(يمكن ان يكون الإنسان هو المخلوق الوحيد الأكثر تحسسا للشيء الجميل و يمكنه ان يكون الأقل تسبيحا و الأكثر جحودا لمبدع الحمال سبحانه . و اتفق البشر على حب الجمال و البحث عنه و سوطه على مشاعرهم أثره على نفوسهم . ولكنهم اختلفوا على ان كلمة الجمال (( الجمال )) يمكن ان تكون التعبير الواردفي الذكر الحكيم سراحا جميلا ) او (صفحا جميلا ) او (هجرا جميلا) ما يرمز للتسامح وروح الايثار . اما المفهوم المتكرر مرارا فهو( صبرا جميلا) الأكثر
ملموسة في رمزيته ، ويحمل في طياته دلالات الصبر على الشقاء و المصاعب و الشظف . ويرد كذلك مصطلح ( السنع ) في العربية ، بما يعني الجمال ، و السنيع كما يقول لسان العرب هو الجميل ، و نجد نفس الكلمة ترد في لغات
اهل الشمال .
أما( الجمال )) الذي نستعمله للدلالة الفنية ولا سيما في العمارة ، فهو يقابل كلمة ( اسطاطيقا Esthetics )اليونانية الأصل و التي تعني علم الإحساس و الإدراك
و المعرفة الحسية .وهو علم قوانين تطور الفن ، ويتنبوا موقعا بارزا في الفاسفة وفي علوم الفن ويدرس الشكل الجمالي للاستيعاب الفكري عن الواقع الذي يطفو على
سطح الحياة اليومية وكذلك الفن ، الذي يعتبر أعلى شكل في عملية الاستيعاب الجمالي عن الواقع .ولعلم الجمال جانبان نظري وعملي الأول يبحث في تطور
التطبيق الفني ووضعه في قوانينه المعنية ، وهو أساسي في تجسيد الجمال التطبيقي في الثقافة السياسية و النقد الفني . وفي علم النفس نجد الجمال يتلاقح مع المشاعر الرقيقة و الأفكار السامية الى جانب المشاعر الأخلاقية و الثقافية .
وأفلاطون من أوائل من بقت تدوينانه عن الجمال ، و صرح بان ( الجمال و الخير و الحق حقيقة واحدة فليس بجميل على ما يقوم على الباطل و ياتي السوء منه ) وهو الأقرب للمفهوم الإسلامي .ورب معترض على ذلك و حجته بان الخير نافع ولكن الجمال لا يشترط به المنفعة وان الحق بالبرهان ولا حاجة للجمال بالبرهان . وياتي أر سطو ليفرق بين العمل وبين الشكل فالعمل لديه هو الخير بعينه ولكن الشكل هو الذي يضطلع بالجمال و الشيء الجميل الذي يتنزه عن الغرض وهذا لا يعني لديه بانه يخلو من الفائدة و يصف في ذلك الموسيقى بأنها مرادف للطهارة و السرور و التهذيب . و هكذا لدى أرسطو الجمة لما ارتبط بالنافع ، فهو بالنتيجة خلق مثالي . و اخضع توماس ألا قويني Aquin الجمال لمفهوم ديني حيث اعتبر ان اعلى درجات الجمال موجودة في الغلة التي تعبر عن اصل الجمال في الفن و الطبيعة ، و يتجسد الجمال من خلال الكمال و التناسب الصحيح ثم الوضوح .
وقد وجد تفسير الظاهرة الجمالية الاهتمام من الفلاسفة المحدثين من أساطين الفكر و الحكمة و منهم الألمان ( هيغل ) ( غوتة ) و ( كانت ) و الروسي ( تشيرنيفسكي ) حتى الايرلندي ( برنا رد شو ) ممن أسهب في غور كنه الجمال و تفسيره و لاسيما الجمال في العمارة ، و لكنهم لم يصلوا الى ادق التعاريف لكونه ببساطة مجالا خياليا رحبا تكتنفه قيم منها مطلق ومنها نسبي . لقد ظهر علم الجمال الحديث في ألمانيا في القرن الثامن عشر (1720ـ 1785)أو ما يسمونه اصطلاحا ( عصر التنوير ) و انبرى لاول مرة ( بونكارتم ) يشق طريقه رائدا حتى جاء دور ( كانت ) و( هيغل ) . و قد عالج هذا الجيل من الفلاسفة النواحي العاطفية و الروحية و الإنسانية له . و فيما ذهب أليه الأقل شانا منهم الحكم الأخير في ذلك هو الفرد فيما يقبله أو يرفضه تبعا لما يمليه عليه خياله من و تمشيا مع سجيته و فطرته من العلماء من شرح الجمال ( بالراحة البيولوجية ) أي شعور الإنسان بالارتياح له و منهم من قال بان الجمال محسوس و ليس ملموس و يرجع ذلك الإحساس هذا الى الصورة و ليس للمادة وان تقدير الجمال أمر كيفي و لا كمي وهو بذلك لا يقاس بالأعداد او المقادير حيث يعتبر (كانت ) : (ان الجمال هو ذلك الذي يكون ممتعا بالضرورة وهذه المتعة تنبعث من نفوسنا و نحن ندرك ان الجمال مقطوع بالصلة بأية فائدة مهما كانت ) . وحدد نوعين من الجمال إحداهما حر و الأخر تابع ، فيكون حرا اذا أنعدم الغرض و تابعا اذا أشار إلى غرض ما .
وجاء بعد كانت ( شلر Schiller ) ليقول : ( أن العمل الفني لونمن ألوان النشاط التلقائي الخالي من الغرض ) . أما هيغل فقد استفاد من كلاالشروحات لمن سبقه بهذا الصدد ، وقدم نظرية شاملة لتاريخ الفن كانت واكير المدرسة الواقعية التي أثمرت تباعا في فن العمارة ( ولا سيما في شروحا لودك الفرنسي ) بعد انتقادها للرومانسية في فنون وعمارة القرون الوسطى النهضة و اعتبر هيغل علم الجمال جزءا من التطور التاريخي الشامل عن العالم مبتدأ من الطبيعة و منتهيا (( بالفكر المنطلق ))، وعلم الجمال هو ادراك حسي يحتل دنى درجة من ظهور ( الفكر المنطلق ) . وقد بنى هيغل نظريته على ( صراع الأضداد ) او الديالكتيك المجسد في ثلاث حالات هي
( الموضوع these النقيض antithesesو التركيب syntheses ) ، الذي بنت الماركسية عليه فكرها الجدلي و الجمالي .وفي السياق نجد من الشروح لهذا العلم لدى العرب المحدثين حيث ييصف ( محمود الشكرجي ) ذلك المفهوم كتابة ( الهندسة و المندسين ) قائلا : ( ان الإدراك الحسي هو صفة جوهرية في الجمال و الصفة الثانية هي النقد الواعي المشتمل على الأحكام القيمية الغريزية المباشرة أي
يشتمل على حالتي اللذة والألم . و المجال الإدراك النقدي التشويقي و بذلك يصيح علم الجمال هو ادراك للقيم ) . و قد ساد الاعتقاد حتى اليوم ان علم الجمال هو إغريقي الأصل و أوروبي الفصل فقز اليها فجاة ابان قرون التنوير . ولقد فات الجميع ان العلوم تضمحل ، ان لم تجد لها ديمومة فبل ان يغمرها النسيان و قد تناسوا بقصد مثلما هو في شؤون الفكر الأخرى بان المسلمين ام يكن لهم اهتمام بذلك بالرغم من المشاهدات الملموسة إلى سمو الجانب الحسي المقترن بفنونهم المعتزلة و رسائل أخوان الصفا ، التي جاءت تبحث في تفاصيل فلسفته للأشكال الهندسية و تشرح لحوصلة العلوم الراقية التي وطئتها الحضارة الإسلامية في القرن العاشر الميلادي . وقد ثيت ( هيغل ) تلك الصورة السقيمة عن علم الجمال الإسلامي من خلال وجهة نظره في بعض الإنجازات الشحيحة التي اقترنت ( بالشعر الصوفي و الزخرفة و بعض العلوم الدينية فقط ) و تبعه رهط كبير ممن أرسى فكرة هيغل في ( تكريس الوحدة الالهية ) في علم الجمال الإسلامي وهم بذلك لم يسبروا غور المدارس الفقهية و الفكرية للفنون الإسلامية وقد سرى مفعول ذلك حتى على ( المتنورين ) من أصحابنا الذين نقلوا من دون ان يعلقوا.
وقد وجدنا تعليق بهذا الخصوص للمستغرب الأسباني المسلم ( وزيه ميغيل بويرتا ) ، الذي ولج هذا الضمار بعد ان استهجن أساتذته عليه الخوض في علم لم يولد بعد في الفلسفة وقد علق على ذلك ( كيف توجد فلسفة و فلاسفة و دين و حضارة عميقة و فن عربي لانزال ننبهر أمامه في مدننا و في كل العالم . وكيف لا توجد مفاهيم او تعاريف عن الجمال و تطلب مني ذلك ان أقرا كل ما ورد في التراث من القران الكريم حتى الشعر الجاهلي وما كتبه فلاسفة الشرق الكندي و الفارابي و مسكويه و التوحيدي ).
و عودة إلى كنه (( الجمال )) في تراث الإسلام حيث حاء مقترنا بإحدى صفات الله سبحانه كما ورد في الحديث النبوي
الشريف ( الله جميل و يحب الجمال ) وجاءت الحظوة به من مصادرها الصريحة في جمال الخلق و الإنسان جمال الطبيعة و الكون التي انعم الله سبحانه بها على البشر . قد عرف لنا ( ابن منظور ) ذلك في لسان العرب : ( المسلم مدعو الى الأنصاف بالجمال الذي هو البهاء و الحسن في العقل وز في الخلق والى تنمية إحساسه بالجمال الذي أودعه سبحانه في الكون جمال الصورة وجمال المعاني على حد سواء ).فالحظوة بالجمل جاءت من ألوهية مبدعة حيث يقول محمد قطب عن القران الكريم ( هذا الكتاب لا يمكن ان يكون معاديا للفن ) . و يقول في ذلك د.محمد عمارة ( الجمال هي آيات الله التي أبدعها و بثها في هذا الكون أمر الإنسان ان ينظر فيها اذن فالنظر في هذا الجمال ولاستقبال الآيات الزينة وفتح قنوات الإحساس الإنساني على صنع الله هذا هو امتثال الأمر الله سبحانه وتعالى ز وما تعطيل النظريات في آيات الجمال هذه آلا تعطيل للدليل على وجود المبدع لهذه الآيات ).
وفي تقصي رسائل أخوان الصفا او مناهج الصوفية نجد للجمال شروحا ورايا يمكن أعتبره منهجا جماليا إسلاميا ارتبط بفهم العقيدة العقلي والأخلاقي .فقد اقترن رأي الأمام ابو حامد الغزالي بان بناء الهم الأخلاقي الموحد على أساس وقيم ومعالم التخلق بأخلاق الله ( المطلق) وهو بالقدر ذاته رؤية الجمال الحق و التحلي به . وهي المقدمة التي تحوي في ذاتها وحدة الخير الحض و الجمال المحض . وبهذا يكون الأمام الغزالي فسح المجال أمام تنوع أشكال الجمال وتباين درجاته أو نسبية تجلياته ومطلق مثاله . واعتبر أن ( لكل شيء كما لا يليق به . وقد يليق بغيره ضده ، فإن حسن كل شيء في كماله الذي يليق به وبالتالي فإن جمال الأشياء في كمالها الذاتي وكمالها في وحدتها مع ذاتها في ذاتها ) مما أسس بدوره لإمكان محبة الجميل والجمال في الوجود عموماً . بما في ذلك في آلات تماما بالقدر الذي حولها إلى مقدمة
أو إلى درجة منفية فيما هو أكثر سموا ورفعه في جماله وخصوصاً في الإدراك العقلي لحقائق الجمال أو الجمال الباطن ، ومن هنا رجوع صفات
العارفين الى (عملهم بالله وقدرتهم على إصلاح العباد بالإرشاد والسياسة والتنزه عم الرذائل ).حدت هذه النتيجة جوهرية الجمال ألا خلاقي
في منظومة الغزالي الفكرية وضرورة تحققها الدائم بصفات المطلق العلمية (العلم)
الملية( القدرة ) أي بكل ما يجعله حب الجمال من الموجودات ويزنها بميزان الإدارة المتسامية محبة الجمال في كل شيء ولو في خلوته وحتى في سور داره وليست هذه بدورها الصيغة الملموسة لمحبة الجميل بذاته ولذاته أو كل ما تحدده رؤية الوحدانية وكل ما
يتطابق في جوهره مع محبة الواحد الحق ( المطلق) وكل ما يعطي للجمال معناه الدائم في تجليات الوجود من حياة وموت وفناء وبقاء .وورت صيغة أخلاقية لممارسة الجمال تدعى (التجمل) نجدها في ثنايا شعرا ينسب للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في وصيته لأبنه الحسن : ولا ترين الناس إلا تجملا نبآ بك دهر أو جفاك خليل ويتعدى المعنى الوصية الشخصية إلى كونه خطاب وممارسة اجتماعية جمالية تتداخل مع مفهوم نفسي للتربية الإسلامية النابذة لنزعات الغرائز وسلطان النزوات وانقلاب الامزجة الصادر من الذات إلى الموضوع .ونجد أن للثقافات الشرقية غير الإسلامية مفهوماً راسخ للجمال يختلف الخطاب الجمالي الغربي . ولنأخذ مثلا في المفهوم الجمالي الصيني التي يعتقد فيها يوحده الانسان والطبيعة بمفهوم الجمال وأن أسطورة (بان كو) الأزلية لا تزال نافذة حيث تقول بأنه كان كائناً طبيعياً وجد منذ مليوني سنه وكانت السحب من أنفاسه وكان الرعد من صوته وصارت الارض من لحمة والشجر من شعره والمعادن من عظامه والمطر من عرقه والخلائق كلها كانت عالقة بجسده ، وعندما ظهرت الكونفوشية عام 500 ق.م كانت تنادي بالتسامي عن طريق تصوير الطبيعة من خلال الإله والإنسان و الحال نفسه ينطبق على الفن الهندي حيث الجمال اخذ الجانب العقيدي المتمثل بآلهة الطبيعة وعناصرها كالشمس والأرض والنار والضوء والرياح ونجد ذلك مجسداً في أسفار ( الفيدا) التي حددت حتى الأشكال الهندسية
والرياضية لذلك المفهوم من الجمال ونجد في أسفار
(بوبا تشاد) البوذية مفاهيم وحدة الوجود وتناسخ الأرواح والجمال هنا مرتبط بتداخل الآلهة والإنسان وسرمدية الأرواح أما قوة الله سبحانه المجردة فنجدها مبثوثة في الطبيعة ثم أخذت بالتدريج شكلاً واضحاً وبذلك نجد أن الجمال
قد أخذ في الشق منحنى روحانياً أما في الغرب فقد اختلف علماء الجمال بين الروح والمادة فهذا (ديكارت) يضع فواصل بينهما وهذا (الابيتز ) يربط بينهما و( هيغل ) يطابق بينهما و بذلك فهم يربطون الفن و الجمال بالمنطق مرة مثل عند ( بومغاتن ) او بالوجدان مثلما الحال لدى (كانت ) او بالواقع الموضوعي و التاريخي كما هو عند ( هيغل ) او ما يسميه الفكر المجسد . وعلى العموم فان الحياة الجمالية الغربية قد ألهمت ثقافة جل معمارنا و فنانينا خلال العقود المتأخرة حتى أصبحنا نعتقد انها الجمالية الحيدة الجسد في فنون العالم . مما دفع الفنان و المعمار غير الأوربي إلى فقدان الثقة بنفسه و إلى العمل على مسح أثاره وذاكرته البصرية واعتباره نتاج بدائي متخلف و اللهث وراء الجمالة الغبية فين و العمارة . وفقد يتطور اللهث إلى التبعية الأخلاقية التي تحدد جمال الأخلاق التي بينت عليها فلسفة الأخلاق التي بينت عليها فلسفة المجتمعات الشرقية ، والذي يجعل من لم يمارس الأخلاق الأوربية فهو غير متحضر و ليس مدركا للجمال الإحداثي .
وفي المنحنى المادي الذي تبنته الماركسية نظرت للجمال يه منذ بواكير القرن التاسع عشر ، واقرت انه لا توجد حقيقة الا ما تستطيع الحواس ان تدركه وما لا تدركه الحواس فهو غير موجود او ساقط من الحساب . وهو ما اختلف مع لا المنهج الديني او الغيبي عموما ومنه الإسلامي الذي يتداخل الجمال فيه مع الأيمان و التقوى حيث يقول محمد قطب معلقا على ذلك التداخل بين الجمال و الفطرة : ( لا شك ان هناك حاسة في باطن النفس تقطن للجمال و تحسه و تستجيب له و لكنها لا تسحب ولا تقدر وانما تدركه بداهة بغير تفكير .. على طريقة الروح في الإدراك لا على طريقة الذهن ذي الأبعاد و المقاييس . وقد يتدخل الذهن في تقويم الجمال فلأول وهلة دون تفكير ).
ومما يجدر بنا ذكره هنا ان من خلال نتائج البحوث السيكولوجية الحديثة تبين ان درجات الإحساس الجمالي للبشر يمكن تهذيبها و صقلها و ترويضها بطريقة تربوية ولوحظ ان يكون هذا سندا لإحدى دعائم النهج الحضاري الذي انتهجه الإسلام في حركة المجتمعات وهو نبذ البداوة و فكرها جملة و تفصيلا . ليرتبط الإسلام عضويا بالحضارة وجدليا بسمو الإحساس بالجمال الحضري .
والعمارة إحدى المجالات التي طرقها و تداخلت معه ويمكن الإحساس بها في عدة عناصر مركبة و متوفرة في مثل الصفاء في التعبير و جمال الخطوط وجمال اللون وجمال التكوين و الفضاء العماري وجمال المنظر وجمال المنظر الذي يصحبه سمو الفكرة وسلامة الذوق وحسن الأداء ونجد صدى كل ذلك في وجدان الإنسان الذي يعتبر المجس الجمالي للأشياء و الصورة الأرفع التي جسدها الخالق في هيبته و شكله .
وفي الأعراف الاجتماعية ارتبط الجمال بالفرح ، وعلى العكس من ذلك فقد تداخل الحزن بالقبح و تجسد في الاقتران بالألوان ، فكانت (( آمة الله )) الحزينة لا تلبس الملون لتعكس حالة غير جمالية إلى مظهرها ، و التحفت بالسواد وهو اللون غير العاكس للالوان للدلالة على الحزن .
وارتبط الجمال في البناء ليس بمعالجة واجهاته الفنية و التزويقية بقدر ما الشعور بالراحة المناخية اللامان والطمأنينة الأخلاقية بما يضفيه البناء على ساكنيه.و تداخل ذلك الجمال مع الراحة الجسدية التي يوفرها البناء البيئوي المتميز الحامي من الحر والبرد وشعاع الشمس المفرط ،مما يعتبر تداخل بين الفلسفة والمنهجية ألا سلامية في الموقف من البيئة ، وهي دعوة جمالية تأخذ لها صدى واسعا في أيامنا الحاضرة ،وكان قد نادى بها الاسلام منذ بزوغه بما يعكس الموقف والحي (( الروحي )) وليس المادي للبيئة ،والذي نلمسه في ظواهره لم تعهدها الأرض كظواهر التلوث والانحباس الحراري وكارثة ثقب طبقة الاوزون التي كان السبب وراءها المفهوم المادي وليس الروحي للبيئة الذي ينعكس من مفاهيم روحية جمالية بالجوهر . وبذلك نجد في المفاهيم الاسلامية للجمال تنعكس في ((الاعمار )) ويعاكس حملة وتفصيلا مفهوم (( الافساد ))
لقد ورد جمال الأشياء بمدلولها الجدلي لدى رؤيتها بالنور الذي هو إحدى صفات الخالق سبحانه وتعالى فتداخل مفهوم النور المظهر للجمال وبدونه لا يمكن رؤيته ، واصبح النور يتجسد في صفة الجمال ، وعلى العكس من ذلك قفد تداخل الظلام ،مع الظلم بما يعينه من عدم تلمسه .ونجد في ذلك سمو في التغبير و الرمزية لا يداني في لغات اخرى امتزج الجمال مع الأنصاف و الحق و القسطاس و اجتناب الطغيان و الظلم الذي نبحث عنه جميعا.
فلسفة الجمال في العمارة الإسلامية
عندما نشاهد الأحياء القديمة ومبانيها القديمة نشعر دائماً بتلك البساطة الرائعة ونلتمس التكوينات والقواعد الجمالية التي تتمثل فيها كالوحدة و الانسجام وحتى الاختلاف (التضاد) مما يجعل تلك البيئة العمرانية غنية ومشوقة ومتجددة دائماً ففي كل مرة تراها في حلةجديدة وتشعر بشعور مختلف وتلتمس رؤية أخرى .لطالما سألت نفسي .هل كان المجتمع آنذاك يشعر بالجمالية المتمثلة
في أبيته وبيئته؟هل كانت هناك قواعد جمالية أو هل كانت تلك (العفويات الجمالية) مقصودة ومدركه من قبل المجتمع والمعمار نفسه ؟يقول الكاتب المعماري الأمريكي (البرت بوش ـ بروان )في كتابه (فن العمارة الأمريكية) أن الفن المحلي هو عبارة عن مسلمات جمالية ارتضاها المجتمع لنفسه فأوجد مفردات خاصة به تنبع من متطلباته وتعبر عن احتياجاته ضمن قدراته المالية أو يمكننا القول بعبارة أخرى أن المجتمع كان يعي مفهوماً جمالياً نابع منه ويتناسب معه ، مع إتاحة الفرصة للتجديد والإبداع بما يتوافق مع الهيئة العامة وتواصل معها ،ذكر المعماري (رفعت الجادرجي) نقطة أخرى لخصها في (العلاقة ) بين المالك والمعمار أو تلك المعرفة بين العائلتين مما يجعل المعمار واقفاً على جميع شؤون المالك من متطلبات ومن رؤى فنية ومن حالة اقتادية والاهم هو تلك الحميمة بين المعمار والمالك .
محور ثالث اعتقد أنه أثر على مفهوم الجمال في العمارة الإسلامية إلا وهو أم المعمار نفسه هو فرد من المجتمع منغمس فيه ومتشبع بمعتقداته وفكره لذا فإن رؤيته الفنية أو الجمالية كانت تمر عبر ذلك المنظور الذي تكون لديه .
إن فلسفة الجمال في العمارة الإسلامية تعتمد على الانتفاعية(الوظيفية)النابعة من الشرعية الإسلامية أو في إطارها العام فعندما نحلل المفردات المعمارية الجمالية أو الفراغات في العمارة الإسلامية نجدها تحمل محاور عدة في أسباب نشأتها وتشكلها وحتى تطويرها فالمشربية مثلاً هي عبارة عن معالجات مناخية لحماية الواجهات والفراغ الداخلي من العوامل المناخية الغير مرغوب بها وأيضاً له هدف آخر إلا وهو توفير الخصوصية للنساء وحمايتهم من أعين الغرباء ورغم هذين السببين إلا أن المعمار لم يقف على تلك الوظيفتين لهذا الفرد بل حاول أن يخرجهما بطريقة فنية أو جمالية حسب رؤيته الفنية أيضاً الفناء الداخلي الذي كان أحد المعالجات المناخية ولكنه أيضاً عبارة عن اتصال الساكن مع الطبيعة (الفراغ الخارجي) دونم أن تجرح خصوصيته أو يجرح خصوصية الآخرين ومع ذلك فلقد رأى المعمار المسلم الفناء بمنظوره الجمالي فأوجد النوافير التي أضفت على الفناء لمسة جمالية بهندستها الراقية مع منفعتها كعامل ترطيب للهواء الحار .
هناك نوع آخر من الجمال (العفوي) في العمارة الإسلامية الذي ينبع من جمال و روعة الشريعة الإسلامية نفسها كالارتفاعات فقول الرسول (صلى الله عليه وسلم )(لا ضرر ولا ضرار ) قد جعل من البيئة العمرانية الإسلامية بيئة متناسقة في الارتفاعات ومتمازجة بحميمة رائعة لدرجة أنك ترى الواجهات للمنازل المختلفة كواجهة واحدة تحمل في ظاهرها الكثير من القواعد الفنية و الجمالية.فالجمال في العمارة الإسلامية هو عبارة عن تحقيق وظائف ومتطلبات اجتماعية ضمن الإطار التشريعي (الديني)أو يمكن القول بأن الجمال في العمارة الإسلامية ذو هدف وهذا ما يجعل الفن المعماري الإسلامي فن يجمع الكثير من المتعة والراحة والاكتشافات لقد ذكر المعماري(سوليفان)معماري أمريكي مقولته المشهورة "الشكل يتبع الوظيفة" كقاعدة للعمارة الحديثة وأن كنت اعتقد أن العمارة الإسلامية قد سبقت (سوليفان) في هذا التعريف منذ زمن لكل دون أن تتجرد من روحها المحلية وهوية مجتمعها وهذا ما يجعلها مميزة ولها فلسفتها الخاصة .