هو أحد أهم حمامات حلب وأجملها، وأكثرها محافظة على طابعها المعماري، متميزا بزخارفه الداخلية، ولونيه الأصفر والأسود والذي يناغم بهما قلعة حلب- التي يجاورها- بعبقه الشرقي الأصيل..
ذكر المؤرخ الحلبي "كامل الغزي" الحمام في كتابه "نهر الذهب في تاريخ حلب" قائلاً:
«حمام "اللبابيدية، وأنشأه الأمير "يلبغا الناصري" الذي توفي في العام /893/ هجرية، وهو الحمام المعروف في الكتب التاريخية بحمام الناصري، ومحله على حافة خندق القلعة في سوق الدواب تجاه برج القلعة الجنوبي، وهو حمام عظيم متقن البناء وقد عمر حائط بابه بالحجارة السود والصفر صفاً صفاً وتدلك فيه اللبابيد».
أما الباحث الدكتور"عبد الله حجار" فقد تحدث عن حمام "يلبغا الناصري" قائلاً:
«ذكره ابن الشحنة باسم الحمام الناصري, ومن المرجح أن بناءه يعود إلى أوائل حكم المماليك في منتصف القرن الرابع عشر ويُجهل اسم بانيه الأصلي, وعندما تولى نيابة حلب الأمير المملوكي "سيف الدين يلبغا الناصري" قام بتجديد الحمام وترميمه فحمل اسمه, وعندما دخل المغول حلب عام /1400/ قاموا بتدمير الأسوار والأبواب والأبنية الهامة ومن بينها الحمام الناصري وبعد إهمال طويل كان الحمام يستعمل في بداية هذا القرن كمكان لإعداد وصناعة اللباد لذا سماه الأهالي حمام اللبابيدية وكان للحمام ثلاثة سراديب توصله بالقلعة والمْدينة..».
ويتابع الدكتور "حجار" حديثه عن أقسام الحمام، فيقول:
«يتألف الحمام من ثلاثة أقسام هي: "البراني" وتعلوه قبة عالية رائعة، وزخارف جداريه بديعة مع بركة ماء في الوسط ومشالح للثياب وتجاويف على سوية الأرضية للأحذية والقباقيب.
"الوسطاني": ويحوي بعض الخلوات وتعلوه القبب والقمريات الجصية بأشكالها النجمية وزخارفها المتداخلة، وقد انتشرت الأجران في الخلوات وكان يعلوها "الحنكة" وهي قطعة من الخشب بداخلها ثقب فيها ألياف حسب عددها وكثافتها تسمح بمرور الماء الساخن أو البارد من خلالها، وقد تم استبدالها بالحنفيات المعدنية.
الجواني: وفيه بيت النار وهو أكثر أقسام الحمام حرارة وفي وسطه قبة واسعة مثمنة الأضلاع قمرياتها موزعة بأشكال هندسية جميلة، ويحيط بالجواني ثلاثة أيوانات وخلوات وفيه بئر ماء وكان يسخن بالبخار من تحت أسفل أرضيته».
بدوره المهندس "محمود زين العابدين" رئيس مركز "شادرون للتراث العمراني" العناصر الجمالية في الحمام فيقول:
«عرف في مدينة حلب الكثير من الحمامات، التي تنتشر في أحيائها، وتروي المصادر التاريخية أن عدد الحمامات في حلب وصل أحياناً إلى مئة وسبعة وسبعين حماماً، إلى
جانب الحمامات في الدور الواسعة الخاصة بالأثرياء.
ومن أهم هذه الحمامات وأجملها "حمام يلبغا"، حيث تتميز الواجهة الخارجية للحمام بتزينها بمداميك متناوبة باللونين الأسود والأصفر. ويؤدي إلى داخل الحمام مدخل صغير، يليه ممر منكسر يؤدي إلى القسم البراني "المشلح"، وهو واسع يتألف من أربع إيوانات معقودة، وفي كل إيوان مصطبة وفجوات قوسية لوضع الملابس، وفي وسطه حوض ماء مثمن الشكل في وسطه نافورة للماء، ويعلو القسم البراني قبة تستند إلى أكتاف قناطر الإيوانات بواسطة زوايا مثلثية كروية. وقطعت القبة من الأعلى لتشكل منفذاً للنور مثمن الشكل إلى جانب ثمانية نوافذ مستطيلة أخرى.
القبة مزينة بزخارف نباتية مدهونة باللون الأحمر والأزرق وفي الجهة الشرقية من القسم البراني مدخل يؤدي، بواسطة ممر منكسر، إلى القسمين الأوسط الداخلي "الفاتر– الساخن" وكل قسم مؤلف من قاعات رئيسة يحيط بكل منها أربعة إيوانات بها غرف صغيرة في كل منها جرن حجري. ويعلو القسم الرئيس في كل منها قبة فيها منافذ دائرية الشكل مغطاة بقطع الزجاج للإنارة، ومنها لتصاعد البخار. أرضية القسم
الداخلي "الساخن" مبلطة بأحجار صغيرة متناوبة باللونين الأسود والأصفر بأساليب هندسية متداخلة بديعة التناسق.
كما يضم الحمام غرف مستودع المياه وموقد التسخين والبئر الذي يجاور مستودع التسخين، ويعدّ حمام يلبغا الناصري من الحمامات الفريدة التي مازالت تحافظ على طابعها الأصيل، على الرغم من أنها تعود إلى العصر المملوكي وقد تم ترميم هذا الحمام، ليتحول إلى أحد أهم المواقع السياحية، ضمن النسيج العمراني لمدينة حلب القديمة».