الصنمين" مدينة قديمة سكنتها العديد من الحضارات المبكرة منذ آلاف السنين، وتعود لفترات زمنية مختلفة، وتتجسد صورتها اليوم عبر ما تركته لنا من معالم وأوابد مختلفة، أضحت اليوم الشاهد الحي على هذه الحضارات، تقع بين مدينتي "دمشق" و"درعا"، وعلى بعد /50/ كم من كل منهما، وتتوسط العديد من القرى والمدن، ما أعطاها الأهمية كمركز تجاري هام.
موقع eDaraa زار مدينة "الصنمين"، بتاريخ 18/8/2010، والتقى السيد "عبد السلام الهيمد" رئيس مجلس مدينتها، الذي حدثنا حول تاريخها قائلاً: «تشير الأدلة الأثرية الموجودة فيها، إلى فترة موغلة في القدم، تعود للعصر الحجري، ويؤكد هذا الاحتمال اختيار الموقع الجغرافي للمدينة، حيث يتمتع بالمناعة الطبيعية، المحمي بشكل شبه دائري بمانع مائي، هو مجرى وادي "العرام"، الذي استخدم سابقاً كخندق محاذي لسور المدينة، كما شيدت فيها أبراج للحمام الزاجل في عصر المماليك، ووجد فيها عدة أوابد تعود لتلك الفترة اندثر معظمها حالياً، وقد ازدهرت هذه المنطقة تاريخياً في عدة عصور، لكونها كانت تعتمد على الزراعة بشكل رئيسي، ما انعكس على ترف الحياة الاجتماعية فيها، حيث بنيت القصور والمعابد والمباني المختلفة من الحجر البازلتي الأسود، وساعد على ذلك طبيعة المنطقة البازلتية، وتشير المراجع التاريخية إلى أنه كان يوجد فيها بركة تملأ بالماء من نهر "العرام" القادم من "جبل الشيخ"، وكان المصلون يتطهرون من مائها قبل الدخول للمعبد، إلا أن البركة قد ردمت بفعل تطور العمران والعوامل الزمنية، وما تزال المدينة بانتظار جهود بعثات التنقيب الأثري لإظهار كنوزها الحضارية».
وفيما يخص تسميتها أضاف "الهيمد": «حملت "الصنمين" عبر تاريخها الطويل عدة أسماء، كان آخرها اسمها الحالي الذي يعود لوجود (صنمين) مميزين في المدينة إبان الفتح الإسلامي، فنسبت المدينة لهذين التمثالين (الصنمين)، كما ورد اسم "الصنمين" في معجم البلدان "لياقوت الحموي" بصيغة المثنى المرفوع (الصنمان)، ما يدل على استمرار العمران فيها».
وفيما يتعلق بآثارها يقول الآثاري "اسماعيل الزوكاني"، من شعبة آثار "الصنمين": «أهم آثارها المعبد الروماني، ويسمى معبد "تيكا"، يعود تاريخه للفترة الرومانية /191/ م، ويعد من أجمل المباني ليس في "الصنمين" فحسب، وإنما في الجنوب السوري كله، زاره الرحالة الأمريكي
"باتلر"، وكتب عنه ووضع له مخططات، وتعد مقصورة الآلهة من أبرز معالمه، ترتفع عن الأرضية بمبنى واحد، يعلوه إكليل مزين بزخارف هندسية جميلة، يتوسطها حجرتان غربية وشرقية، غربية يمنى مزودة بدرج يقود لسطحها، وآخر يتم الصعود عن طريقه إلى المصطبة، التي يتوضع فوقها "تمثال تيكا"، وهناك حجرة شمالية يسرى مزودة بطابقين، تحوي مدخلاً يؤدي لحجرة صغيرة مفرغة أسفل المحراب، الذي يتوسط المقصورة في الجزء الجنوبي، وللمحراب حنية نصف دائرية عالية المستوى، تزينها الأفاريز في جانبها العلوي، وكوات جدارية كانت مكرسة لوضع التماثيل، وأجمل الأشياء التي تزين المعبد تلك الأعمدة المتناظرة في الجهتين الغربية والشرقية، والتي تحمل تزيينات نباتية وهندسية في غاية الجمال، ويلاحظ وجود بعض الكتابات التأسيسية باللاتينية على ساكف المدخل الرئيسي، تشير إلى أن أحد أبناء المنطقة هو من بنى المعبد وأهداه للآلهة "ايرابوليس"، إضافة لذلك تضم "الصنمين" الكثير من الأبنية الأثرية أبرزها: المعبد النبطي والأقنية والبرك والحمّامات، ومعظمها من العصرين الروماني والبيزنطي، وفيها بنى الخليفة "عمر بن الخطاب" مسجداً كبيراً، وفيها أيضاً قبر الصحابي "جبير بن مطعم"، وبرج من قلعة إسلامية، وجامع "عثماني"، وبيوت "رومانية"، وتلة قديمة تسمى "الصورة" فيها الكثير من المعالم القديمة».
وحول الجانب الخدمي قال السيد "عبد السلام الهيمد" رئيس مجلس المدينة: «يبلغ إجمالي عدد سكانها ما يقارب /42.250/ نسمة، وتبلغ مساحتها الإجمالية /5300/ هكتاراً، وتبلغ مساحة مخططها التنظيمي الجديد /1050/ هكتاراً، ومؤخراً تم تنفيذ بنية تحتية لشوراع المدينة /طرق رئيسية وفرعية/، وشبكة مياه تخدم (95%) من المقاسم المبنية ومناطق التوسع، وشبكة هاتف تخدم حوالي (90%) من المخطط الجديد، إضافة لذلك يقوم مجلس المدينة بتقديم الخدمات للمواطنين، كتسهيل معاملاتهم والإشراف على تنفيذ الأبنية ضمن المخطط التنظيمي، وإنارة الشوراع، ومراقبة
كافة المشاريع المتعلقة بالقطاع الخدمي، والعمل الدائم والمستمر على بقاء المدينة نظيفة، وفي المجال الصحي يوجد مشفى يتسع لـ/120/ سريراً، ومركز للعيادات الشاملة، ومركز رعاية أمومة، ومستوصف يقدم الخدمات الصحية».
وعن مشروع المدينة الصناعية فيها ذكر "الهيمد": «تم استملاك /90/ هكتاراً من الأراضي، لتنفيذ منطقة صناعية على طريق "جباب" - "الصنمين"، وتم دفع بدلات الاستملاك لأصحابها بقيمة /42/ مليون ل.س، ونقل ملكية الأراضي لصالح مجلس المدينة، واستملاك كافة المقاسم للمدينة الصناعية، وتنفيذ مشاريع الصرف الصحي والكهرباء وبناء خزان مياه عالٍ، والآن يتم تنفيذ شبكة مياه للشرب، وقد بلغت نسبة التنفيذ /80%/، في حال تم تسليمها كمقاسم أرض للصناعيين، علماً أنه يبلغ عدد الصناعيين حوالي /250/ حرفياً من مختلف المهن».
وحول أهمية "الصنمين" التجارية يقول المختار "سليم أحمد الفلاح": «تشكل الصنمين مركزاً تجارياً واقتصادياً هاماً في المنطقة، ووجهه لسكان البلدات والقرى المحيطة بها والتابعة لها، يعمل عدد من الأهالي بالتجارة، وفي المصانع والمعامل الواقعة حولها، وكموظفين في دوائر الدولة، وفي مجال تجارة السيارات، حيث يوجد في "الصنمين" سوق للسيارات يعتبر الأول من نوعه على مستوى المحافظة، يضم /80/ مكتباً لبيع وشراء السيارات بين وسيط وشريك، ويقصده الزبائن من مختلف محافظات القطر، ويعد من مصادر الدخل الهامة لمجلس المدينة، وينشط الحركة التجارية، ويستوعب أكثر من /200/ عامل».
وفيما يتعلق بالقطاع الزراعي قال المهندس "جورج رزق" رئيس دائرة الزراعة في مصلحة الزراعة: «يعمل قسم لا بأس به من السكان بالزراعة، وتبلغ المساحات القابلة للزراعة فيها /3600/ هكتاراً، فيما تبلغ المساحات غير القابلة للزراعة /1370/ هكتاراً، وهناك /340/ هكتاراً من الأراضي الصخرية، وتصنف معظم الأراضي في منطقة "الصنمين" كأراضي منطقة استقرار ثانية، يترواح معدل الهطول المطري السنوي فيها
بشكل عام بين (275- 300) كم، ويعتمد الأهالي على الزراعات البعلية كالقمح والشعير، وتبلغ مساحة الأراضي المزروعة بالقمح حوالي /10/ آلاف دونماً سنوياً، فيما يبلغ معدل الإنتاج السنوي للدونم الواحد بين /150-200/ كغ، وهناك قسم ضئيل من السكان يقومون بزراعة الخضراوات المروية كالبندورة والبطاطا والجزر وغيرها، وهي زراعات تعتمد على الآبار الارتوازية».
بقي أن نقول أن "الصنمين" إحدى مناطق محافظة "درعا" الأربع، وأقربها إلى العاصمة "دمشق"، ويتبع لها إدارياً العديد من المدن والبلدات الهامة "كإنخل" و"الحارة"، و"غباغب"، و"جباب"، و"موثبين"، و"دير البخت"، و"دير العدس"، وهي مركز هام لتسوق السكان في القرى المحاذية والقريبة منها.