على يسار الطريق الدولي الذي يصل مدينة "حلب" بمناطق "إعزاز" و"عفرين" وتركيا وتحديداً مقابل مركز "شهبا مول" للتسوق يوجد نصب تذكاري مخروطي الشكل عليه كتابات باللغتين العربية والانكليزية تحكي قصة آخر المعارك التي جرت بين الانكليز والعثمانيين على أرض "حلب"، أُطلق عليه اسم "قبر الانكليزي"، فما قصة هذا القبر؟
هذا السؤال طرحه موقع eAleppo على الباحث الأثري المهندس "عبد الله حجار" والذي قال: «يقع "قبر الانكليزي" على بعد 5 كم إلى الغرب من مدينة "حلب" باتجاه بلدة "حريتان" حيث امتدت الحدود الإدارية حتى بداية طريق "إعزاز" وهو عبارة عن نصب تذكاري هرمي الشكل يدعوه الأهالي بالقبر الانكليزي».
وأضاف "حجار": «هذا النصب يدل على موقع جرت فيه آخر معركة من معارك في الحرب العالمية الأولى وذلك في السادس والعشرين من شهر تشرين الأول من العام 1918م بين كل من الجيش الانكليزي من جهة والجيش التركي /العثماني/ من جهة أخرى وقد كان "كمال أتاتورك" مؤسس الدولة التركية الحديثة قائداً للجيش العثماني في تلك المعركة.
يضم وجها النصب الهرمي لوحاً من المرمر كُتب باللغتين العربية والانكليزية أسماء الجنود من دول الكومنولث الذين قتلوا في المعركة».
أما المهندس "تميم قاسمو" رئيس اللجنة الثقافية في جمعية العاديات بحلب فيقول متحدثاً عن قصة هذا النصب: «على الجانب الأيمن من الطريق الذاهب
باتجاه "حريتان" كان ثمة نصب حجري على شكل مسلة قصيرة ثبتت على جوانبه ألواح رخامية كتبت عليها باللغتين الإنكليزية والعربية كلمات تشير إلى أنه في هذا المكان من أرض "حلب" دار آخر اشتباك عسكري في الحرب العالمية الأولى في منطقة الشرق الأوسط، ومنذ بضع سنين طالت أعمال توسعة الطريق موقع النصب فتم نقله إلى موقعه الجديد مقترباً من "حلب" بضع مئات من الأمتار لكن على الطرف الآخر من الطريق.
هذا النصب هو علامة على نهاية عصر وبداية عصر آخر فلقد كانت الحرب العالمية الأولى- بحسب المؤرخين- أهم حرب في تاريخ العالم ففيها غاب شمس أربع إمبراطوريات كبرى هي العثمانية والألمانية والنمساوية والروسية ودخلت الولايات المتحدة الأمريكية حلبة الصراع الدولي بعد أن كانت متفرجة على ما يدور فيها من بعيد كما ولد الاتحاد السوفييتي فيه».
ويضيف "قاسمو" متحدثاً عن ما حصل في يوم 26/10/1918: «يروي (س. "أرمسترونغ") في كتاب /الذئب الأغبر/ أنّ طلائع الجيش الإنكليزي الزاحفة هاجمت
الجيش العثماني بكتيبتين من الفرسان الهنود جاهلة بأنّ العثمانيين قد انتقلوا من حالة التراجع إلى حالة التجمع والتمركز ويذكر كيف تصدت الرشاشات العثمانية بقيادة "مصطفى كمال أتاتورك" للقوات المهاجمة في عملية دفاع مفاجئة أسقطت خلالها كثيراً من الضحايا ما جعلها تتراجع دون انتظام.
ويكمل "بنو ميشان" الرواية في كتابه /الذئب والفهد/ فيذكر أنه عوضاً عن الهجوم الذي كان يتوقعه الأتراك بعد تلك الموقعة رؤوا القوات الإنكليزية التي كانت تتجمع في السهل المقابل وهي ترمي قبعاتها في الهواء ابتهاجاً بعد أن علمت بطلب الدولة العثمانية عقد الهدنة التي تمت في 31 تشرين الأول».
وبالنسبة لعدد الضحايا في ذلك اليوم يقول "قاسمو": «إنّ المراجع التاريخية تختلف حول عددها ولكن النصب التذكاري يعطينا الخبر اليقين فقد كتب على أحد أوجهه لوحة تضم أسماء أربعة من الضباط الإنكليز فيما تحتشد على لوحتين بأسفلها أسماء ثمانية عشر جندياً هم من الهنود السيخ والهندوس والمسلمين أي إن معظم من قضوا في تلك
المعركة كانوا يحاربون من أجل قضية لا شيء لهم فيها».
ويختم": «للأسف نرى اليوم أنّ بعضاً من رخام النصب قد تكسر أثناء نقله إلى مكانه الجديد فاستبدل كما يبدو وأعيد بناؤه بشكل غير متقن كما أن الدهان الذي كان يُظهر حروفه كي يمكن قراءتها قد حال بل امّحى مع الزمن على الرغم من قيمته السياحية لمدينة "حلب"».