إجمالاً لم يكن الفن المصري القديم يحفل بما هو واقعي بل بما هو جوهري وهذا ما تؤكد عليه الجداريات التي تملأ المقابر والتي تصور مشاهد من حياة المتوفى أو مشاهد من طقوس البعث والحساب ففي المشاهد العائلية يلاحظ أن رب العائلة يرسم بحجم أمبر من أطفاله ومن الخدم وغالباً ما كان يلون الذكر بلون أحمر بينما تكتسب الأنثى لوناً أصفر باهتا أما في عصر الدولة الحديثة وتحت تأثير إخناتون وتأثير الاختلاط بشعوب أخرى وفنون أخرى في عهد الإمبراطورية حدث بشعوب أخرى وفنون أخرى في عهد الإمبراطورية حدث تطور مهم في الفن المصري حيث أصبح رسم الجسم البشري أكثر واقعية وأكثر التزاماً حتى بالتشوهات الجسدية كما تتجلى في تصوير إخناتون نفسه برأسه ووجهه الطويل و أطرافه النيحلة وبطنه المتدلية والذي يمكن الاستدلال من تصويره على نوع المرض الوراث الذي كان يعانيه أما النحت المصري الذي كان ملتزماً بطريقة التربيع مثله في ذلك مثل التصوير فقد امتاز بالقوة والرقة في آن معاً فالقوة تأتي من الحجر ومن الثبات الحركي الذي يليق بالفراغين بينما تستمد الرقة من رفاهة التكوين الذي لا يعنى بإبراز العضلات و العروق وهو عكس ما نراه في التماثيل الإغريقية والرومانية التي تمتلئ بتفاصيل العضلات وإبراو قوتها وهو ما يتطابق مع أساطيرها الزاخرة بالحروب و القوة الخارقة التي تجتمع في كائن واحد إلها كان أم نصف إله ومع هذه التطابق التشريحي في التماثيل الإغريقية أضاف الإغريق أسلوب الرسم و النحت الهندسي الذي يتطابق هو الآخر مع الأسلوب الهندسي في التفكير والفلسفة وفي رؤية العالم وهي الرؤية التي صبغت مجمل الفكر الإغريقي وهو أيضاً كأسلوب (الدقة التشريحية والحضور الهندسي) الذي تبناه الفنانون في عصر النهضة الأوروبية .
إذن كان التشريح ممارسة يومية عادية في جامعة الإسكندرية البطلمية أثرت معرفة الإنسان بتوينه الداخلي وبوظائف أعضائه إثراء يشكل طفرة كبرى في تاريخ العلم والمعرفة وقد لعبت أفكار أرسطو دوراً مهماً في غير نظرة رجال العلم لفن التشريح على الرغم من أن أرسطو نفسه لم يمارس سوى تشريح الحيوان حين خالف رأي أستاذة أفلاطون بشأن الروح التي كان أفلاطون يرى أنها خالدة ومنفصلة عن الجسد تحمله في الحياة كغطاء ثم تنبذه بعد الموت ورأى أنها ليست منفصلة وليست خالدة لكنها تحمل قيمة أعلى من الكائن نفسه أما بعد الموت فلا يبقى سوى الجسد الخالي من الحياة ومن الإحساس وبالتالي من الحقوق وبناء عليه لا يشكل تشريح الجسد بعد موته اعتداء على صاحب هذه الجسد أو تمثيلاً به ساعدت هذه الأفكار التي كانت تعج بها الإسكندرية إضافة إلى ما تقدم بشأن التحنيط وتشجيع البطالمة للعمل والعلماء على تحقيق قدر من الانفصال الاكلينيكي عن الضحية ومن هنا دخل فن التشريح وبالتالي فن الداواة في مرحلة جديدة فإذا افترضنا أن هذه الإسكندرية تمثل رأس مثلث مقلوب بين أثينا وروما أخذت من علم الإغريق وفلسفتهم وأضافت إليه الكثير وبعد سقوط الإسكندرية في يد الرومان واحترق مكتبتها وجامعتها وسقوط منارتها انتقل مركز العلم والحضارة إلى روما خاصة بغد انشغال مصر بصرة المسيحية وتركت لها روما بعضا من الأسماء اللامعة في مجال الطب لكن أكثرها بريقاً كان "جالينوس"المولود في القرن الثاني الميلادي في برجام بتركيا الحالية والذي تلقى تعليمه في الإسكندرية الذي سيطرت أعماله على الطب والتشريح وما يقارب من ألف عام وربما أكثر بعد الإسهام الكبير الثاني في تاريخ الطب بعد أبو قراط لكن عالماً كبيراً دون شك لم يقم بتشريح الإنسان بل بتشريح القرود والخنازير والماعز ويقال أيضاً إنه شرح قلب فيل(هكذا نقل جالينوس من تشريح الحيوان الكثير مما أوقعه في العديد من الأخطاء التي التشريحية الفاحشة . وهكذا دخل فن التشريح بعد بدايته الحقيقة والقوية في الإسكندرية قبل سقوطها في مرحلة طويلة من الجمود والركود لت البشرية لها تعيد وتكرر وتردد أخطاء لينوس بشأن تشريح الجسم على الرغم من المكانه الكبيرة والمنزلة الرفيعة التي يحتلها المعلم الثاني الرئيس "أبو علي عبد الله بن سينا" الملقب بـ أبو قراط العرب" في تاريخ العلم والفلسفة والطب على الخصوص والذي ظل كتابه الشهير "القانون في الطب" المقرر الأساس على طلاب الطب في جامعات أوروبا خاصة في مونبلييه ولوفان حتى منتصف القرن السابع وعلى الرغم من ابتكاره في تشخيص وعلاج الأمراض فإنه فيما يخص التشريح اتبع أخطاء جالينوس ولم يقدم أي جديد في هذا المجال وما قيل عن ابن سينا يقال عن سابقه أبو بكر محمد بن زكريا الرازي " الملقب بـ "جالينوس العرب" والذي عاش بين القرنيين التاسع والعاشر الميلاديين والذي يعد في نظر الكثيرين من مؤرخي الطب أكثر أصالة وحدة ودقة من ابن سينا إلا أنه هو الآخر لم يقدم جديداً لـ "فن التشريح" إذن لم يقدم الطب العربي في ذروة تقدمه في القرنين العاشر والحادي عشر جديداً في علم التشريح على الرغم مما أنجزه في الطب عموماً .
وكان علينا أن ننتظر عصر التدهور السياسي للدولة والتدهور العلمي العربي لنشهد ثورة على تراث الفكر القديم وهذا من غرائب الأمور التي تحتاج إلى تفسير لا يتسع له هذا المقال فقام الطبيب موفق الدين عبد اللطيف البغدادي (ت 1231م) أحد رواد جراحة العظام واستناداً إلى دقة ملاحظته بتكذيب جالينوس ومن سار على نهجه من علماء التشريح فيما يخص تركيب عظام الفك السفلي والذي كان جالينوس يرى أنه يتكون من عظمتين تتصلان بمفصل وثسق عند الحنك بينما دلت مشاهداته هو شخصياً ومعاينته لما يزيد على عشرة آلاف جمجمة إبان مجاعة كبيرة اجتاحت بر مصر أن الفك السفلي عظم واحد ليس فيه مفصل أما علاء الدين أبو الحسن علي بن أبي الحزم القرشي المعروف بـ "ابن النفيس الدمشقي" (ت 1288أو1269على اختلاف بين الرواة) فقد تحرر من سيطرة جالينوس وابن سينا وباشر التشريح بنفسه على الرغم من أنه يزعم عكس ذلك إذا يقول وقد حدنا عن مباشرة التشريح وازع الشريعة وما في أخلاقنا من الرحمة فذلك رأينا أن نعتمد في تعرف صورة الأعضاء الباطنة على كللام من تقدمنا من المباشرين لهذا الأمر ويرى بعض الباحثين أنه يقول خشية أن يتعرض لسوء لأن التشريح في عصره كان يعد عند المتزمتين من رجال الدين انتهاكاً لحرمة الجسم البشري إلا أنه يقول في موضع آخر إم الفاضل جالينوس يقول كذا والتشريح يكذبه كشف ابن النفيس عن الدورة الدموية الصغرى أو الدورة الدموية الرئوية في معرض تفنيده لأقوال القدماء خاصة نظرية جالينوس في حركة الدم وليس دورته وهي النظرية التي أكملها ابن سينا وسجلها ليوناردو دافنشي في لوحاته التشريحية ابطل ابن النفيس في كتابه (شرح تشريح القانون) هذه النظرية ورأى أن الدم يمر من التجويف الأيمن إلى الرئة حيث يخالط الهواء ومن الرئة يعود إلى التجويف الأيسر عن طريق الوريد الشرياني وأنه لا توجد مسام أو ثقوب رفيعة بين تجويفي القلب أو هو ما كان يقول به جالينوس وأشياعه وفي رأينا أن هذا الوصف لا يصدر عن شخص لم يمارس التشريح بنفسه مرارا وتكراراً كما زعم وكما أيده في زعمه هذه بعض الباحثين .ترجم هذا الكتاب الى اللاتينية سنة 1547 أي بعد وفاة ابن النفيس بما يقرب من ثلاثة قرون وبعد صدور هذه الترجمة بست سنوات سنة 1553 قام ميشيل سرفيتوس ىبوسف الدورة الدموية الرئوية بالعبارات نفسها التي استخدمتها ابن النفيس لكن سرفيتوس أعدمته الكنيسة حرقا بتهمة التجديف وبعد هذا التاريخ بست سنوات أخرى وفي سنة 1559م أعاد ريالدو كولومبو أستاذ التشريح بجامعة بادوا الإيطالية وصف الدورة الدموية في الرئة ويعد هذه التاريخ بمائة عام وصف وليم هارفي الدورة الدموية الكبرى والصغرى وأصبح هو صاحب هذا الكشف التشريحي الكبير .
إذن وعلى سبيل الاستدراك لم يكن فن التشريح ممارسة معتادة في العصور الوسطى لا في ديار الإسلام الناهضة ولا في أوروبا الغارقة في الظلام وظل التشريح خاضعاً لتصورات جالينوس باستثناء الثورة المحدودة التي اتينا على ذكرها لكن وقبل أن ننتقل إلى الثورة المحددوة التي اتينا على ذكرها لكن وقبل أن ننتقل إلى الثورة الكبرى التي أطلقتها النهضة الأوروبية نشر إلى كتاب "تشريح بدن الإنسان" الموضوع بالفارسية في القرن الرابع عشر لصاحبه "منصور بن الياس" والمكون من ستة نماذج تخطيطية تعرض للهيكل العظمي لعضلات الجهاز العصبي والأحشاء الداخلية وعلينا أن نقار بين هذه النماذج التخطيطية الفارسية والنماذج التي وضعها ليوناردو دافنشي بعد قرن واحد الزمان لكي تعرف كان الفن في خدمة التشريح وكيف كان التشريح في خدة الفن .
أضفت الحضارات القديمة على العرى قداسة تليق بالفراعنة الأول مع تغطية الأعضاء التناسلية وبساكني الاوليمب كألهة أو أنصاف آلهه تحمل الكثير من الخصال الإنسانية بينما اعتبر العهد القدير أن العري أو بالأحرى اكتشاف العري هو الخطيئة الأولى التي طرد على إثرها أدم وحواء من الجنة لكن لأن اليهودية كانت وما زالت دينا لعدد محدود من البشر أطلق على نفسه دائرة الشعب المختار ظل هذا المفهوم محصوراً في الجيتو لم يغادره إلا مع ظهور المسيحية أيد العهد القديم وأصبح الجسد كله عورة يجب حجبها وفقد العري قادسته القديمة ومع تبني الإمبراطورية الرومانية للمسيحية كديانه رسمية ومع تزايد سيطرة الكنيسة على الروح والجسد اصبح العري يعني التهتك والوضاعة والفقر أيضا وطوال العصور الوسطى فرض هذا المفهوم نفسه على المجتمع وعلى الفنانين الذين أفنوا أعمارهم في نحت القديسين ورسم معجزاتهم الخارقة إضافة لأكوام هائلة من اللوحات التي تسجل صلب السيد المسيح والام السيدة مريم العذراء بثباتها ذات الألوان الداكنة من البني إلى الأزرق الحزين وخلال الفترة نفسها كان جالينوس يجثم على أنفاس الطب/مثلما تجثم الكنيسة فوق روح اتباعها على الرغم من الجهود المتفرقة التي بذلها بعض الأطباء لكسر هذا الطوق الذي يخنق قدرتهم على الإبداع لكن نهاية جالينوس جاءت مع ما يعرف بعصر النهضة وكان الفن التشريح هو الذي أطاح بجاليونس عرشه وكان فنانو عصر النهضة أكثر اسهماً في ذلك من علماء التشريح المحترفين .
بدا التحول الأخلاقي في أوروبا مع نهاية الحروب الصليبية وتطور الملاحة وعلوم الفلك ومع اكتشاف العالم الجديد وبداية الشك في عصمة الكتاب المقدس وبروز حركات الإصلاح الكنسي اشتعل التعصب وعمت الحروب الدينية ومع هجرة بقايا الدولة البيزنطية إلى غرب أوروبا حاملين معهم علوم الإغريق بلغتها الأصلية أعيد اكتشاف القدماء وهكذا وفي ظل هذا المناخ الزاخر بالأحداث تغيرت الموضه و أصبحت أكثر خفة وأقل تزمتا وأصابت الشعر أيروسية أكثر براعة ممار احتوته أساطير اليونان والحكايات الشعبية وظهر جنس أدبي عرف بصائد الجسد يمجد ويتغزل في جمال الجسم البشري ويسهب في وصف كل جزء من أجزائه واتبع ذلك بالطبع تغير في طبيعة العلاقة بين الرجال والنساء و أخيرا تغير مفهوم العربي في الواقع وفي الفن .
وفي سنة 1435عرض النحات الإيطالي ليون باتيستا البرتي (1404ــ1472) لأفكاره حول ضرورة معرفة الفنان بتشريح الجسم البشري حيث تساعده هذه المعرفة على إدراك النسب الصحيحة لتكوين الجسد كتعبير عن تناغم الطبية والفن و أكد لورنزو جبيرتي (1378ــ1455) وهو نحات إيطالي آخر على ضرورة تمكن الفنان من العلوم الأخرى كالرياضيات والمنظور ونظرية الرسم والتشريح فدراسة الهيكل العظمي والجسم البشري تبصر الفنان بحيوية التنسق بين الكون الكبير (العالم) والكون الصغير (الإنسان) وهكذا ركزت نظرية الرسم على أهمية ممارسة التشريح كخبرة شخصية يمارسها الفنان بيده هو لا بيد غيره كان وارء ذلك رؤية خاصة للفن الإغريقي الروماني تحديدا في مجال النحت خلص الفنانون منها إلى أن الفنان القديم رأى الكون ورأى نفسه أي تعامل مع الطبيعة بصورة بالغة الجمال ولا مفر من تبني هذه الرؤية هكذا أظهر كل من اندريا مانتنا(ت 1506) ولوكا سينوريللي (ت 1524) وكلاهما كان أستاذا ل يوناردو دافنشي في لوحتهما درجة من العلم بتشريح العضلات وربما المكونات الداخلية لكن دافنشي ومايكل انجلو ودورية كانوا أكثر تطبيقاً لمعلوماتهم التشريحية في لوحاتهم وما نحتته أيديهم من التماثيل ويكفي أن نلقي نظرة فاحصة على تمثال النبي "داود" من البرونز للمثال الإيطالي دوناتللو (1386-1466) هذا التمثال ذو الخطوط الانسيابية التي تميز النحت الأوروبي الشمالي (القوط) ونقارن بينه وبين تمثال "النبي داود" للفنان الإيطالي الشهير مايكل أنجلو(1475-1564) الذي يشع قوة ويمتلأ بالتفاصيل التشريحية التي تؤكد هذه القوة ويقترب كثيراً من طراز النحت الأفريقي الروماني القديم وبشكل عام تجرأ فنانو القرن الخامس عشر على إبراز الجسد لكن على استحياء وساعدهم في ذلك اختيارهم لموضوعات من الكتاب المقدس خاصة آدم وحواء إضافة لاستشهاد القدسيين لكن مرة أخرى كان مايكل أنجلو أكثر جرأة حين قام برسم ونحت السيد المسيح عاريا تماماً فقام المعارضون للإصلاح الديني بحجب أعضائه التناسلية بدافع الاحتشام (ثم تزايد إبراز الجسم البشري ولجأ الفنانون إلى القديم الميثولوجي حيث يستخدم هرقل وأبو للون والحوريات الإغريقية بكثرة سمح اختيار الفنانين لهذه الموضوعات برسم الجسم البشري وانتشرت موضه العري في كل ورش الرم وبان ان هناك معيارا أخلاقيا جديداً يستعد للظهور وثبت النسب وفق معاير وضعتها الكنيسة يجب عدم الاخلال بها تحريا للكمال حيث يحتل الرأس نسبة محددة من الطول للجسم وكذلك مقاييس الأطراف وعرض الأكتاف ويسجل ليوناردو دافنشي (1452-1519)هذه المقاييس ابرع تسجيل في لوحته الشهيرة(دورة القمر) والتي يمكن تطبيقها على الرسم والعمارة حين رسم جسدا إنسانياً شديد التناسق داخل دائرة ومربع في آن واحد حيث الأعضاء التناسلية هي مركز المربع والسرة هي مركز الدائرة كان دافنشي عبقرية من طراز فريد فنانا ومهندساً معمارياً ومكتشفاً وباحثاً في ميكانيكا الجسم البشري بالطبع هو لم يتلق تعليما طبيا لكن مخططاته التشريحية تظهر محاولته للربط بين تشريح الجسم البشري وفن العمارة في سنة 1489م قرر أن يقوم بعمل أطلسي كامل لتشريح الجسم البشري من الرحم إلى القبر لكن لم يكمل هذا الأطلس أبدا أما أعماله الأولى في السنوات السابقة على هذا التاريخ المذكور فتركزت حول تشريح الرأس ورسم الجمجمة من الخارج والداخل كن رؤيته للمخ البشري ظلت تقليدية أي جالينية النزعة قضى دافنشي ليالي طويلة في المقابر يشرح الجثث على ضوء الشموع مغلفا بالرعب من هذه الاجساد المعلقة من أطرافها الأربعة وفي سنة 1506قدم دافنشي إسهاماته الأساسية لفن التشريح بالرسم والشرح بدءا بتشريح العضلات والأوعية الدموية والأعصاب والجهاز ليوناردو دافنشي أول من رسم أعضاء الجسم البشري من أربع جهات بما يعطي رؤية متكاملة للعضو أو الجزء المرسوم وكان أيضاً أول من استخدم تقنية حقن الأعضاء المجوفة بالشمع السائل لكي تظل محتفظة بشكلها الطبيعي لكن مع الأسف ظلت هذه الرسوم التشريحية مختفة لما يزيد على قرنين من الزمان حيث لم ننشر إلا في القرن الثامن عشر ولو نشرت في وقتها لكن دافنشي هو مؤسس علم التشريح الحديث .
يقال إن دافنشي قام بتشريح ثلاثين جثة فإذا عرفنا أن هنري الثامن الذي ارتقى عرش الانجليو سنة 1509 قد سمح للأطباء في عموم مملكته بتشريح أربع جثث فقط سنوياً وادها شارلز الثاني الذي ارتقى العرش سنة 1660 إلى ست جثث أدركنا أهمية الريادة وفداحة الجهد الذي بذله دافنشي وإذا عرفنا أن أساتذة لتشريح بالجامعات كانوا لا يفضلون استخدام أيديهم معه أحشاء في درجة ما من التحلل بل يفضلون الجلوس على كرسي مرتفع حيث يقومون بالتعليق من خلال كتابات جالينوس بينما يقوم المساعد بالإشارة إلى العضو الذي شرح بواسطة شخص ثالث هو "المعد" أدركنا مدى المعاناة والرعب اللذين عاناهما دافنشي في عتمة المقابر .
ومع ظهور المطبعة ظهرت كتب التشريح المصورة كان كبار الفنانين يقومون بوضع هذه الرسوم التوضيحية في سنة 1491 ظهر أول كتاب من هذا النوع لكن كانت الرسوم المصاحبة للتعليق المكتوب تفتقد إلى الظلال ولم تكن تعنى بالمنظور في الرسم فجاءت الصور مسطحة وغير مطابقة للحقيقة .
وثارت مشكلة إذ رأى بعض الأساتذة أن هذه الصور غير ضرورية و أنها مفيدة فهي للسبب السابق لا تغني عن الأصل بينما رأى آخرون نتيجة لنقص الجثث أن هذه الصور تشكل ضرورة قصوى في تعليم أطباء المستقبل .
وظهر جلياً وقتها أن الفنان لا ينظر إلى الجسم البشري نظرة رجل العلم نفسها فالأول يسعى وراء الجمال بينما ينشد الثاني التحديد والدقة هنا برز كل من مايكل أنجلو ودورية وقاما برسم الصور التوضيحية التي احتوتها كتب التشريح التالية والتي أصبحت أكثر دقة ووضوحاً وهنا يبرز فاسيلوس (1514-1564) مؤسس علم التشريح والذي قام دورية بوضع الرسوم التوضيحية لكتبه واصبح التشريح هو الموضه وظهرت كتب كثيرة تحمل كلمة التشريح في عنوانها بما في ذلك "تشريح العالم" (1611) وتشريح الملاخوليا _1621) المهم أن هذا التطور في علم التشريح نتح عن تطور مقابل في علم الجراحة وفي أحوال الجراحين أدى في الاخير الى تطور "فن المداواة "عموماً .