تتميز منطقة "الصفا" الواقعة إلى الشرق من مدينة "شهبا" بأنها من أحدث المناطق البركانية في سورية على الإطلاق، ومناظرها الرائعة تشعرك حقاً بأن هذه الصخور البركانية قد تشكلت للتو، حيث يتكون حقل حمم الصفا من شكل شبه دائري يصل في أقصى قطر له بحدود 19 كم من الشرق إلى الغرب، وفي أدنى قطر إلى 16 كلم، يبدو المنظر الطبيعي أسود بشكل لا يصدق تتخلله التلال والانتفاخات، ويمكن بسهولة مشاهدته في الصور الفضائية كبقعة سوداء فاحمة في خريطة سورية.
ويقول الباحث والمهندس "حيان حميدان" لموقع eSuweda عن أهم الآثار الموجودة في "الصفا"، وأهمية الحفاظ على هذا التنوع: «تعود بقايا المستوطنات من عصر البرونز ممثلة بخربة "الأمباشي" و"الهبارية" والتي اشتهرت بطبقة البازلت المنصهر والعظام المختلطة بها والمشوية لدرجة التبلور، وبوجود كتلة عظمية هائلة متكلسة ومحروقة، عائدة لعشرات الآلاف من الحيوانات، وبطراز غير مألوف للأبنية.
ونؤكد أهمية حماية الموقع والحفاظ عليه ضمن محيطه البيئي المميز على تخوم البادية.. وتأهيله للسياحة البيئية والتاريخية نظراً لفرادته وغناه بالمعطيات العلمية والتاريخية، ما يتطلب وضعه في حماية الجهات المختصة، كمديريتي الآثار والسياحة، والعمل على استعادة ما نهب من حجارته الفريدة وقد امتزجت بعظام كائنات كانت تعيش في الموقع قبل قرابة 4000 عام.
بالإضافة إلى ما تتميز به المنطقة من الكتابات العربية الجنوبية وقد عرفت أولاً في سورية باسم النقوش الصفائية وهي من الكتابات العربية المشتقة من الأبجدية المسندية، والمنقوشة على الصخور في شبه الجزيرة العربية والأردن وجنوب سورية، التي
استخدمت منذ القرن الأول قبل الميلاد حتى القرن الثالث الميلادي وتنتشر في عدة مواقع من منطقة الصفا دالة على عراقة تاريخها.
ويحقق الموقع شروط تحويله إلى حديقة جيولوجية (جيوبارك) بسهولة شديدة ويمكن أن يكون أول حديقة جيولوجية في منطقة الشرق الأدنى جميعها، حيث إن مساحة المنطقة أكثر من كافية لأغراض السياحة الجيولوجية والسياحة التاريخية والآثارية، وهي ليست بعيدة عن المدينتين الكبيرتين "دمشق" و"السويداء"».
وعن الخطط التي يمكن أن توضع موضع التنفيذ، ودور الجهات المختصة في تحويل المنطقة إلى حديقة، يتابع "حميدان" القول: «يمكن إدارة المنطقة بسهولة من السكان المحليين في محافظة "السويداء" بالتعاون مع البدو المقيمين في المنطقة، كما يمكن تحسين وضع الطرق وتعبيدها والسماح بتدريب أفضل للسكان المحليين على الدلالة السياحية مما يؤمن دخلاً بديلاً لهم بالإضافة إلى حماية المنطقة.
ومن بين الوسائل المتاحة لنقل المعلومات تبرز المناسبات كالرحلات للصفوف المدرسية والأساتذة، والندوات والمحاضرات العلمية للجمهور المهتم بالقضايا البيئية والثقافية وللسكان المقيمين المهتمين
بتعريف الزوار على بيئتهم الطبيعية، ويمكن أن تكون هذه فرصة جيدة جداً للجيولوجيين الشباب للعمل هناك مع الطلاب الجدد المهتمين بعلوم البراكين والطلاب المحليين الذين يجب أن يتعلموا عن أهمية تراثهم الجيولوجي، ووضع منهاج جيولوجي للمدارس الأساسية والثانوية، واستعمال المعلومات المحلية عن الجيولوجيا والتشكيلات الجيولوجية والجغرافية الشكلية ما سيساعد على صون الحديقة الجيولوجية وبنفس الوقت زيادة الوعي المحلي والفخر بالهوية المحلية، حيث تضمن السلطة المسؤولة عن الحديقة الجيولوجية حماية التراث الجيولوجي بالتوافق مع التقاليد المحلية والالتزامات القانونية. وتقرر الحكومة درجة الحماية والإجراءات المتخذة لحماية المواقع والتشكلات الجيولوجية».
وتبرز الأهداف الرئيسية للحديقة الجيولوجية التي اقترحها الباحثان المهندسة "عروب المصري" والمهندس "حيان حميدان" في حماية التراث الجيولوجي للأجيال الحالية والقادمة، حيث تقول الباحثة "المصري" عن هذه الأهداف: «الهدف الأساسي يبرز بتثقيف وتعليم الجمهور العريض عن قضايا العلوم الجيولوجية وعلاقتها بالقضايا البيئية، ضمان التنمية الاقتصادية الاجتماعية والثقافية المستدامة، ورعاية الجسور الثقافية المتعددة للتراث والحوار وصون التنوع الثقافي
والجيولوجي، واستخدام الخطط التشاركية والشراكات، وتنشيط الأبحاث عند اللزوم».
وكانت الدكتورة "كوكب الداية" وزيرة الدولة لشؤون البيئة قد قالت في العاشر من شهر أيار الحالي لعام 2010، وبمناسبة افتتاح المؤتمر البيئي الأول "نحو سويداء صديقة للبيئة": «إن الوزارة باشرت العمل بشكل فعلي لتحويل منطقة "الصفا" إلى حديقة بيولوجية، لتكون امتداداً طبيعياً لمحمية "اللجاة" في محافظة "السويداء"».