غم ركب الحضارة الموجودة في أوروبا ورغم كل المنجزات التي وصلوا إليها لا تزال حلب موجودة على أبواب تلك الحضارة، فقد كانت ولا تزال ذلك الشعاع الذي صبغ اسم "الهال" على أسواقهم ومنها نقلت التسمية شرقاً وغربا.
سوق "الهال" في مدينة "حلب" يتسع لـما يقارب /400/ محل، وهو متمركز عند أطراف المدينة القديمة عند دخول حي "الكلاسة"، ويبعد عن مركز المدينة التجاري "المنشية القديمة" حوالي /3/ كيلومترات تقريبا، فالقلعة تبعد عنه بما يقارب 3.5 كليومترات، وهو يمتد من أوائل باب "أنطاكية" ويحاذي منطقة بستان القصر وينتهي عند أطرافها.
وأما "باب الجنان" فيقع مقابل سوق "الهال" تقريبا، يمتد من "المنشية الجديدة" وينتهي إلى حين دخول المنطقة القديمة ممثلة بحي الكلاسة، فكلا السوقين يحدهما من الأمام تقريبا طلعة السبع بحرات ومن الخلف منطقة بستان الزهرة وشمالاً مركز المدينة وجنوبا المدينة القديمة.
أصل سوق "الهال" هو جزء من سوق "الحاضر" وقد أشار إلى هذا الدكتور "محمود حريتاني" المدير السابق للآثار والمتاحف، وأضاف: «المنطقة في ذلك الوقت كانت تسمى "الحاضر"، وحالياً تسمى بمنطقة "الكلاسة"، فقديماً كان الناس يفرّغون بضاعتهم خارج أسوار ذلك السوق بسبب ضيق الأزقة الممتلئة بالمشترين أصلاً، ولتخفيف الضغط الناشئ من توافد التجار مع بضاعتهم إلى السوق، لأن الأسواق الموجودة في داخل المدينة كانت صغيرة نوعاً ما مثل ساحة "بزة" وساحة "الملح" لبيع ملح الطعام و"الحطب" لاحتطاب الحطب وبيعه.
تجار ذلك الوقت كانوا يتاجرون بكميات كبيرة من المواد، فبلغ عدد الجمال التي تحمل البضاعة ما بين 1000 و4000 جمل، لذلك من المستحيل استيعاب السوق لتلك الأعداد الكبيرة، ولذا جاء تمركزهم خارج الأسوار ضرورياً من أجل استقبال القافلة وإفراغ الحمولة والتأكد من حالات الجمال الصحية، ومن ثم بعد ذلك تنقل البضاعة إلى داخل السوق عن طريق حيوانات الركوب».
واختتم: «هولاكو حين دخل "حلب" دمّر سوق الحاضر بسبب مواجهة السوق له، فسوق الهال كان جزءاًَ من الفعاليات التي تتم خارج الأسواق أي سوق الحاضر، ويمكن أن يكون في ذلك الوقت من أحد الأسواق لبيع الخضار والفواكه».
الباحث "عامر رشيد المبيض" ذلك المؤرخ الذي أشار في كتاب قلعة "حلب" تحدث حول سوق الهال وبيّن أهميته عالمياً حيث قال: «"حلب" / مدينة المعبد = بَعلْ بك/ ـ /بَعلْبك = بَعلْ المدينة منذ الألف الخامسة ق.م/، وكل /بعلبك ـ بول = بوليس/، في
العالم مستنسخ عن بعل حلب التي نشأت بشكل تدريجي حول /معبد حدَدَ : البعل /، في تل حلب القلعة واستمرت لفظة المدينة تطلق على حلب، والبلد على ظاهر حلب إن بَعلْ حدَدَ، هو الحدّاد = النار يجمع كل عناصر الطبيعة، وهو /أدون = أتون = تموز = أي الهال "الشمس" إله النضوج الخضار وسنابل القمح/، وفي حلب /باب الجنان = تعني المحاصيل الزراعية = الجنة = عدن/، خصب ، /النعيم = أدون = أدونيس/».
وأشار المؤرخ "عامر" إلى كون باب الجنان بحلب أول "سوق هال" في التاريخ بقوله: «بجواره حيّ العواميد، العمود رمز القوة والخصب. وحلب من المدن التي قدست الشمس، وحسب ابن "العجمي" ـ كان يوجد معبد للنار خاص بالمجوس داخل باب "الجنان"ـ، أما كنيسة هيلانة فكانت حسب ابن شداد: ـ في بدء الزمان كان هذا الهيكل معبداً لعبّاد النارـ إن معبد النار في "باب الجنان"، ومعبد النار الذي ذكره "ابن شداد"، هما مكانان لتقديس الشمس عند العرب وليس للمجوس. ومعبد النار ـ هيلان = هيلانة في حلب = هو الشمس الهال هيلان = هيلانة = هيلاس، السين للتعظيم، الهلس: الخير الكثير، وليس نسبة للقديسة "هيلانة" حيث يأتي المزارعون بمحاصيل جناتهم إلى سوق "الهال"، باب "الجنان" ـ الغلال ـ يقدمون التقدمات للشمس ويغنون الهيلا الهيلا. وحدد هو الشمس والنار: رمز الشمس، والأمر يتعلق بانبعاث الإله عبر فضيلة النار أي الشمس: الهال، ومن حلب انطلقت حضارة الهال هيلان هيلينسية = الشمس = القوة الإخصابية للأرض.
وكان المسرح أحد عناصر المدينة الهيلينية الذي صدّرته "حلب" إلى "اليونان". والطقوس نفسها كانت في هيرابوليس = منبج وإن مسرح ومعبد ديلوس /128/ ق.م، تصميم مهندس عربي سوري من "منبج"، أهداه إلى الرب حدَد والربة عشتار. إن حدَد إله الصاعقة، هو الشمس مكوّن الرعد والعاصفة، والصاعقة مصدر النار.
وفي نصوص الفراعنة نجد ابتهالا يقدمه "رعمسيس" الثاني إلى هبا حلب العربية اسم إلهة الشمس زوجة إله العاصفة حدَد، والبعل كان مصحوباً بالألقاب الشمسية بعلشمين سيد السموات ويخبرنا مكروبيوس: عند السوريين الشمس هي حدد إله
الصاعقة».
سورية صدّرت فكرة الساحة العامة والهال إلى اليونان وروما
وقدم الأستاذ "عامر" شرحاً أشار فيه إلى أن الهال يعني: «إله الشمس ينضج الفاكهة وهو حدد عربي سوري. يقول "أندريه ايمار" و"جاتين أوبوايه": فقد اقتبست روما الكثير، دون أن تعطي الشرق شيئاً يذكر . . . فالشرق ـ سورية ـ أمدَّ روما بالكثير من الأفكار الجديدة والنظريات الفلسفية على اختلاف أنواعها، وكما أمدها بالكثير من الرجال الذين امتازوا بحدة الذكاء. ومع هذا الدفق من الهجرات وهذه المجاري الفكرية التي دخلت "روما" دخلها في الوقت ذاته عدد كبير من آلهة الشرق "سورية" وما لها من عبادات ومراسم وطقوس، عَرفت أن تستبد بنفوس الرومان، وتملك عليهم مشاعرهم، وذلك بما أضفت على الحياة الدينية من أشياء لم تكن معروفة عندهم من قبل.
ويقوم إلى جانب سوق المدينة ـ الفوروم ـ عادة إدارة المدينة، حيث يعقد مثل المجلس البلدي جلساته، وعلى مقربة من الفوروم تقوم السوق التجارية "هال" التي تتألف من مجموعة من المخازن ودكاكين الباعة في صف واحد وفي الأحياء تنتصب هياكل ومعابد على شرف آلهة متنوعة.
وحسب المؤرخ "مكروبيوس" إن عند السوريين الشمس هي حدد ـ إله الصاعقة وهو إيل ـ والأرض هي عشتار ـ البعلة ـ وإن هذه الأخيرة تصور على أسد وتحيط برأسها هالة من نور».
كيف سمي سوق الهال؟
واستطرد المؤرخ "عامر" بكتابه عن أحقية تلك التسمية لسوق الهال قائلاً: «هال "الشمس" إله النضوج الخضار والثمار أعطى اسمه لأسواق الهال في المدن التي شيدت فيها معابد للشمس. أما الشمس فهي تساعد على مزيد من التجفيف وزيادة المساحات المزروعة، فقد أصبحت أعظم الآلهة في جميع البلدان الزراعية. وإن العرب السوريين أول من نسبوا الألوهة للشمس والقمر والكواكب وإن النبت في الشهر السادس الذي يبلغ فيه القيظ ذروته يعد شهراً مقدساً مكرساً لهذا الإله، فإن النبت في هذا الشهر يعطي أكله وثمره.
كان تموز "الهال" رمزاً لهذه الغلال وهكذا فإن "الهال" إله الشمس، الهال: الجبار ـ جابري ـ الياء للنسبة، مثل /إيل = إيلي/و/بعل = بعلي/
الإله العربي الكنعاني السوري الذي يُنضج الفاكهة وسنابل القمح. وفي شمال سورية، فإن العرب يبدلون في بعض ألفاظهم حرف ـ ل ـ إلى ـ ن ـ /إسماعيل اسماعين= الإله السميع = سمعان/ و/برتقال = برتقان/ و/جبرائيل = جبرين = الإله الجبار/ و/الجابري = الشمس/ و/ تل جبين= جب إيل : جب : قمة ، بيت إيل/».
وعقّب في النهاية «إن العرب السوريين قد نقلوا التسمية إلى مواقع انتشارهم في الشرق والغرب فالتسمية "هال" نجدها في كثير من المدن ففي حلب ودمشق وحمص واللاذقية وكل المدن السورية، وجنيف وروما وكثير من مدن العالم فإن الهال يطلق على سوق "الهال" سوق الخضار حيث يجمع الفلاحون ما حصدوه وقطفوه من خضار وفواكه وترسل إلى أسواق الهال».