يقع بيت "آل غازي" أو قصر "غازي" على ضفة نهر "بردى" في منطقة "المرجة" مقابل وزارة الداخلية حالياً، ويعود تاريخه حسب اللوحة الموجودة على واجهة الطابق الأول إلى 1229هـ، كما أن لدى دائرة آثار "دمشق" صورة لمنطقة "المرجة" يعود تاريخها تقريباً إلى نهاية القرن التاسع عشر.
موقع "eSyria" بتاريخ 2/8/2010 وخلال جولته في منطقة "المرجة" زار قصر "غازي" ليلتقي مع السيدة "أمل غازي" المسؤولة الحالية عن القصر وأحد ورثة "آل غازي" لتحدثنا عن تاريخ هذا البيت الدمشقي الأصيل الذي يشرف على نهر "بردى" ويقابل سرايا الحكومة.
عن البيت بشكل عام تقول "أمل": «البيت عبارة عن منزل من القرن التاسع عشر ذي طابع فريد من نوعه بالقطر العربي السوري، مدخله يؤدي إلى الطابق الأول والثاني بواسطة درج مؤلف من 66 درجة حجرية و18 درجة خشبية يطل على الغرفة العلوية التي تدعى بالطيارة».
عن الطوابق تقول السيدة "أمل": «الطابق الأول مؤلف من صوفة 15×4، ومن خلال الصوفة يمكن الإطلال على ستة غرف، مطبخ وحمام، حيث إن الشكل العام للمدخل والغرف فريد من نوعه كما ذكرنا وهو قصر من قصور القرون الوسطى، الغرف متفاوتة بالحجم وهناك حاجز بأعمدة رخامية مع واجهة خشبية تفصل ما بين الصوفة والصالون، حيث الصالون يطل من جهة على نهر "بردى" المغلق حالياً ومواجه لسرايا الحكومة الأثرية، يعتبر وقوع هذا المنزل وبجانبه جامع "البصروي" ضمن المنطقة الأثرية التي اندثرت آثارها خلال ولادة المديرية العامة للآثار والمتاحف، وخاصة "مبنى البلدية، العادلية، البريد وجامع يلبغا"، فتقريباً هذه الأبنية ذات طراز وتاريخ واحد».
أما عن الطابق الثاني والثالث فتقول السيدة "أمل": «إن الطابق الثاني مطابق تماماً للطابق الأول، أما الطابق الثالث المسمى "الطيارة" فهو عبارة عن فسحة سماوية وثلاث غرف، الغرفة الأولى سطحها من القرميد ومصفح بالرصاص 4×4 مع شرفة تطل على واجهة سرايا الحكومة، أما الغرفة الثانية فهي فوق المدخل تماماً أبعادها 3×3 ويعلوها برج هرمي من الخشب المغلف بالتوتياء وكتلة نحاسية مثبت عليها حامية للصواعق، أما الجزء الثالث فهو مغطى بالزجاج على شكل هرمي، ومن الناحية الغربية يلاصق البناء جامع "البصروي" مع المئذنة الملاصقة للجدار الغربي تماماً، حيث يعتبر الجامع جزءاً لا يتجزأ من المبنى».
تتابع السيدة "غازي" حديثها لتقول: «لقد ورثت المنزل من أجدادي وهي ثروة حضارية وتاريخية لا أستطيع الاستغناء عنها، ومحافظتي على المنزل إلى الآن هو من باب الحفاظ على التاريخ الذي يمثله المنزل بزخارفه وأعمدته وطراز بنائه».
عن البيت بطرازه التاريخي يحدثنا الأستاذ "معروف النقشبندي" أستاذ تاريخ، فيقول: «إن بيت "آل غازي" مثال حي على تطور مرحلة البناء في سورية ويمثل بداية الإنشاء الحديث في العمارة السكنية الحديثة، وهو مبنى من الحجر وأرضه من البلاط الذي يعتبر شاهداً على بداية صناعة البلاط في "دمشق"، يمثل هذا البناء مرحلة فاصلة في تطور العمارة بدمشق منذ البيت الشامي القديم المبني باللبن والخشب، والمحدود الطوابق والذي كان أحد نماذج البيت الشرقي المتميز بالإغلاق الخارجي والمفتوح على الفناء الداخلي، إلى البيت الدمشقي الحديث والمتطور، كما أنه مبنى بكامله من الحجر، ورغم مرور الزمن فهو لا يزال حتى يومنا هذا متماسكاً، حيث استعملت فيه الجسور الحديدية بشكل واسع، وهو يعد من المنازل الفريدة في المنطقة».
عن التفاصيل الدقيقة في المنزل يقول المهندس "محمد توفيق ملص" في وصف هذا البناء: «يعتبر منزل "آل غازي" شاهداً على تطور فن العمارة في سورية، فواجهته الرئيسية متنوعة الزخارف، أقواسها وشرفاتها تثير العجب، وهو السكن الوحيد في "دمشق" من عصر بناء السرايا الذي يقابله، صحيح أن بعض عناصره الخارجية تحمل سمات فارسية كبعض أنواع الأقواس المستعملة وبعض الزخارف، إلا أن المعالجة دمشقية أصيلة وكذلك التصميم الداخلي».
يتابع "ملص": «أما الأقواس فهي على نوعين المقوس المدبب في رأسه والمحدب العادي، وكلاهما يستند في طرفيه على أعمدة حجرية إلى جانب الزخارف التي ظهرت في الواجهة فوق النوافذ وعلى أطرافها، وفي أعلى الواجهة يظهر البناء المبني على السطح وهو غرفة مستقلة منفردة ذات سطح خشبي إلى جانبها غرفة أخرى فوقها غرفة مثبتة المسقط ذات فتحات زجاجية وكأنها غرفة عزلة تسمى "الطيارة"، وفوقها جهاز بدائي لطيف قديم التصميم لحساب سرعة الريح واتجاهه، كما أن الدرج عريض يتسم بطابع معين من الفخامة والرسوم الشرقية الدقيقة».
ينهي المهندس "محمد توفيق ملص" حديثه، فيقول: «هناك ملاحظة هامة في هذا البيت، فعلى الرغم من كونه ميالاً نحو التصميم الداخلي الحديث بعض الشيء وعلى الرغم من أنه يمثل مرحلة جديدة في العمارة إلا أن الداخل إليه يشعر من خلال التفاصيل الصغيرة أنه في بيت دمشقي أصيل، كالمغسلة الصغيرة، الزجاج، الخشب، الجلسات الرخامية وزخارف الأقواس».
من الجوار التقينا السيد "عبد الجبار الأحمدي" أحد سكان المنطقة ليحدثنا عن أهمية هذا البيت وتاريخه: «منذ أن ولدت وأنا أتذكر بيت "آل غازي" الذي كان يقصده ضيوفهم من الوجهاء، فهو بيت تراثي قديم يعبر عن نمط العمارة الدمشقية القديمة الحديثة بطرازه المعماري الفريد، ومازال هذا البيت مكتظاً بزواره من الأجانب والسيّاح الذي يأتون للاطلاع على تاريخه وعراقته».