بســم الله الـرحمــن الرحيــم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــه ،،
أفضل دعاء يُقال ليلة القدر
توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام
--------------------------------------------------------------------------------
590- وعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قالَتْ: قلتُ يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ إنْ عَلِمْتُ أيَّ لَيْلَةٍ ليلةُ القَدْرِ، ما أَقولُ فِيهَا؟ قالَ: ((قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي)). رواه الخمسةُ، غيرَ أبي دَاوُدَ، وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ والحاكِمُ.
*درجةُ الحديثِ:
الحديثُ صحيحٌ.
قالَ الْمُؤَلِّفُ: صَحَّحَه التِّرمذيُّ والحاكِمُ، ووافَقَه الذهبِيُّ.
وقالَ الشيخُ صِدِّيقُ بنُ حَسَنٍ في (نُزُلِ الأبرارِ): رُوِّينَاهُ بالأسانيدِ الصحيحةِ في كُتُبِ التِّرمذيِّ والنَّسائيِّ وابنِ ماجَهْ وغيرِهم عن عائشةَ -رَضِيَ اللهُ عنها- قالتْ: "قُلتُ: يا رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ - أرأيتَ إنْ عَلِمْتُ ليلةَ القَدْرِ، ما أقولُ فيها؟ قالَ: ((قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ، فَاعْفُ عَنِّي))، قالَ التِّرمذيُّ: حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ.
*ما يُؤْخَذُ مِن الحديثِ:
1- أمُّ المؤمنينَ -رَضِيَ اللهُ عنها- مِن حِرْصِها على أفْضَلِ الدعاءِ في تلك الليلةِ، التي عَلِمَتْ أنَّ الدعاءَ مُستجابٌ فيها، وأنَّ النداءَ مَسموعٌ فيها، تَسْتَرْشِدُ مِن النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- عن أفْضَلِ دُعاءٍ تَقولُه في ليلةِ القَدْرِ إنْ عَلِمَتْهَا، فأَخْبَرَها -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بأَحْسَنِ وأَفْضَلِ ما تَقولُ.
2- هذا الدعاءُ سأَلَه عنه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أحَبُّ الناسِ إليه، وأَرْشَدَه إليه بطريقِ إعطاءِ النُّصْحِ في الْمَشورةِ. والذي اختارَه هو أعْلَمُ الناسِ بمعناه، فيكونُ لهذا الدعاءِ مَزايا القَبولِ كلُّها.
3- الدعاءُ المذكورُ هو أفْضَلُ مسؤولٍ مِن اللهِ تعالى، فعَفْوُ اللهِ عن عِبادِه معناه الصَّفْحُ عن الذنوبِ، ومَحْوُ السَّيِّئَاتِ، وتَرْكُ الْمُجازاةِ عن الْهَفواتِ الكبيرةِ والصغيرةِ، وليس بعدَ هذا إلاَّ الرضا عن الْمَعْفُوِّ عنه، وإحلالُه دارَ كرامتِه، وهذا هو غايةُ الْمَطلوبِ.
4- هذا الدعاءُ جَمَعَ آدابَ الدعاءِ، فقد ابْتُدِئَ بلفْظِ: "اللهمَّ"، وهي عِوَضٌ عن "يا اللهُ"، فالميمُ بَدَلٌ مِن الياءِ.
وأصَحُّ الأقوالِ: أنَّ لفْظَ "اللهِ" هو الاسْمِ الأَعْظَمُ، الذي إذا دُعِيَ اللهُ به أجابَ؛ لتَضَمُّنِه معنى الإلَهِيَّةِ والعِبادةِ.
ثم إنَّ جُملةَ ((إِنَّكَ عَفُوٌّ)) فيها تَأكيداتٌ لإثباتِ صِفَةِ العَفْوِ للهِ تعالى.
تُحِبُّ العَفْوَ: فيه إثباتُ مَحَبَّتِه اللائقةِ بجَلالِ اللهِ تعالى للعَفْوِ عن الْمُستعينِ.
((فَاعْفُ عَنِّي)) فيه إثباتُ حُكْمِ العَفْوِ، ومُقتضاهُ للهِ تعالى.
ففي هذه الْجُمَلِ التوَسُّلُ إلى الله بصِفتِه المناسِبَةِ للمطلوبِ، ومَحَبَّتُه للعَفْوِ، وقُرْبُه منه بأنْ يَعْفُوَ عن الداعي، فإذا صادَفَ هذا الاسترحامُ والتذَلُّلُ مِن قَلْبٍ خاشعٍ، وفي ليلةٍ مبارَكَةٍ، ومِن عبدٍ مُخْلِصٍ مُنيبٍ، فهو حَرِيٌّ ألاَّ يُرَدَّ، وأنْ يُستجابَ لصاحبِه؛ لأنَّ قَبولَ الدعاءِ له أسبابٌ وآدابٌ، هذه مِن أَهَمِّها.
5- مِن فِقْهِ -عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها- أنها اختارَتْ لهذا الوقتِ الفاضلِ الدعاءَ بأفضَلِ مطلوبٍ، حتى إذا حَصَلَت الإجابةُ، وإذا الْهِبَةُ والعَطِيَّةُ جَزْلَةٌ.
6- وللنَّسائيِّ مِن حديثِ أبي هُريرةَ؛ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قالَ: ((سَلُوا اللهَ الْعَفْوَ، وَالْعَافِيَةَ، وَالْمُعَافَاةَ الدَّائِمَةَ، فَمَا أُوتِيَ أَحَدٌ بَعْدَ يَقِينٍ خَيْراً مِنْ مُعَافَاةٍ)).
قالَ في (الرَّوْضِ) وحاشِيَتِه: فالشرُّ الماضي يَزولُ بالعَفْوِ، والحاضِرُ بالعافِيَةِ، والمستَقْبَلُ بالمعافاةِ؛ لتَضَمُّنِها دَوامَ العافيةِ، فهذا مِن أَجْمَعِ الدعاءِ.
ويَنبغي الإكثارُ في ليلةِ القَدْرِ مِن الدعاءِ والاستغفارِ؛ لأنَّ الدعاءَ فيها مُستجابٌ، ويَذْكُرُ حاجتَه في دُعائِه، الذي يَدْعُو به تلك الليلةَ