تنتشر في منطقة "عفرين" المئات من الكهوف والمغاور التي كان لها على مر التاريخ وظائف اجتماعية ودينية مختلفة فمنها ما استخدمت سكناً بشرياً أو مزارات دينية مقدسة أو مدارس تعليمية وغيرها، ومن هذه الكهوف كهف "جل خانة" الذي يتميّز بالقدسية باعتباره يضم مزاراً دينياً قديماً خاصّاً بأبناء الديانة الإيزيدية.
لمعرفة المزيد حول هذا الكهف- المزار يقول المعمّر "سيفو فرخو" 82 عاماً لموقع مدونة وطن eSyria: «لعبت المزارات الدينية في منطقة "عفرين" دوراً كبيراً وهاماً في حياة الناس ومن مختلف النواحي الاجتماعية والدينية والطبية، وزيارة "جل خانة" تأتي في هذا السياق حيث يزورها الناس وخاصّة من أبناء الطائفة الإيزيدية».
وحول وظائف المزارات عموماً ومزار "جل خانة" تحديداً في حياة الناس يتابع: «كما قلت للمزارات عموماً وظائف متنوعة، ومزار "جل خانة" له مجموعة من الوظائف وأهمها قيامه بتقديم الخدمات الطبية للناس فمنذ القديم وأثناء إصابتنا ببعض الأمراض كنا نقوم بزيارة المزار لنقدم ذبيحة عنده أملاً بالشفاء وكذلك كنا نزوره طلباً للتبرك وممارسة شعائر العبادة».
«ومن الوظائف الأخرى هو أنّ زوار المزار كانوا يأتون طلباً لهطول الأمطار بعد انحباسه لمدة طويلة وكذلك طلباً لتحقيق أمنيات متنوعة لهم وكان ذلك يتم بطرق متنوعة فإما من خلال لصق حصى مسطحة وصغيرة على جدرانه فإن لصق الحجر فمعنى ذلك أنّ الأمنية سوف تتحقق مستقبلاً بفضل ومساعدة المزار وإن لم تلصق فالأمنية غير
قابلة للتحقيق، والطريقة الأخرى هو التمني مع ربط قطعة قماشية بالشجرة الموجودة بالقرب من المزار وان شاء الله سوف تتحقق تلك الأمنية، والجدير بالذكر أن لكل مزار شجرة مباركة موجودة بالقرب منه تربط القصاصات القماشية بأغصانها عند الأمل بتحقيق رغبة ما ويمنع على الناس قطع الشجرة أو استخدام حطبها في البيوت لأن ذلك يزعج المدفون فيه وهو عادة من الصالحين».
وأخيراً سألناه عن دور المزار في حياة الناس في الوقت الحالي فقال مجيباً: «ما زال لمزار "جل خانة" والمزارات الأخرى المنتشرة في منطقة "عفرين" دور لا يستهان به في حياة الناس باعتبارها مزارات دينية مقدسة ولكن التأثير فاعل في حياة كبار السن كما قلت ومن الناحية الدينية تحديداً، أما من الناحية الطبية فدوره شبه معدوم بسبب التطور الكبير الذي حققه الطب في بلدنا سورية والعالم».
وحول المزار أيضاً يقول الدكتور "محمد عبدو علي" مؤلف كتاب /الإيزيدية والإيزيديون في شمال غرب سورية-دار "عبد المنعم ناشرون"- "حلب 2008/: «تقع زيارة "جل خانة" على بعد 2 كم إلى الجنوب
من قرية "عرش قيبار" التابعة لمنطقة "عفرين" وذلك في واد صخري عميق في "جبل ليلون" /"جبل سمعان"/ وهو على هيئة كهف محفور في جرف صخري أبعاده من الداخل وسطياً 4 أمتار طولاً و2,5 متر عرضاً و2 متر ارتفاعاً، وتوجد في أرضيتها بعض الحفر تتجمع فيها المياه المترشّحة من نوازل صغيرة في السقف الكلسي للمزار وعلى بابها شجرة "عرعر" وهي مزيّنة بمئات قصاصات الأقمشة الملوّنة التي علّقت من قبل زوّاره وذلك على نية تحقيق أمانيهم».
ويضيف الدكتور "محمد عبدو علي": «وبالنسبة لاسم "جل خانة" فهو يتألف من مقطعين فكلمة "جل" تعني أربعين و"خان" تعني دار أو مكان أو سيد أحياناً /بالكردية/، ويُقال بأنّ المزار كان مكاناً مرغوباً لمن يرغب بالتصوف والعبادة وصوم الأربعينية من الإيزيديين ومنها جاء اسمه أي مكان صوم الأربعين، وتقول رواية أخرى أنّ "شيخادي"* صام فيها الأربعينيات، وهناك في منطقة "عفرين" أماكن عديدة تحمل الرقم 40 ويبدو أنّ لهذا الرقم مكانة متميزة في المعتقدات الإيزيدية، والجدير ذكره أنّه كانت هناك قبور واقعة بجانب باب مزار
"جل خانة" ربما كانت لمتعبّدين في الكهف- المزار توفوا ودفنوا بجانبها».
ويختم حديثه بالقول: «يقصد المزار أناس من مختلف الأديان والفئات الاجتماعية طلباً للتبرك وتحقيق الأماني والرغبات حيث يقومون بلصق حصى صغيرة بجدران المزار لمعرفة تحقيق تلك الرغبات والأمنيات».
* "شيخادي": مؤسس الديانة الإيزيدية وهو الشيخ "عدي بن مسافر الأموي" /"شيخادي"/ وتعتبره النصوص الإيزيدية نبيّاً بُعث لإنقاذ الأمة الإيزيدية من الفناء.