الفراغ العاطفي هو: تلك الفجوة التي يشعر بها الفرد عندما لا يجد من يفيض عليه حناناً ومشاعر؛ تجعله يحس بأهميته وقيمته الذاتية، وفي المقابل أيضا عندما يتلفت لمن حوله فلا يجد من يفضي له بما داخله من حب، وعواطف طيبه سواء من حنان الأمومة، والأبوة، والأخوة، أو الصداقة وغيرها.
ولا نبالغ إذا قلنا إن معظم الشباب والفتيات يعانون من مشكلة الفراغ العاطفي، والذي يعد من أكبر أسباب الاكتئاب عند فئة كثيرة من البشر.
والسبب قد نرجعه إلى: غياب حضن أسري دافئ يسع الشاب، أو الشابة منذ الطفولة؛ للإشباع العاطفي، وللتعبير بكل حرية عما يبتغينه من أسرهم لسد حاجاتهم، فالآباء بالدرجة الأولى قد ينصاعون وراء توفير متطلبات الحياة المادية لأبنائهم، ناسين أو متناسين أنه قد يستغني الشباب عن حاجاتهم المادية في حين يتشبثون بكل ما هو معنوي متعلق بالأحاسيس من حب، وحنان، وعطف أسري يشدهم إلى مجتمعهم المصغر الذي هو الأسرة.
كما أن من أسباب الفراغ العاطفي عند الشباب: ضعف الوازع الديني عندهم، والقصور التربوي في توجيههم.
وكذلك: عدم استغلال طاقات الشباب فيما يفيد وينفع، وتركهم نهباً للفراغ، وألعوبة بمن يتاجرون بآمالهم وأحلامهم.
ولحل مشكلة الفراغ العاطفي عند الشباب لا بد من عدة أمور مهمة منها:
1- تقوية صلتهم بالله - تعالى -:
لكي نحل مشاكل الشباب، ومنها: مشكلة الفراغ العاطفي، لا بد من تقوية صلتهم بالله - تعالى -، وربطهم بالدين منهجاً وسلوكاً؛ لأن الإيمان هو العاصم الأول للإنسان من الخطأ والانحراف، قال - تعالى -:(إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)[سورة الكهف 13].
وقص علينا القرآن الكريم وصايا لقمان الإيمانية حينما قال لولده معلماً ومربياً:(يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[سورة لقمان13]
ولقد حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على تربية الشباب على العقيدة الصحيحة في الله - تعالى -، ويتضح ذلك في وصيته الجامعة المانعة لابن عمه عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - حينما قال له: ((يا غُلأَمُ، إني أعلمك كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إذا سَأَلْتَ، فَاسْأَلِ اللَّهَ، وإذا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِالله، وَاعْلَمْ أَنَّ الأمة لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بشيء، لَمْ يَنْفَعُوكَ إلا بشيء قَد ْكَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بشيء، لَمْ يَضُرُّوكَ إلا بشيء قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الاقْلأَمُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ)) [أخرجه أحمد:1/293(2669) والتِّرْمِذِيّ: 2516]
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ غُلاَمًا يَافِعًا، أَرْعَى غَنَمًا لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ، - رضي الله عنه -، وَقَدْ فَرَّا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالاَ: يَا غُلاَمُ، هَلْ عِنْدَكَ مِنْ لَبَنٍ تَسْقِينَا؟ قُلْتُ: إِنِّي مُؤْتَمَنٌ، وَلَسْتُ سَاقِيَكُمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:((هَلْ عِنْدَكَ مِنْ جَذَعَةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ؟)) قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَتَيْتُهُمَا بِهَا، فَاعْتَقَلَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَسَحَ الضَرْعَ وَدَعَا، فَحَفَلَ الضَّرْعُ، ثُمَّ أَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ، - رضي الله عنه -، بِِصَخْرَةٍ مُنْقَعِرَةٍ، فَاحْتَلَبَ فِيهَا، فَشَرِبَ، وَشَرِبَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ شَربْتُ، ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ: اقْلِصْ، فَقَلَصَ، فَأَتَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: عَلًّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ؟ قَالَ:((إِنَّكَ غُلاَمٌ مُعَلَّمٌ)) قَالَ: فَأَخَذْتُ مِنْ فِيهِ سَبْعِينَ سُورَةً، لاَ يُنَازِعُنِي فِيهَا أَحَدٌ. أخرجه [أحمد:1/379(3598)]
قال الشيخ محمد صيام:
عودوا إلى الله ينقذكم برحمته *** من الشقاء الذي بتنا نعانيه
ولتستقوا من كتاب الله منهجكم *** فليس في الأرض منهاج يدانيه.
2- الإشباع العاطفي منذ الطفولة:
لا شك أن الحنان الأسري والإشباع العاطفي منذ الطفولة من حق أولادنا، وله تأثيره البيًن على تفكيرهم، وعلى سلوكياتهم، لذا فقد حث الإسلام على الرضاعة الطبيعية للطفل؛ لأن الطفل مع لبن أمه حنانها، وضمها له، وحدبها عليه، قال - تعالى -:(وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[سورة البقرة233]
ولقد ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - خير مثال في الرحمة بالأطفال والحنو عليهم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَبْصَرَ الأَقْرَعَُ بْنُ حَابِسٍ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُقَبِّلُ الْحَسَنَ، أَوِ الْحُسَيْنَ، - رضي الله عنهما -، فَقَالَ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ قَطُّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:((إِنَّهُ لاَ يُرْحَمُ مَنْ لاَ يَرْحَمُ)) [أخرجه البُخاري:5997، ومسلم:6097]
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، كَانَ إِبْرَاهِيمُ مُسْتَرْضَِعًا فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ، وَكَانَ يَنْطَلِقُ، وَنَحْنُ مَعَهُ، فَيَدْخُلُ الْبَيْتَ، وَإِنَّهُ لَيُدَّخَنُ، وَكَانَ ظِئْرُهُ قَيْنًا، فَيَأْخُذُهُ فَيُقَبِّلُهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ. [أخرجه أحمد: 3/112(12126) والبُخَارِي في الأدب المفرد: 376 ومسلم: 7/76(6095)].
وذات مرة بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب على المنبر، وألوف المسلمين تشرئب أعناقهم وهي تستمع إليه؛ إذ جاء الحسن بن علي، فصعد إليه المنبر، فلم يعب النبي - صلى الله عليه وسلم - صنيعه، ولم ينهره، بل ضمه إليه، ومسح على رأسه وقال:((ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح على يديه بين فئتين عظيمتين من المسلمين)) [أخرجه أبو داود:(4663)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (6233)]
قال شوقي في وصف رحمته - صلى الله عليه وسلم -:
وإذا رحمت فأنت أمٌّ أو أبٌ *** هذان في الدنيا هما الرُّحماءُ
واسْتَعْمَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - رَجُلا عَلَى عَمَلٍ، فَرَأَى عُمَرَ - رضي الله عنه - يُقَبِّلُ صَبِيًّا لَهُ، فَقَالَ: تُقَبِّلُهُ وَأَنْتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ ! لَوْ كُنْتُ أَنَا مَا فَعَلْتُهُ. فَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: فَمَا ذَنْبِي إِنْ كَانَ قَدْ نُزِعَ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةُ؟ ! إِنَّ اللهَ لا يَرْحَمُ مِنْ عِبَادِهِ إِلا الرُّحَمَاءَ. قَالَ: وَنَزَعَهُ عَنْ عَمَلِهِ، وَقَالَ: أَنْتَ لا تَرْحَمُ وَلَدَكَ؛ فَكَيْفَ تَرْحَمُ النَّاسَ؟ !. [ابن عبد البر:المجالسة وجواهر العلم 6/235]
3- احترام مشاعرهم وتقديرهم:
ينادي علماء التربية بضرورة احترام مشاعر الأولاد، وتقدير كل مرحلة عمرية يمرون بها، وإعطاءها حقها من جميع النواحي قدر الإمكان، من الناحية العقلية، والاجتماعية، والنفسية، ومحاولة سد حاجتهم فيها، لما له من أثر كبير في ملء الفراغ العاطفي في نفوسهم، ولقد قص علينا القرآن الكريم قصة نبي الله نوح - عليه السلام - مع والده فبرغم كفر الولد وجحوده وإنكاره لدعوة أبيه إلا أن الأب ما زال يقدره، ويحترمه، ويخاف عليه من عذاب الله، قال - تعالى -:(وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ43( سورة هود.
ولقد علمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - احترام مشاعر الشباب وتقديرهم، وغرس الثقة فيهم، فها هو - صلى الله عليه وسلم - يطلب من علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن يضطجع على فراشه ليلة الهجرة ويقول له:((إن قريشاً لم يفقدوني ما رأوك)) فاضطجع - رضي الله عنه - على فراشه.
وعن رَافِعِ بْنِ عَمْرو الْغِفَارِيِّ، قَالَ: كُنْتُ وَأَنَا غُلاَمٌ أَرْمِي نَخْلَنَا، أَوْ قَالَ: نَخْلَ الأَنْصَار، فَأُتِيَ بِيَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: ((يَا غُلاَمُ)) (وَقَالَ ابْنُ كَاسِبٍ: فَقَالَ: ((يَا بُنَيَّ لِمَ تَرْمِي النَّخْلَ؟)) قَالَ: قُلْتُ: آكُلُ، قَالَ:((فَلاَ تَرْم النَّخْلَ، وَكُلْ مِمَّا يَسْقُطُ فِي أَسَافِلِهَا)) قَالَ: ثُمَّ مَسَحَ رَأْسِي، وَقَالَ:((اللَّهُمَّ أَشْبِعْ بَطْنَهُ)) [أخرجه أحمد: 5/31(20609) وأبو داود:2662، وابن ماجة:2299]
قال الشاعر:
شباب ذللوا سبل المعالي *** وما عرفوا سوى الإسلام دينا
إذا شهدوا الوغى كانوا حماة *** يدكون المعاقل والحصونا
وإن جن المساء فلا تراهم *** من الإشفاق إلا ساجدينا
شباب لم تحطمه الليالي *** ولم يسلم إلى الخصم العرينا
وما عرفوا الأغاني مائعات *** ولكن العلا صيغة لحونا
ولم يتشدقوا بقشور علم *** ولم يتقلبوا في الملحدينا
ولم يتبجحوا في كل أمر *** خطير كي يقال مثقفونا
كذلك أخر الإسلام قومي *** شباباً مخلصاً حراً أمينا
وعلمه الكرامة كيف تبنى *** فيأبى أن يذل وأن يهونا
4- الحوار والتواصل معهم:
ومن احترام الشباب وتقديرهم فتح باب الحوار والتواصل معهم، والإجابة على أسئلتهم بكل شمول، على أن يكون ذلك بهدوء، وتعقل، واحتواءهم بكل ما تعنيه هذه الكلمات، امتثالاً لقول الله - تعالى -:( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [سورة النحل125]
وقدوتنا في هذا معلمنا العظيم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِى بِالزِّنَا فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ، وَقَالُوا: مَهْ مَهْ، فَقَالَ:((ادْنُهْ)) فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا، قَالَ: فَجَلَسَ، قَالَ:((أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ)) قَالَ: لاَ وَاللَّهِ، جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاكَ، قَالَ:((وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ)) قَالَ: ((أَفَتُحِبُّهُ لاِبْنَتِكَ)) قَالَ: لاَ وَاللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاكَ، قَالَ: ((وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ)) قَالَ:((أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ)) قَالَ: لاَ وَاللَّهِ، جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاكَ، قَالَ:((وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ)) قَالَ:((أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ)) قَالَ: لاَ وَاللَّهِ، جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاكَ، قَالَ: ((وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ)) قَالَ: ((أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ)) قَالَ: لاَ وَاللَّهِ، جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاكَ، قَالَ ((وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاَتِهِمْ)) قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ:((اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ)) قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَىْءٍ. [أخرجه أحمد 5/256(22564)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 645]
وفي غزوة بدر حينما مضت قريش حتى نزلت بالعدوة القصوى من الوادي، وبعث الله السماء، وكان الوادي دهساً، فأصاب رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه منه ما لبد لهم الأرض ولم يمنعهم المسير، وأصاب قريشاً منه ما لم يقدروا على أن يرحلوا معه. فخرج رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، يبادرهم إلى الماء حتى إذا جاء أدنى ماء من بدر نزله، فقال الحباب بن المنذر بن الجموح: يا رسول الله؟! أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، أو نتأخره؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: ((بل هو الرأي، والحرب، والمكيدة)) قال: يا رسول الله فإن هذا ليس لك بمنزل، انهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء سواه من القوم فننزله، ثم نعور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضاً، ونملأه ماء فنشرب ماء ولا يشربون، ثم نقاتلهم. ففعل رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، ذلك. [راجع: سيرة ابن هشام 1/610، الكامل في التاريخ 1/282]
قال الشاعر:
قل لي بربك يا أبي هل ننزوي *** خوفا فليس للعدو قياد
دعنا نسافر في دروب آبائنا *** و لنا من الهمم العظيمة زاد
ميعادنا النصر المبين فإن يكن *** موت فعند إلهنا الميعاد
ولقد اهتم علماء السلف بالتواصل والحوار مع الشباب فها هو عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يجمع للشورى أكبر عدد من الصحابة الكبار، وكان لأشياخ بدر لهم مكانتهم الخاصة في الشورى لفضلهم، وعلمهم، وسابقتهم إلا أن عمر - رضي الله عنه - أخذ يشوبهم بشباب، فإنهم على دربهم ماضون لأجلهم، ورحمة ربهم ومغفرته والدولة لا بد لها من تجديد رجالاتها، وكان عمر العبقري الفذ قد فطن إلى هذه الحقيقة فأخذ يختار من شباب الأمة من علم منهم علماً، وورعاً، وتقى فكان عبد الله بن عباس من أولهم، وما زال عمر يجتهد متخيراً من شباب الأمة مستشارين له متخذاً القرآن فيصلاً في التخير حتى قال عبد الله بن عباس: "وكان القراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته كهولاً كانوا، أو شباناً" وقد قال الزهري لغلمان أحداث: "لا تحتقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم فإن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يبتغي حدة عقولهم" وقال محمد بن سيرين: "إن كان عمر - رضي الله عنه - ليستشير في الأمر حتى إن كان ليستشير المرأة فربما أبصر في قولها الشيء يستحسنه فيأخذه" وقد ثبت أنه استشار مرة أم المؤمنين حفصة - رضي الله عنها - وقد كان لعمر - رضي الله عنه - خاصة من علية الصحابة وذوي الرأي، منهم العباس بن عبد المطلب وابنه عبد الله، وكان لا يكاد يفارقه في سفر. [أكرم ضياء العمري: عصر الخلافة الراشدة ص90.]
5- عدم الاستخفاف والاستهزاء بهم:
الاستخفاف بالشباب والاستهزاء بهم من الأساليب الخاطئة التي تؤدي إلى نفور الشباب، وانعزالهم عمن حولهم، وعدم التواصل معهم، ولقد نهانا الإسلام عن السخرية من الناس، والاستهزاء بهم، والتحقير من شأنهم، قال - تعالى -: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [سورة الحجرات13]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ:((إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَنَافَسُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوانًا)) [أخرجه أحمد 2/482(10256) صحيح الجامع (2679)]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:((لاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يَحْقِرُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ - قَالَ إِسْمَاعِيلُ فِي حَدِيثِهِ: وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ - التَّقْوَى هَا هُنَا، التَّقْوَى هَا هُنَا، التَّقْوَى هَا هُنَا، يُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثًا، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ)) [أخرجه أحمد2/277(7713) ومسلم: 6633]
وها هو عمر يشجع ولده على حسن المشاركة مع الناس وعدم الاستحياء في طلب العلم، عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:((إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِم فَحَدِّثُونِى مَا هي)) فَوَقَعَ النَّاسُ في شَجَرِ الْبَوَادِى. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَوَقَعَ في نفسي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: فَقَالَ: ((هي النَّخْلَةُ)) قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ، قَالَ: لأَنْ تَكُونَ قُلْتَ هي النَّخْلَةُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا. [أخرجه أحمد 2/61(5274) والبُخَارِي 1/23(61) ومسلم 8/137 (7200).]
عبدالله بن الزبير بن العوام.. وهو طفل صغير.. مر به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.. وكان عمر كلما مر ... تفر من أمامه الصبيان لهيبته .. ولكن عبدالله لم يفر.. فسأله عمر: لم لم تجر كما جرى أقرانك؟ فقال عبدالله: لم أخطيء لأفر... ولم يكن الطريق ضيقاً لأوسع لك الطريق.. فسأله عمر: لم لا تلعب مع أصحابك؟ فقال عبدالله: ألعب معهم هويناً... ولكن لم أخلق لألعب ... قال عمر: فلم خلقت ... فقال عبدالله: لأعز الإسلام. فقبله عمر، ومسح على رأسه مشجعاً له على شجاعته.
يقول الشاعر:
شباب الحق للإسلام عودوا *** فأنتم مجده وبكم يسود
وأنتم سرّ نهضته قديماً *** وأنتم فجره الباهي الجديد
6- حثهم على حسن استغلال الوقت:
الفراغ آفة قاتلة للشباب، وفرصة لمداخل الشيطان إلى نفوسهم، يقول الشاعر:
إنَّ الفراغ والشبابَ والجِده *** مفسدةٌ للمرءِ أيُّ مَفسده
ولكي لا نترك فرصة للفراغ العاطفي؛ ليستبد بحياة الشباب فإنه يجب علينا أن نشغلهم، ونستغل أوقات حياتهم في تكليفهم بأعمال محببة لهم، وإشعارهم بنجاحهم فيها، ومكافأتهم عليها؛ لأن في ذلك إعطاءهم للثقة في أنفسهم، وعلينا أن نبين لهم أهمية وسبل استغلال الوقت استغلالاً صحيحاً، وأن المرء لم يخلق في هذه الحياة عبثاً، قال - تعالى - أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ(115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ( 116( [سورة المؤمنون] وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:((نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ)) [أخرجه أحمد: 1/258(2340) والبُخَارِي 8/109(6412)]
قال الشاعر:
فاقضوا مشاربكم عجالى إنما *** أعماركم سِفْر من الأسفار
وتراكضوا خيل الشباب وبادروا *** أن تُسْترد فإنهن عوارِ
ولسوف يحاسب المرء يوم القيامة عن كل لحظة من لحظات عمره، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:((لَنْ تَزُولَ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَا أَنْفَقَهُ)) [أخرجه الطبرانى في الأوسط (5/74، رقم 4710)صحيح الترغيب والترهيب 3/227]
ذكر ابن قدامة في كتابه" التوابين 239" أن شابًا اسمه مُنازِل كان مُكبًّا على اللهو واللعب لا يفيق عنه، وكان له والدٌ صاحب دين، كثيراً ما يعظ هذا الابن ويقول له: يا بني، احذر هفوات الشباب وعثراته، فإن لله سطوات ونقمات ما هي من الظالمين ببعيد، وكان إذا ألَحّ عليه زاد في العقوق، ولما كان يوم من الأيام ألَحّ على ابنه بالنصح على عادته، فمدّ الولد يده على أبيه، فحلف الأب بالله مجتهدًا ليأتينّ بيت الله الحرام، فيتعلق بأستار الكعبة، ويدعو على ولده، فخرج حتى انتهى إلى البيت الحرام فتعلق بأستار الكعبة وأنشأ يقول:
يا مَن إليه أتى الحجّاج قد قطعوا *** عَرضَ المَهامِهِ من قُربٍ ومن بُعدِ
إنِّي أتيتك يا مَن لا يُخيِّبُ مَن *** يدعوه مبتهلاً بالواحد الصمَد
هذا مُنازِلُ لا يرتدُّ من عَقَقِي *** فخذ بحقّيَ يا رحمن من ولدي
وشُلَّ منه بحولٍ منك جانبه *** يا من تقدَّس لم يولَد ولم يلِد
فقيل: إنه ما استتمّ كلامه حتى يبس شِقُّ ولده الأيمن، نعوذ بالله من العقوق.
إبراهيم بن أدهم... كان شاباً فارغاً.. كل همه في الدنيا لهوه بالفرس... فذات يوم مر به شيخ عجوز فقال له: يا إبراهيم.. ألهذا خلقت... أم بهذا أمرت!!! فعاد إبراهيم إلى بيته.. وأقسم أن يعيش للسبب الذي خلق من أجله.
7- إبعادهم عن المثيرات الجنسية والعاطفية:
لكي يعيش الشباب حياة نفسية سليمة لا بد من إبعادهم بقدر الاستطاعة عن المثيرات الجنسية والعاطفية؛ لأنها لا تلبث أن تدفع إلى الرغبة في أي صورة كانت.
من هنا فقد حثنا الإسلام على غض البصر لأنه مدخل إلى الإثارة وقد يكون طريقاً إلى الوقوع في الفاحشة، قال - تعالى -:( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31 ) [سورة النور]
وعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِعَلِيٍّ:((يَا عَلِيُّ، لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ)) [أخرجه أحمد 5/351(23362) وأبو داود 2149 والتِّرْمِذِيّ 2777 صحيح أبي داود (1865)]
قال الشاعر:
كل الحوادث مبداها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشررِ
كم نظرةٍ فتكت في قلب صاحبها *** فتك السهام بلا قوس ولا وترِ؟
والعبد مادام ذا عين يقلبها *** في أعين الغيد موقوفاً على الخطرِ
يُسِر مقلته ما ضر مهجته *** لا مرحباً بسرورٍ عاد بالضررِ
كما حذرنا من الزنا؛ لأنه يتنافى مع العفة والإيمان، فقال: ( وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) [سورة الإسراء32]
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:((لاَ يَزْنِى الْعَبْدُ حِينَ يَزْنِى وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَقْتُلُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ)) فَقُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: كَيْفَ يُنْزَعُ الإِيمَانُ مِنْهُ، قَالَ: هَكَذَا، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا فَإِنْ تَابَ عَادَ إِلَيْهِ هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. [أخرجه البخاري 8/197(6782) و"النَّسائي" 8/63]
ولذا فإنه يجب على الآباء مراقبة أولادهم، وعدم السماح لهم بالجلوس أمام القنوات التي ليس لها هم يشغلها إلا إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، وإثارة الغرائز والشهوات، وكذا الموقع الإباحية التي جعلت من الجنس مادة للإثارة، واستقطاب الشباب، وجعلهم يدمنون هذه المواقع التي هي وسيلة من وسائل التضييع والتمييع.
8- تحذيرهم من أصدقاء السوء:
إبعاد الأولاد عن الصداقات المحرمة والعلاقات المشبوهة، من الواجبات المهمة التي يجب على الوالدين التنبه لها، فلا يترك الأولاد يختارون من يريدوا من أصدقاء السوء لمصادقتهم ومصاحبتهم؛ لأن طريق اختيار أصدقاء السوء طريق وإن كانت بدايته جميلة؛ لكن ينتهي إلى خسارة عظيمة، وخزي في الدنيا، وحسرة وندامة في الآخرة، قال - تعالى -:(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) [سورة الفرقان].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:((الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِطُ)) [أخرجه أحمد 2/303(8015) وأبو داود4833 والتِّرمِذي 2378 صحيح الجامع (3545)]
وعَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالح، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ، وَكِيرِ الْحَدَّادِ، لاَ يَعْدِمُكَ مِنْ صَاحِب الْمِسْكِ، إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ، يُحْرِقُ بَدَنَكَ، أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبيثَةً)) [أحمد 4/404 والبخاري3/82 ومسلم 8/37.]
قال الشاعر:
واحذر مؤاخاة الدني لأنه *** يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب
واختر صديقك واصطفيه تفاخرا *** إن القرين إلى المقارن ينسب
ودع الكذوب ولا يكن لك صاحبا *** إن الكذوب لبئس خلا يصحب
فهذه بعض الوسائل التي أرشدنا إليها ديننا الإسلام الحنيف لحل مشكلة الفراغ العاطفي عند الشباب.
اللهم اهد شبابنا إلى الطريق المستقيم، اللهم احفظهم من كل سوء يا رب العالمين