تقع على التخوم الشمالية للجولان الجغرافي الطبيعي كتلة جبلية، تعرف باسم (الشيخ- حرمون) ولا يمكن لأي بحث حول الجولان تجاوز هذه الكتلة الضخمة، لما لها من علاقة وثيقة بجغرافية الجولان وتاريخه.
وفي تصريح للباحث "عز الدين سطاس" لموقع eQunaytra عن الأهمية الاستراتيجة "لجبل الشيخ" وموقعه الجغرافي تحدث قائلاً: «هو نقطة التقاء الحدود اللبنانية والفلسطينية والسورية ويشرف بارتفاعاته العالية على أعماق جغرافية سورية وفلسطين ولبنان وحتى البحر الأبيض المتوسط. يبلغ طول "حرمون" نحو/50/كم، وعرضه ما بين /17-25/كم ومساحته نحو /1000/كم2 وتصل أعلى قمة فيه إلى /2814/م، وتبلغ مساحة المحتل منه نحو /70/كم2، أي ما يعادل سُبع مساحته الإجماليه، وتصل أعلى قمة في الجزء المحتل /2224/م».
وعن سبب تسميته قال: «عرف "جبل الشيخ" بأكثر من اسم، فقد أطلق عليه الفينيقيون اسم (شريون- سيريون) في حين عرف عند الآراميين باسم (شنير أو سنير)، كما عرف باسم "حرمون" بمعنى الحرم "المقدس" وهو عبارة عن كتلة جبلية ضخمة، التوائية صخورها كلسية، كانت في الماضي السحيق أرضاً سهلية منبسطة، تحولت لاحقاً إلى كتلة جبلية عقب الحركات الأرضية التي شهدتها المنطقة».
ويشير "سطاس" أن الجزء المحتل من جبل الشيخ يعد خزاناً مائياً ضخماً، ففي الجزء المحتل نجد ينابيع "بانياس" و"الوزاني" و"الحاصباني" و"اللدان"، هذه الينابيع التي تشكل المصدر الأساسي لمياه نهر الأردن إضافة إلى الينابيع الموجودة فيه حوض (وادي سعار)».
هذه المنطقة الجغرافية من الجزء المحتل يمكن تقسيمها إلى ثلاث مناطق، عن هذه المناطق يتحدث "سطاس" قائلاً:
* منطقة شمالية: «تقع على يمين "وادي العسل"، ويعرف بكتف "وادي العسل" وهي عبارة عن سلسلة متماسكة، والذي يشكل قممه الحدود السورية اللبنانية الحالية، وتضم عدة قمم أعلاها "جبل الروس" /1529/م، يليه "جبل السماق"/1354/م، كما تضم عدة مواقع، هي من الأعلى إلى الأسفل: مزرعة "برختا" ومقام "مشهد الطير" ومزرعة "زبدين" ومزرعة "الرمتا" ومزرعة "قفوة" وإضافة إلى مواقع "فشكول" و"خلة الغزالة" و"مغر شبعا"».
* منطقة جنوبية: «تعرف بكتف "حرمون"، وتمتد ما بين "وادي الخشب" شمالاً و"وادي سعار" جنوباً، وهي كتلة مقطعة بالعديد من الأودية التي ترفد واديي الخشب وسعار، وتضم عدة قمم، ترتفع ما
بين/780-2224/م عن سطح البحر، كما تضم عدة مواقع منها: "مجدل شمس"/1200/م و"جباتا الزيت" /1980/م و"قلعة الصبيبة"- "نمرود" /816/م و"عين قنية" /800/م».
* منطقة وسطى: «تمتد بين "وادي العسل" شمالاً، و"وادي الخشب" جنوباً وتضم عدة أودية تصب في "وادي العسل" وتقطع المنطقة إلى عدة أجزاء، من أهمها "وادي عرعر" الذي يبدأ من ارتفاع/1650/م، كما تضم عدة قمم منها "جبل الكحل" /1411/م و"جبل شريف" /1541/م ونجد في هذه المنطقة وادياً لا محرج له، يرتفع عن سطح البحر نحو/1500/م ويبلغ طوله نحو /1500/م وعرضه نحو/300/م توجد فيه بركة تأخذ شكلاً دائرياً بقطر/100/م وتمثل ظاهرة جغرافية تعرف "بالدولين"، وهي كلمة (يوغوسلافية) تعني الوادي الصغير، وتنشأ نتيجة تسرب المياه إلى كهوف جوفية تحت أرضية كلسية وتتفاعل المياه مع الكلس، وتنهار سقوف الكهوف لتشكل وادياً».
وتتميز هذه المناطق الثلاث بما يلي:
* قلة الينابيع وجفاف الأودية رغم الكميات الكبيرة التي تتلقاها سنوياً، من التهطالين المطري والثلجي، وتصل إلى أكثر من /1600/ملم ويعود سبب هذه الظاهرة إلى نفوذية الصخور الكلسية.
* تعد هذه المنطقة خزاناً مائياً كبيراً، يزود المصادر الأساس لنهر الأردن، فالمياه المتسربة إلى الأعماق تخرج من باطن الأرض، عند أقدام الجبل على شكل ينابيع غزيرة كنبع بانياس وينابيع اللدان واللويزاني وبيت جن.
* كثرة الحفر البالعة.
* غطاء نباتي غابي وغير غابي يأخذ شكل أحزمة نباتية، بحسب الارتفاع منها أنواع غير معروفة في الجولان الطبيعي كالكرز البري والقتاد.
* عالم حيواني يضم أنواعاً غير معروفة في الجولان الجغرافي، فعلى سبيل المثال يعيش في هذه المنطقة نحو مئة نوع من الفراشات منها نحو/24/ نوعاً لا توجد في الجولان الطبيعي ويشار إلى أن النمور والأسود والدب السوري حيوانات عاشت في هذه المنطقة حتى عهد قريب، وانقرضت في بدايات القرن العشرين نتيجة الصيد العشوائي.
تضم المنطقة الوسطى مناجم نحاس فقيرة وأخرى مناجم كحل وهو نوع من الرصاص كان يستخدم
في الزينة، وفي طلاء الأواني الفخارية والخزفية».
"جبل الشيخ" يمثل في غطائه النباتي وتضاريسه وينابيعه وموقعه الأثري، ظاهرة طبيعية متميزة، إضافة إلى الميزة السياحية التي يقول "سطاس" عنها: «توجد مناطق التزلج على الجليد بمنطقة "جبل الشيخ"، وتكتمل هنا الأهمية السياحية بالقرب من بحيرة "طبريا" من هذه المنطقة حيث يمكن للسائح أن يتزلج على الجليد في هذه المنطقة وأن يتزلج على ماء بحيرة طبرية في يوم واحد لأن المسافة بين المنطقتين لا تتجاوز 40كم وهذه حالة نادرة في العالم».
حظي حرمون باهتمام كبير من قبل سكان الجولان القدماء وحتى سكان المحيط الجولاني فقد كان ينظر إليه في الماضي كمقر للآلهة الكنعانية المقدسة، وأقاموا على قمته معبداً وثنياً لا تزال بقاياه قائمة ويعد أكثف المناطق بالمعابد الكنعانية المقدسة، وفي كل أرجاء الإمبراطورية الرومانية الشرقية، وعن تلك المواقع الأثرية في الجزء المحتل من هذا الجبل يقول الباحث في تاريخ الجولان الأستاذ "تيسير خلف": «أظهرت عمليات الكشف والتنقيب عدة مواقع في المنطقة المحتلة من "جبل الشيخ" منها: في "مجدل شمس" وأراضيها، و"عين قنية" ولعل أهم أثرين هما: "قلعة الصبيبة" التي تعرف أيضا باسم "قلعة النمرود" وقد وصفها العلامة "أحمد وصفي زكريا" حين زارها في شهر كانون الثاني من عام 1946 حيث قال: «هذه القلعة قامت فوق صهوة جبل شاهق ذي منحدرات عمودية صعبة يطل على بانياس من شرقها على علو حوالي 300 متر ويستند إلى الأعضاء الأولى لجبل الشيخ»، وعن الموقع الثاني فهو "بانياس" تأتي أهمية الموقع الدينية، بأن له علاقة بالعهد الوثني والعهد المسيحي، وكلمة "بانياس" نسبة إلى الإله اليوناني "بان" الذي يعد إله المراعي والغابات.
أما في العهد المسيحي فكان لهذا الموقع أهمية كبيرة جداً حيث قام السيد "المسيح" بزيارته أكثر من مرة وسلم مفتاح السلطة لتلميذه "بطرس" الرسول حيث قال له: «أنت صخرةً وسأبني كنيسة على هذه الصخرة»، ومن أبناء هذا الموقع
(نازفة الدم)، ويعتقد أن تلاميذ السيد "المسيح" صعدوا إلى "جبل الشيخ" عبر "بانياس" حيث تجلى السيد "المسيح" لهم، إضافة إلى هذه المواقع يوجد عدة مواقع تظهر في المزارع المنتشرة على امتداد الكتف اليميني لوادي العسل».
ملاحظة: الصورة الرئيسية للمادة تم التقطها بعام 1901 لقمة "جبل الشيخ". وجميع صور المادة من أرشيف الباحث "تيسير خلف".