مني ذكاءً). من هنا أخذ المعالجون النفسيون في الآونة الأخيرة يستخدمون بشكل متزايد أساليب مثل ( إعادة البناء المعرفي أو العلاج العقلي الإنفعالي) وهي أشكال منظمة من الحديث الإيجابي مع الذات . والفكرة الأساسية هي أن نُغيِّر تفكير هؤلاء الخجولين حول أنفسهم. هنا يستطيع الأهل أن يتحدّوا المعتقدات غير المنطقية لدى الأولاد مثل المعتقدات المتعلقة بأن يكونوا كاملين أو أن يحصلوا على تقبل كلي من الآخرين ، أو بأنهم غير قادرين على تحمل العدوان أو النقد.
وبالتدريب على التفكير الإيجابي وتجريب سلوكات جديدة هناك احتمال بزيادة الإتجاه الإيجابي وحدوث تحسن تدريجي في طريقة التعامل مع الآخرين.