تأتي مدينة "حلب" في طليعة المدن العربية والإسلامية في مجال العمارة الدينية من مدارس ومساجد وخانقاهات* وغيرها حيث يوجد فيها أكثر من ألف مسجد وجامع تعود إلى مختلف العهود والممالك الإسلامية التي مرت عليها، ومن هذه المساجد القديمة "جامع فستق" أو ما يُسمى "المدرسة الصاحبية" التي تعود إلى منتصف القرن الرابع عشر الميلادي.
يقع مدخل الجامع في جهته الشمالية وتوجد على جانبيه مداميك حجرية ملوّنة بالأسود والأصفر وفوقها زخارف نباتية مع لوحة كتابية مستطيلة الشكل منتهية بزخارف أقواس متخالفة، وكتب فوق المحراب /إنّ الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض/ وتعلوه نقوش ملوّنة باللونين الأخضر والأحمر وفي صحنه إيوان صغير إلى الشرق منه باب مسدود ينفذ منه إلى الجادة الشرقية.
أما المنبر فهو خشبي صغير نسبياًً يزيّن بابه زخارف جبصينية ويعلوه تاج جبصيني جميل الشكل، ويعلو المنبر سقف خشبي محمول على أربع دعامات خشبية مربعة ويعلو السقف قبة صغيرة محززة في رأسها يتوضع هلال نحاسي وفي الجدار الشمالي سبيل ماء فوقه لوحة حجرية مزخرفة ومستطيلة الشكل.
وللتعرّف أكثر على تاريخ هذا الجامع التقى موقع eAleppo الدكتور "محمود حريتاني" مدير آثار ومتاحف سورية الشمالية الذي حدثنا عن المدرسة بالقول: «"المدرسة الصاحبية" معلم تاريخي من معالم "حلب" الأثرية وهي حالياً جامع، ويسمى "جامع فستق" يقع
على بعد ثلاثين متراً إلى الجنوب من "المطبخ العجمي" وقام بتأسيسه "أحمد ابن يعقوب الصاحب" في العام 750 هجرية و1349 -1350 ميلادية ويتحدث عنها المؤرخ "ابن العجمي" قائلاً بأنها "مدرسة ابن الصاحب" وهي واقعة بالقرب من مصبغة "حلب" ولها باب ضخم وبلاط من المرمر في الداخل وحوض ماء وإيوان وبجانبها قبة كبيرة بُنيت بشكل حسن».
وعن السبب في إطلاق تسمية "فستق" على الجامع أجاب د. "حريتاني" قائلاً: «هناك دائماً أسماء محلية وأسماء وقتية متعلقة بحدث ما أو شخص معين ومجهول لا ترقى مثل هذه التسميات إلى توثيقها في مصادر تاريخية وخلال عملي في المدينة القديمة كمدير لآثار ومتاحف سورية الشمالية لم أجد أية وثيقة تاريخية أو مصدر يشير إلى شخص اسمه "فستق" أو حدث حوله ولذلك أعتقد أنّ التسمية هو لفظ محلي أو وقتي أطلقه عليه المحليون واستمر حتى اليوم».
ويتحدث عن "جامع فستق" /"المدرسة الصاحبية"/ المؤرخ الحلبي الشهير الشيخ "كامل الغزي"
في كتابه /نهر الذهب في تاريخ "حلب"/ ما يلي: «"جامع فستق" ومحله تجاه "خان الوزير" وقد أنشأه مدرسةً "أحمد بن يعقوب" سنة 750 هجرية، وفي سنة 813 هجرية وقف عليها الناصري "محمد بن عبد الله بن القاضي ناصر الدين محمد بن يعقوب" ووالده الأمير الكبير "الغازي ناصر الدين محمد الصارمي إبراهيم" وقفاً عظيماً أكثره أراضٍ».
ويضيف "الغزي": «مكتوب على باب هذه المدرسة /هذا ما أنشأه العبد الفقير المستعيذ بالله من التقصير "أحمد ابن يعقوب بن الصاحب" غفر الله له ولمن كان السبب ولجميع المسلمين سنة 750/».
«وعلى الجدار الموجه غرباً -والكلام مازال للمؤرخ "كامل الغزي"- في عتبة باب المدرسة كُتب/ لما كان بتاريخ نهار الاثنين الخامس عشر من شهر شوال المبارك من شهور سنة تسع وتسعمئة ورد المرسوم الشريف المطلوبي لكل وقف عليه من ينوب، وأنّ القضاة والحجاب وولاة أمور الإسلام بحلب متوجهون للمملكة الحلبية للكشف عن الأوقاف أيدهم الله، من يتوجه للكشف
عن الأوقاف ابتغاءً لوجه الله ذي الجلال والإكرام طالباً لما عند الله من الأجور وليحيي معالم هذا الجامع/».
ويختم: «وقد سُميت هذه العمارة هنا مدرسةً وجامعاً والذي رأيناه في ترجمة بانيها أنها تربة والله أعلم وعلى كل حال فهي الآن متوهنة البناء خالية من الحجرات لها قبلية عامرة تقام فيها السرية والجمعة».
•أماكن شبيهة بالخانات