"السويعية".. عين الغزال على ضفاف الفرات

تميّزت ببيوتها الطينية طوال عقودٍ خَلتْ؛ وتباهت بالهدوء السائد فيها وبساطة العيش لقاطنيها بعيداً عن صخب المدن وضجيجها، ومع مرور الأيام والسنين شُيّدت أبنيةٌ حديثة ملونة خلقت من حداثتها نوعاً من التناغم والانسجام بين الماضي والحاضر لتعلن ولادة بلدةٍ جديدة انحدرت من رحم تلك القرية الصغيرة.




بلدة "السويعية" كانت محطتنا الأولى من بين المحطات التي سنتوقف عندها في محاولةٍ للتعرف على أمكنةٍ جديدة أخرى ضمن المحافظة، حيث قمنا بزيارة إلى هذه البلدة والتقينا بعض الأشخاص الذين قدموا لنا ما نحتاجه من معلومات عن هذا التجمع المدني.

السيد "عبد المنعم المنوّخ" رئيس مجلس بلدة "السويعية" تحدّث قائلاً: «تقع بلدة "السويعية" على الضفة اليمنى من نهر "الفرات" جنوب منطقة "البوكمال" ويفصل بينهما وادي "علي" الذي يحد البلدة من الغرب؛ حيث شُيّد جسرٌ على هذا الوادي لربط "السويعية" مع "البوكمال" ويحد البلدة من الشرق نهر "الفرات" وقرية "الهري" من الجنوب؛ أما شمالاً فيحدها "البوكمال". تبلغ مساحتها نحو /2000/ هكتار؛ ويصل عدد سكانها إلى/12/ ألف نسمة؛ يعمل معظمهم بالزراعة وتربية المواشي؛ إذ تبلغ أعدادها نحو /80/ ألف رأس من الأغنام؛ ونحو /250/ رأس من الماعز؛ أما الأبقار فيصل عددها إلى نحو /2000/ رأس. وأهم المحاصيل الزراعية التي تشتهر بها البلدة هي القمح؛ الشعير؛ القطن؛ الشوندر السكري؛ والخضروات بأنواعها. وقد سميت البلدة بهذا الاسم اعتماداً على الرواية التي تقول بأن غزالاً كان يعيش في هذه المنطقة ويطلق عليه اسم "السويعية" وذلك لسِعة عينيهِ.

وتأتي أهمية موقع هذه البلدة لاعتبارها مدخلاً للقطر من الجهة




الشرقية للقطر العراقي الشقيق».

أما عن الوضع الخدمي للبلدة؛ فقال: «نستطيع القول بأن الوضع الخدمي مقبولٌ نوعاً ما قياساً إلى الإمكانيات المتواضعة المتوفرة لدى مجلس البلدة، فنسبة 80% من بيوت البلدة تصلهم المياه من خلال خطة أولية لإرواء المنازل وحتى قرية "الهري" تعتمد على مصفاة "السويعية". وهناك أولويات نسعى إلى تنفيذها للنهوض بالواقع الخدمي للبلدة، وأولها مشروع الصرف الصحي الذي لا يزال معدوماً وهو في طور دراسة وتقييم الموازنة المناسبة له، أما بالنسبة للجانب التعليمي فالوضع جيد نتيجة وجود /5/ مدارس للتعليم الأساسي إضافة إلى توفر المدرّسين من البلدة ومن "البوكمال"».

مختار "السويعية" الحاج "علي المنسي" تحدث عن التغييرات على المستوى الاجتماعي التي طرأت على البلدة قائلاً: «أجمل ما كان سائداً في الماضي بين أفراد البلدة هي الشورى؛ فإذا قام أحد الأشخاص بارتكاب جريمة قتل بحق شخصٍ آخر؛ يتقدم شيخ عشيرة القاتل ويجلي هذا القاتل عن العشيرة بشكلٍ نهائي حفاظاً على كرامة باقي الأفراد، وبهذا التصرف العاقل يكون كل شيء قد انتهى وتعود الأمور إلى نصابها من غير عداوة.

أما الآن فقد تغيرت وطرأت أمورٌ جديدة لا تخدم مصلحة أبناء البلدة. كذلك حفلات الزفاف التي كانت بمثابة فرحة لجميع أفراد البلدة




آنذاك؛ باتت اليوم مصدراً للإزعاج، حتى مجالس العزاء اختلفت عما كان سائداً في الماضي؛ فعندما يتوفى أحد الأشخاص كان الجميع يشاركون أهل الفقيد أساهم وألمهم، فلا تسمع في كل حواري البلدة أيّ مباهج تدل على الفرح سواء سماع صوت المذياع أو التلفاز، وعدا عن كل هذا وذاك استنبطت الأجيال الأخيرة أموراً وتصرفات مستوردة لا صلة لأبناء البلدة بها ابتداءً باللباس والهندام الخارجي وانتهاءً بالعادات الجديدة والدخيلة إلى مجتمعاتنا المحافظة».

وأما عن الشخصيات البارزة التي أنجبتها بلدة "السويعية" فقد تحدّث إلينا السيد "محمد الجاسم" أحد القاطنين في البلدة؛ قائلاً: «هناك الكثير من الشخصيات التي تحملُ شهادات علمية رفيعة ولهم شرف انتمائهم لهذه البلدة الصغيرة بمساحتها والمتواضعة بإمكانياتها ومن هذه الوجوه الدكتور "عبد الرزاق الدندل" طبيبٌ في مشفى بـ"إسبانيا"؛ والدكتور "محمد الدندل" يمارس مهنة الطب بالعاصمة "دمشق"؛ وهناك نقيب المحامين الأستاذ "أسعد عدنان الدندل"؛ كذلك الدكتور "حسان الحبيب" الذي يعمل في مشفى الحرس الوطني السعودي، وآخرون كثيرون ممن يحملون شهادات أخرى وكلهم انطلقوا من هذه البقعة من الأرض».

أما عن التأثير الإيجابي لهجرة أبناء "السويعية" إلى دول الخليج؛ أجابنا أحد السكان وهو الحاج "جمال العبيد" قائلاً: «كان معظم بيوت القرية مبنيةً من الطين والصفيح؛ ولم




يكن هناك أيّ مظاهر للتطور العمراني بسبب الأوضاع المادية المتردية للأهالي، لكن بعد أن تم تأمين فرص عمل لهم في دول الخليج اختلف كل شيء؛ فأصبح لكل عائلة فرد من أفرادها يعمل في تلك الدول الأمر الذي انعكس على الوضع المادي للعوائل وأول شيء باتوا يفكرون به هو ترميم بيوتهم أو بناء بيوت إسمنتية وفق النماذج الحديثة، وبهذا ازداد عدد البيوت الحديثة وتضاءل حجم البيوت العتيقة».