تعتبر عملية الزواج ضرورة اجتماعية في عرفنا فهو الواجب الديني والاكتمال الاجتماعي والتوافق النفسي مع جملة من المتطلبات النفسية البيولوجية لدى الفرد البشري، ولقد كانت لهده الضرورة أشكال مختلفة من التطبيق، وشروط ومظاهر عدة رافقته مند ارتباط الجنسين ببعضهما من خلال عملية التواصل التي تطورت وهذبت لتسمى بمسمى الزواج في مراحل لاحقة، ولتأخذ أبعادا ومدلولات اجتماعية أكثر منها نفسية ذاتية في بعض المجتمعات.
أصول الزواج في العائلة
ولقد كان من الأعراف التي أتفق عليها في مؤسسة الأسرة فيما يتعلق بالزواج هو إجراء عملية تفضيل تعتمد على السن أو الجنس في أولوية وأحقية الأفراد في الزواج، فإن كان من حق الشاب أن يتزوج قبل بنات الأسرة فإن البنت الكبرى يجب أن تكون أول فتاة يتقدم لها الخاطبون، ولم يكن يسمح وإلى الآن بخرق هده القوانين الاجتماعية المتعارف عليها، لأن فيها تكمن عملية الاحترام للكبير ومسألة الولاء له والتي تأتي أصلا من الولاء في المجتمع بأسره لهذه المسميات، كمسمى الولي، الأخ الأكبر أو البنت الكبرى، وإذا ما حاول فرد آخر من العائلة تجاوز هذه الحدود فما كان عليه سوى أن يكون من المغضوب عليهم وممن تطلق عليهم صفة المتهورين أو الجهلة أو الشاذين، وهذا ما أغلق الأبواب أمام الكثير من الشباب الطامحين في الوصول بقصص حبهم إلى النهاية لأنهم يقفون من الدور في أوسطه أو آخره.
البنت الكبرى والعرف
ولعل من أكثر الأمور المتعلقة بقواعد الزواج المختلقة هذه هي أولوية زواج البنت الكبرى في الأسرة قبل الأخريات من أخواتها، وربما جاء هذا العرف ليكرس بعض المعتقدات المتعلقة بطبيعة الاحترام للكبار وبالاعتقاد بجاهزية البنت الكبرى قبل غيرها من بنات الأسرة لهذه المرحلة سواء من الناحية الفيزيولوجية أو النفسية، أو كقطع للطريق أمام بنات الأسرة الصغيرات للتفكير بالزواج لردعهم عن الشذود كما اعتقدوا قديما، فالعيب الدي تعلمته البنت الصغرى يكمن في حديثها عن الزواج في ظل عدم زواج أختها الكبرى فالتسلسل يبقى عملية مقدسة في عملية الزواج في الأسرة التي تراعي التسلسل بكل سلبياته وبكل ما يمكن أن يسبب من حالات شذود حقيقية لدى صغار الأسرة في بعض الأحيان.
ما على زواج الكبرى
عرفت الأسرة في مجتمعاتنا بكثرة عدد أفرادها، وإذا ما كانت المفاضلة في الزواج تتم على أساس التسلسل العمري فإن هذا من شأنه أن يسبب الكثير من الخلل سواء في نفسية بعض الأفراد أو في الأسرة بشكل عام لأن هذا التسلسل هو بالتالي عملية جارية نحو الأمام دائما في عرف الأسرة، ولكن ما لم يؤخذ بالحسبان أو ما أخذ بالحسبان وتم الإصرار عليه احتراما ومراعاة لمشاعر البنت الكبرى وغير ذلك من الدواعي الاجتماعية والنفسية هو أن هذه العملية تعاق كثيرا ويتوقف تواترها نحو الأمام مم يشكل أزمة حقيقية في الأسرة ويشكل عقبة أمام الواقفين في الصفوف الأخرى من شباب وبنات في انتظار أن يتم إزاحة الكبير.
إن تأخر زواج البنت الكبرى في الأسرة يؤدي بالتالي إلى كبر السن لدى أخواتها البنات و اكتمال رغباتهن في الزواج والاقتران بالشريك والخوف من العنوسة وغيرها من العوامل النفسية التي قد تدفع بالبعض منهن إلى الشذود و البحث عن سبل بديلة طالما أن عملية التسلسل ستكون عائقا أمام تحقيق رغباتها في الزواج في الوقت المناسب، وخاصة في حالات تولد قصة حب لدى إحداهن مما يدفع بها للعمل بكل الوسائل المتاحة الشرعية أو اللاشرعية للوصول إلى حقها في الاقتران بمن تحب ولو كان ذلك على حساب العرف الاجتماعي أو شرف العائلة وهذا ما أدى أحيانا إلى ظهور عملية الخطف، وغيرها من السبل التي اتبعت للخلاص من هذه العقبات المفروضة دون أي دراسة حقيقية لتبعاتها السلبية غالبا.
الحجة للدفاع عن الحالة
يعتبر الكثير من الآباء أن هذه العملية التراتبية في عملية الزواج في إطار الأسرة ضرورة لأن ذلك يضمن أولا عدم الفوضى في هذه العملية التي تؤمن مساعدة جميع أفراد الأسرة للكبير على الزواج فتضمن الأسرة لأفرادها عملية التضامن والتكافل سواء عبر مسائل الدعم المادي للكبير لإتمام زواجه أو غيرها من الأمور، ويأتي الاعتبار الآخر على أساس الضرورة الحقيقية لمراعاة مشاعر البنت الكبرى، لأنها ستكون معرضة لانهيارات نفسية شديدة التأثير عليها في حال تم تزويج الصغريات قبلها، فهذا ما يشعرها بضعفها وبعدم تقبل المجتمع لها ويشعرها بالنقص الذي قد يؤدي بها هذه المرة إلى الشذود والبحث للحصول على حقها في الزواج بطرق أخرى أو البحث عن حقها في أن تبقى الأولى عبر المشاجرة والحقد ممن تتزوج من أخواتها ونشوء خلافات بينها وبين كافة أفراد الأسرة.
والحجة الأخرى تكمن في اعتماد الأبوين على بعض الأسس والمعتقدات الاجتماعية في عملية التربية، فالتسليم بضرورة زواج الكبرى قبل الصغرى من شأنه أن يضبط مشاعر الصغرى ويشعرها بعدم اكتمال مؤهلاتها للزواج واحترامها للكبار، ويغلق الأبواب أمام حالة غير أخلاقية اجتماعيا وهي طلب الصغرى لأن تتزوج، وقد يكون في هذا الأمر حصرا للاهتمام من قبل الأبوين على تربية وتعميق الأسس الأخلاقية لدى البنت الكبرى بما أن الأخريات يردعهن الدور وواجباته وبذلك يتخلص الأبوان من عبء ثقيل ملقى على عاتقهما في ضرورة الاهتمام بكل أفراد الأسرة.
حالات بائسة
ويكتظ مجتمعنا بحالات العنوسة الناجمة عن الدقة والصرامة في تطبيق هذا العرف وخاصة أن العائلة الشرقية يكثر عدد أفرادها، وعدم الإقبال على الزواج يؤدي إلى ارتفاع معدل السن لدى الفتيات الأخريات في الأسرة وهذا ما يؤدي بدوره إلى حالات من الشذود وحالات الخطف اللتين تشكلان الأساس المعتمد من قبل الأهل لارتكاب جرائم الشرف التي يعاني منها مجتمعنا الأمرين، وما عدا ذلك من الأمراض والاضطرابات النفسية التي تعاني منها هذه الفئة التي تقف بانتظار زواج الكبرى.
إن عملية الحجز هذه لحرية الأفراد المكتملين من كافة النواحي من الزواج في الوقت المناسب وخاصة في حال تقدم الشخص المناسب يؤدي إلى مشاكل وأزمات لا حصر لها وتعاني منها الأسرة بأكملها وليس شخص واحد ولهذا فإن ما هو مفترض في العملية هي أن تكون أكثر واقعية في تلبية متطلبات أفراد الأسرة وعدم الوقوف عقبة أمام إرادة الصغريات في الزواج وعدم انتظار " نصيب الكبرى ".