مازلت أذكر تماما كلمات أمي عندما يأتي موسم شراء الجبنة، كانت تقول لي: «حان موعد "تموين الجبنة"». ولكن إلى أين سنذهب و ما هو السوق الذي ينبغي التجول فيه لاقتناء عشرات الكيلوات من الجبنة ؟
ودون أي تفكير كان الاختيار يقع مباشرة على "جب القبة"، كنت أعلم مسبقا أنه المكان الذي أستطيع فيه رؤية أشياء لا أستطيع رؤيتها بين أبنية الحي الحديث الذي نقطن فيه، ولذلك كان لابد اليوم من زيارتها ومعي عدسة eAleppo لألتقط صور تتحدث عن جمال التاريخ وعراقة الماضي بالإضافة إلى نفس الحاضر التجاري المشرق..
يعتبر حي "جب القبة" من أحياء "حلب" القديمة المعروفة وخصوصا لأبناء "حلب"، وهي تقع على بعد أمتار من حي "باب الحديد" والذي لا يقل أهمية عنها...
اسم "جب القبة" ليس الاسم الوحيد لهذه المنطقة فهي تسمى أيضا "ابن نصير" حسب ما ورد عن المحامي "مصطفى خواتمي" والذي نشر في "مجلة الضاد" حيث يقول: «ابن نصير: وهي ذاتها "جبّ القبّة" ونسبت إلى "ابن نصير بن داغر العنيد"
وهو ممّن كانوا ضدّ الإسلام وبعد ذلك حسُن إسلامه ومات وقبره في جامع الحي».
وتابع "خواتمي" حديثه حول أشهر آثار هذا الحي: «من آثارها: مسجد "ابن نصير" والذي تعلوه قبة وسبيل "جبّ القبّة" وعدّة خانات»... ولعل تلك القبة هي سبب تسميتها بذلك الاسم، لأن ذلك هو أكثر ما يكرره أبناء الحي ومنهم "حسام غزيزية" الذي يحدثنا عن سبب التسمية وعن تاريخه في هذا الحي: «أنا ولدت في هذه الحارة منذ 1953 وبشكل عام الناس هنا متقاربون جدا، طبعا هذا كان واضحا بشكل أكبر فيما مضى أي قبل دخول بعض العائلات (الحديثة) إلى هنا وأما من قبل فكان الجميع كعائلة واحدة».
وعن أقدم العائلات المشهورة في هذا الحي العتيق والتي يستمر وجودها إلى الآن تقريبا يتحدث "خواتمي": «ومن عائلاتها: آل
عكو، آل سمرلي، آل جبقجي، آل حمامي، آل حديدي، آل حوري، آل جيلـو».
وبالإضافة إلى غنى "جب القبة" التاريخي فهي أيضا مقصد تجاري لأبناء المدينة والذين يقتنون الألبان والأجبان والتي تشتهر بها المنطقة وهذا ما قاله "محمد كنعان" أحد تجار المنطقة المعروفين: «أنا تاجر صباغة وخيوط و أعمل هنا منذ تسعة وعشرين عاما، وهذه المنطقة معروفة تجاريا وصناعيا وتتميز ببيع الصوف بالإضافة إلى الألبان والأجبان».
وعن طبيعة المتعاملين مع تجار هذه المنطقة يتابع "كنعان": «أنا أعمل هنا في مكان على شكل خان قديم وفيه مصبغة يدوية ما زلنا نحتفظ بالطابع القديم لها، ومع أن صناعتنا قديمة إلا أن المتعاملين معنا هم من التجار المعروفين في "دمشق" و"حلب" خصوصا بالإضافة إلى "اللاذقية" و"حماة"».
وأثناء تجوالنا في الحي لفت انتباهنا مجموعة
من الأطفال والذين كانوا يلعبون "الغلال" وهي لعبة شعبية معروفة منذ القدم، وتحدثنا إلينا منهم "سامي عجمية" ليصف لنا طبيعة علاقته الفطرية مع هذا الحي الذي ولد فيه: «أنا هنا منذ زمن طويل وأبي قد ولد هنا ونحن نحب (حارتنا) لأننا ولدنا هنا ونلعب فيها كل يوم».