يعود "حي الفرافرة" لفترة زمنية قديمة، وإن بعض أوابده تعود إلى أكثر من ثمانمئة عام كالمدرسة العصرونية التي بنيت في عهد بني "مرداس"، وجعل منها "نور الدين زنكي" مدرسة عام /1156/م، أما شهرته فقد وصلت "دار السعادة" "اسطنبول" عاصمة أكبر إمبراطورية في القرن السادس عشر، سكنه أكبر موظفيها في بلاد الشام- تجار الشرق الأوسط.
يروي المؤرخ "أبو ذر" في كتابه كنوز الذهب: «ينسب درب بني "الفرافرة" إلى "بني فرفور" وكانوا رؤساء، وبهذا الدرب سكن نقباء الجيش، وقبل القرن الحادي عشر الميلادي كان يدعى بالمعقلية، حيث كانت تعقل فيه خيل المجاهدين وإبلهم وكان رحبة متسعة».
وتابع "أبو ذر" من خلال سطور كتابه: «توسع الحي قبل سبعمئة وخمسين عاماً، وازدادت أهميته، بالإضافة إلى دوره السكنية الرائعة أنشئت فيه المدارس، بعضها في الزوايا والجوامع والتكايا حيث تعقد حلقات الدرس، وبعضها أنشئ على الأسلوب الحديث حيث يتم تعليم الحساب والفلك والطب والعلوم العصرية، وحين كان في "حلب" ثلاثة عشر مكتباً رشديا، كان خمسة منها في "حي الفرافرة"، وفيه خمس حمامات من أصل ثلاثة عشر مكتباً رشديا، كان خمسة منها في "حي الفرارة"، وفيه خمس حمامات من أصل اثنين وأربعين حماماً أحدها حمام السلطان باسم الملك "الظاهر غازي بن صلاح الدين"».
ويشير المؤرخ "أبو ذر" إلى أنه: «بني في الحي المدرسة الحسامية /1228/م وبنيت زاوية "النسيمي" عام /1418/م، وبعد أن دمر "تيمورلنك" المدرسة الناصرية- جامع الحيات- جددت في عام /1430/م، ثم زادت المدارس والجوامع
والتكايا والأفران والسبلان والمقاهي والخانات والخانقاهات وأهمها خانقاه "ضيفة خاتون" /1237/م والمدرسة الشعبانية وغيرها، إن كثرة الأبنية العامة في "حي الفرافرة" من جوامع وزوايا وتكايا ومدارس ومكاتب رشيدية وأفران وسبلان ومقاه تؤكد لنا أهمية هذا الحي، بحيث يجعله المؤرخ "كامل الغزي" من أعمر أحياء "حلب" وأهمها على الإطلاق . فقد كان يضم عدة أزقة مثل زقاق بني الكتخدا- الكيخيا- وزقاق الشعبانية وعدة بوابات، أهمها بوابة "الأرمنازي"، وأكثر من سوق مثل "سويقة علي" وسوق "باب النصر" و"سوق الخابية"».
ويتابع "الغزي" بقوله": «سكن "حي الفرافرة" أعيان المسلمين وكبار موظفي الدول العثمانية، وكانت دار الحكومة على بعد خطوات من الحي، وأن سكانه يغلب عليهم الكلام الذي يحوي الكثير من الألفاظ التركية والفارسية، لأنهم مستخدمون لدى العثمانيين، وأن كل دار في الحي تضاهي محلة وأن دور "آل قطر آغاسي" كانت محل أنظار زوار "حلب"».
في حين قدم المؤرخ الشيخ "محمد راغب الطباخ" مؤلف كتاب "أعلام النبلاء في تاريخ حلب الشهباء": «إن عسكر "نامق باشا" كلف عدداً من أعيان حلب من سكان محلة الفرافرة ليقوموا بإحصاء السكان في حلب وكان
مركزهم في "التكية المنصورية"، ومن المعروف أنه في عام 1855م تأسس "مكتب رشدي" في تكية المنصورية وكان "الطباخ" في عداد تلامذته في عام 1886م وذكر لنا أنه رأى في التكية مخطوطات كثيرة جداً، ويضيف "الطباخ" أن والي "عكا" "أحمد باشا الجزار" الذي هزم "نابليون بونابرت" نزل في دار "آل السياف" في محلة "الفرافرة" لدى مروره في "حلب" في طريقه إلى اسطنبول دار السعادة 1789م».
وعن أهم وأغنى العائلات الحلبية المعروفة والباقية حتى اليوم والتي تسكن في البدء في حي "الفرافرة"، عنها يحدثنا الدكتور "محمود حريتاني" المدير السابق لآثار ومتاحف المنطقة الشمالية: «هم شرِّيف، قطر أغاسي، كتخدا- كيخيا- مرعشي، سياف، قدسي، خطيب، أميري، منصوري، الكاتب، الكواكبي، الجابري، وغيرهم وهؤلاء كانوا على سبيل المثال لا الحصر. "حي الفرافرة" لم يعد يذكره إلا القليل، ولا يبقى من هذا الحي العريق إلا الاسم مسجلاً في دائرة السجل العقاري وفي كتب المؤرخين».
واختتم قائلاً: «إن أول معول بدأ في الهدم كانت عملية إزالة بناء المدرسة العصرونية، فقد هدمتها دائرة الأوقاف القائمة عليها 1924م لتقيم في مكانها بناء طابقياً. المعول الثاني
كان بيد بلدية "حلب" حين فتحت الشارع المؤدي من الجامع الكبير إلى خندق القلعة في عام 1956م فأزالت أبنية كثيرة، وشوهت ما بقي من أبنية كالجامع الأموي، و"خان الوزير" الذي رمم جداره الشمالي بعد أربعين سنة، و"المطبخ العجمي" الذي يرمم حالياً، ويوظف كمطعم من قبل وزارة السياحة، و"المدرسة الشعبانية"، وحالياً أصبح "حي الفرافرة" ورشات ومستودعات لأنها تقع بجانب سويقة علي المركز التجاري».