لا تزال أحياء مدينة "حلب" تحتفظ بأسمائها التاريخية التي أُطلقت عليها في فترات تاريخية مختلفة ومعرفة هذه الأسماء في الغالب تشكل البداية للتعرّف على تاريخ المدينة بالكامل لأنّ الأسماء لا تُطلق بشكل اعتباطي إنما تدل على حادثة محددة أو اسم شخص معين وهكذا، ومن هذه الأحياء منطقة "التلفون الهوائي" المعروفة في "حلب" والتي يجهل الكثيرون من أهل المدينة سبب تسميتها بهذا الاسم.
وللحديث عن هذا الحي لابد من التعرّف على حيي "الحميدية" و"السليمانية" وتاريخهما، وحول ذلك يقول الدكتور "محمود حريتاني" المدير السابق لآثار ومتاحف سورية الشمالية: «لقد بقيت مدينة "حلب" القديمة حتى بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر تتألف من قسمين الأول ضمن الأسوار وحول القلعة والثاني الضواحي التي كانت تحيط بها كما يحيط السوار بالمعصم، لكن مدينة "حلب" توسعت وجاوزت هذين القسمين الكبيرين فنشأت أحياء حديثة بأبنيتها وشوارعها وساحاتها تختلف تماماً عن التخطيط والنسيج العمراني التقليدي الذي ساد المدينة القديمة وضواحيها ومن هذه الأحياء التي نشأت حي "الحميدية" الواقع إلى الشمال من الضاحية الشمالية».
وحول حدوده يقول: «يحد هذا الحي من الشرق "المستشفى العسكري" القديم ومن الشمال حي "السليمانية" ومن الغرب محلة "النيال"، وقد نشأ تحديداً في العام 1887 ميلادي وذلك في عهد السلطان العثماني "عبد الحميد الثاني" فنسب إليه، وخلال الحرب العالمية الأولى تميّز حي "الحميدية" حيث أصبح مقراً عسكرياً للجيوش الألمانية التي دخلت
تلك الحرب متحالفةً مع الدولة العثمانية فقد رابط في الحي الجيش الألماني».
أما حول حي "السليمانية" فيقول: «تكوّن الحي بدءاً من العام 1895-1896 ميلادي، ففي تلك الفترة كانت مدينة "حلب" محاطة في جهتها الشمالية بالبساتين ومنها بستان "سليمان الحلبي" الذي كان من أكبر بساتين المنطقة ومتصرفه كان "جرجي بن سمعان خياط" الحلبي المولد الموصلي الأصل حيث كان يبيع الذراع منه للفقراء ببضعة قروش ويقسّط مجموع القيمة عليهم إلى عدة سنين وهكذا انتشر العمران في البستان المذكور فدعيت المحلة "بالسليمانية" /نسبة إلى "سليمان الحلبي"/ ودُعي أيضاً "بالخياط" /نسبة لمتصرفه/، وفي العام 1911 ميلادية سكن الحي عدد متزايد من "الأرمن" فتوسعت المحلة وامتدت وظهرت فيها أزقة وحارات جديدة مثل "الرام" و"التلفون الهوائي" وقد أخذت أسماءها من مناسبات معينة "فالرام" كان مركزاً لتجمع المياه فيه أما منطقة "التلفون الهوائي" فقد كان موضع إنشاء أول محطة اتصالات لاسلكية أقامها الجيش الألماني الحليف للأتراك العثمانيين وذلك خلال أيام الحرب العالمية
الأولى حيث رابط في المحلة وكان يُسمى محلة "الحميدية"».
وحول الحادثة التي كانت السبب في تسمية الحي منطقة "التلفون الهوائي" يضيف الدكتور "حريتاني" بالقول: «بعد أن رابط الجيش الألماني في حي "الحميدية" قام بتنصيب أول محطة اتصالات لا سلكية /هاتف/ في "حلب" وذلك في فضائه وقد دُعيت المنطقة فيما بعد بمحلة "التلفون الهوائي" وهي الآن محلة معروفة ومشهورة في المدينة وهي قائمة بهذه التسمية منذ حوالي القرن من الزمان».
أما مؤرخ "حلب" الشهير "كامل بن حسين بن محمد بن مصطفى البالي الحلبي" المعروف "بالغزي" فيقول حول الموضوع في كتابه /نهر الذهب في تاريخ "حلب"/- المطبعة المارونية في "حلب" 1923- الجزء 3- الصفحة 376 متحدثاً عن أحداث العام 1333 هجرية: «وفيها بدأ الجنود "الألمان" يصلون إلى "حلب" ومنها إلى "دمشق" ومعهم من الأثقال والمهمات الحربية ما لا يكاد يُحصى وكانوا ينزلون في "حلب" في بيوت وخانات استأجروها من ذويها وقد عاملوا الناس معاملة حسنة وربح
منهم التجار أرباحاً طائلة وقد مدّوا كثيراً من التيول /جمع تيل- سلك/ الناقلة للصدى والمعروفة باسم التلفون ونصبوا أداة التلغراف اللاسلكي في برية حارة "الحميدية"».
ومنذ تلك الحادثة حيث أقام الجيش الألماني ورابط في محلة "الحميدية" ومدوا أسلاك أول هاتف في سماء الحي ومدينة "حلب" أصبح اسم المكان هو منطقة "التلفون الهوائي".