تشتهر مدينة "حلب" بوجود المئات من المعالم التاريخية والدينية والعلمية فيها والتي تشهد على ما خلفته مختلف الدول والممالك التي حكمت المدينة وكان آخرها الدولة العثمانية التي تركت العشرات من المساجد والمدارس والخانات، ومن هذه المعالم الهامة "المدرسة الأحمدية" المعروفة في "حلب".
يقول الدكتور "محمود حريتاني" المدير السابق لآثار ومتاحف "سورية" الشمالية لموقع eAleppo متحدثاً عن موقع المدرسة وبانيها: «"درب السبيعي" هو أحد الدروب التي تتفرع عن أسواق المدينة القديمة لا بل كان من أهمها وأفضلها وخلال فترة الحكم العثماني فقد هذا الدرب اسمه ودُعي بـ"درب البهرمية" أو "زقاق البهرمية" نسبة إلى "جامع البهرمية" الذي بُني في الموقع، وبقي هذا الاسم /أي "درب البهرمية"/ شائعاً إلى أن قام "أحمد أفندي بن طه أفندي" الملقب بـ"الجلبي" ببناء مدرسته الرائعة التي عُرفت بالمدرسة الأحمدية وذلك في العام 1136 هجرية الموافق 1723 ميلادية فنسي الناس اسم "درب البهرمية" وأطلقوا على الموقع اسم "درب بني جلبي" نسبة إلى لقب باني المدرسة وهو "الجلبي"».
ويضيف الدكتور "حريتاني": «كانت المدرسة مزدهرة في العهد العثماني ومنارة للعلم والعلماء وهي قائمة إلى اليوم وقد جعلها بانيها مدرسة ومدفناً ومكتبة عامرة بالمخطوطات النادرة والنفيسة وكذلك دفن فيها كبار عائلة "بني الجلبي". في النصف الثاني من القرن العشرين انطفأت شهرة هذه المدرسة وتضاءلت أهميتها العلمية عندما نُقلت مخطوطاتها إلى "المدرسة الشرفية"
العائدة إلى مديرية الأوقاف في "حلب" وعاد الدرب إلى اسمه السابق وأصبح يُعرف بـ"زقاق البهرمية"».
وحول المدرسة يقول الشيخ "كامل الغزي" 1853 -1933في كتابه /نهر الذهب في تاريخ "حلب"/ ما يلي: «"المدرسة الأحمدية" هي في "زقاق بني الجلبي" وواقفها هو "أحمد أفندي ابن طه أفندي ابن مصطفى أفندي" وكان الواقف قد بنى مدفناً في هذه المحلة تجاه "البهرمية" الشرقي لوالده ودفن فيه، ثم بنى عمارة ملاصقة للمدفن المذكور مشتملة على سماوي فيه تربة وقبور مرخّمة أعدها الواقف لنفسه ولأولاده، وبجانب الباب بنى حُجرة لسكنى الخادم والبواب ومن هذا السماوي يُدخل إلى مدفن والده وإلى ساحة سماوية أخرى مرخّمة بالرخام الأصفر، وبجوانبها أربعة رواقات بأعمدة من الرخام، فالجانب الجنوبي الموجه شمالاً به رواق ثلاث قباب راكبات على قناطر وعواميد من الرخام يُدخل منه إلى مكان لطيف مبني بالنحيت مسقوف بقبة من النحيت».
ويتابع: «هو مسجد ومدرسة تُدرس فيه أنواع العلوم كل يوم وفي صدره محراب من الرخام الأصفر، ومن المسجد يُدخل لحجرة كبيرة مُعدّة لوضع الكتب لها شباكان مطلان
على الرواق وشباكان على المدفن، وبهذا الرواق المذكور تسع حجرات أخرى ومطبخ للطعام يُطبخ فيه من شاء من المجاورين ويغسلون ثيابهم.
وفي المسجد أيضاً جب ماء معين في الحائط الشمالي وقسطل ومطهرتان وفي وسط الساحة حوض ماء بجانبه صهريج نافذ مجراه إلى السبيل، ويجري الماء للقسطل والحوض والصهريجين من قناة "حلب" بحق شرعي».
ويضيف "الغزي" بالقول: «على باب المدفن الذي يلي الزقاق كُتب /أنشأ هذه العمارة المباركة مسجداً ومدرسة وتربة عمدة الموالي العظام جناب السيد "أحمد أفندي ابن العارف بالله الشيخ طه أفندي الشهير بـ"طه" زادة"/، وعلى باب مدفن والده كُتب /تغمد الله طاها برحمة لا تناهى فقد سما باجتهاد وطال عزاً وجاها ومذ قضى حل أرخ بجنة الخلد طاها 1136».
ويختم: «على باب المدرسة مكتوب:
/مدرسة للمذهب النعماني
ومسجد لطاعة الرحمن
يقرأ بها التفسير والحديث وال
آلات مع عقائد الإيمان
أنشأها صدر الموالي أحمد
هو ابن طه عارف الزمان
وفي جواره أشاد تربة
بشرى صلاح الحال للجيران
فإنه يجزي على أعماله
منازل الرضوان
في الجنان
أوقفها للأشغال أرخوا
بالفقه والحديث والقرآن/».
يُذكر أنه يتم العمل على تأهيل وتجهيز "المدرسة الأحمدية" بهدف تحويلها إلى متحف عثماني في مدينة "حلب" وذلك في إطار برنامج التعاون الإقليمي السوري- التركي المشترك.