تقع "قاعة العرش" المعروفة في مدينة "حلب" فوق البرجين الكبيرين اللذين يشكلان واجهة "قلعة حلب" وتحديداً فوق مدخل باب الحيات أحد أهم أبواب القلعة، وقد رُممت القاعة عدة مرات عبر التاريخ كان آخرها الترميم الذي قامت به قبل المديرية العامة للآثار والمتاحف لتستضيف سنوياً العديد من المعارض المتنوعة كان آخرها معرض صور خاصة حول حياة القديس "مار مارون" وذلك بمناسبة مرور 1600 عام على وفاته.
ولمعرفة المزيد حول هذا المكان السياحي التقى مراسل موقع eSyria في مدينة "حلب" بالأستاذ "عامر رشيد مبيض" مؤلف كتاب/"قلعة حلب" عرش التاريخ/ وسأله أولاً عن تاريخ بناء القاعة فقال: «قبل تأليف كتاب /نهر الذهب/ للشيخ "كامل الغزي" /1933/ وكتاب /أعلام النبلاء بتاريخ "حلب" الشهباء/ للمؤرخ "الطباخ" /1951/ لم ترد عبارة /"قاعة العرش"/ في المصادر التاريخية فالصواب القول /القصر السلطاني/ الذي بناه نائب "حلب" "سيف الدين جكم" الذي أعلن العصيان على سلطان المماليك "فرج بن برقوق" ونصب نفسه سلطاناً على "حلب" في العام 1406 م، وهنا أريد تقديم ملاحظة وهي أنّ بعض الباحثين ظنوا أنّ القاعة بناها السلطان "قايتباي" سنة 1472 م ولكن المعطيات التاريخية والآثارية تؤكد أنّ نائب "حلب" "سيف الدين جكم" بناها في الأعوام 1403-1406 م وأنّ السقف الخشبي للقاعة أكمله السلطان المملوكي "المؤيد شيخ" سنة 1417 م أما السلطان "قايتباي" فقد أمر بحفر اسمه على أسفل النافذة الخارجية للقاعة.
لقاعة العرش باحة محاطة بجدران عالية أحجارها من الأعلى محزّزة بشراريف يحتمي وراءها المدافعون مع ممشى مخصص للعسكر يمكن الصعود إلى الممشى عبر درج يقع وسط جدار قاعة العرش من جهة يسار الداخل إلى القاعة، وبالاتجاه شمالاً من الباحة يوجد باب يُشاهد منه مئذنة الجامع الأيوبي في القلعة، كان هذا الباب مدخل قصر بناه الأمير "سيف الدين" /"ناصر الدين بن سلار"/ في العام 1425 م».
وأضاف: «الدخول
إلى قاعة العرش يتم عبر باب موجود في الوجه الشمالي وهو مبني على نظام الأبلق /الحجر الأبيض والأسود والأصفر/ ويطل على الخارج على باحة محصنة مستطيلة الشكل، ويوجد على قاعدة من الرخام الأصفر فوق قوس الباب شعاران للسلطان "قايتباي" ومديح شعري من البحر الطويل بخط يعد استمراراً لنموذج خط كتابات "قايتباي" الأخرى وهو خط نسخي مملوكي:
لصاحب هذا القصر عز ودولة/ وكل الورى في حسنه يتعجب
بنى في زمان العدل بالجود والتقى/ محاسنه فاقت جميع الغرائب».
وحول سقف القاعة قال: «بحسب المعطيات التاريخية فإنّ "سيف الدين جكم" بدأ بتسقيف "قاعة العرش" /القصر السلطاني/ بواسطة الأخشاب التي نقلها من مدينة "دمشق" ولكنه لم يكمل التسقيف بسبب مقتله في شهر أيار من العام 1406 م، وبحسب نص كتابي محفور في الحجر وموجود حالياً يسار الداخل إلى باحة القاعة أبعاده 1،90×0،42 م ومؤرخ من العام 1417 م يعود لعهد سلطان المماليك "المؤيد شيخ" الذي قدم إلى "حلب" بعد توليه منصب السلطان وأمر بوضع سقف القصر السلطاني /"قاعة العرش"/ وقطع الأخشاب /شجر الجوز/ الضرورية لهذا الهدف وذلك من "دمشق" وقد تم تنفيذ الأمر وحُملت العوارض الخشبية الطويلة والضخمة إلى "حلب" لتُستعمل في تسقيف القصر الذي أصبح عالياً وجميلاً.
وتحت النافذة الخارجية لقاعة العرش /القصر السلطاني/ والمزيّنة بشبك حديدي نُقش مرسوم سلطاني على سطر واحد بخط نسخي مملوكي ومؤرخ من العام 1472 م
يشير إلى إعادة ترميم القصر بعد خرابه من قبل السلطان الملك الأشرف "قايتباي"».
وختم الأستاذ "مبيّض" بالقول: «المهندس الذي صمم قصر السلطان "جكم" /قاعة العرش/ في الأعوام 1403 -1406 م اسمه "سعد" وقد حفر اسمه ضمن حجر على النافذة الخارجية الصغيرة شرق الواجهة الخارجية من القاعة».
كما يقول الدكتور "شوقي شعث" أمين المتحف الوطني في "حلب" سابقاً في كتابه /قلعة "حلب" دليل اثري تاريخي/ 1993: «تبلغ أبعاد "قاعة العرش" المقامة على برجي المدخل الرئيسي للقلعة 26،5×23،5 متراً بناها الأمير "جكم" وأكملها السلطان "المؤيد شيخ" ورممها السلطان "قايتباي" وعندما هبط السقف إثر التخريب الذي لحق بها أعاده السلطان "قانصوه الغوري" وجعله على شكل قباب وعددها تسع قباب وذلك في العام 916 هجرية».
وحول الترميم الأخير الذي قامت به المديرية العامة للآثار والمتاحف يقول الدكتور "شعث": «أعادت المديرية خلال عملها في ترميم "قاعة العرش" سقفها على شكل بلاطة من الاسمنت المسلح وكسته بالخشب وبذلك تمكنت المديرية من الحفاظ على العناصر الزخرفية الخشبة والحجرية التي كانت سائدة في العهود التي سبقت عصرنا».
ويضيف: «تتألف كسوة قاعة العرش الخشبية من أحد عشر سقفاً مزيّنة بزخارف نباتية منها أربعة من الطراز العجمي وثلاثة أخر نُقلت من دور دمشقية صُنعت على طراز البطانة العربية المعروفة في القرنين السابع عشر والثامن عشر، أما سقف الرقبة فهو من طراز الخط العربي واحتوت هذه الرقبة على
24 نافذة جصية محلاة بزخارف نباتية يفصل بين السقوف المذكورة جسور تتراوح أطوالها ما بين سبعة وعشرة أمتار وبأقطار تصل إلى 75 سم.
أما أرض القاعة فقد كُسيت بمشقفات رخامية ذات أشكال مستوحاة من الدور الحلبية الأثرية وتتوسط القاعة بحيرة ماء على الطراز الأيوبي أما الإنارة فتُؤمّن بواسطة عشرة ثريات خشبية ذات تقاطيع من الخيط العربي بحشوة على الطراز الفاطمي أكبرها تتدلى في منتصف الرقبة. لقد بدأ العمل في صناعة السقوف الخشبية وزخرفتها في العام 1965 وانتهى في العام 1973».