إذا كان موضوع العنف ضد المرأة بكل أشكاله وأسبابه من القضايا القديمة الجديدة، إلا أنها تستحوذ على الاهتمام لدى كافة منظمات ومؤسسات المجتمع المدني نظرا لتفاقم هذه الظاهرة في العديد من المجتمعات سواء المتقدمة منها والمتخلفة، بحيث أصبح هذا الأمر يشكل تهديداً للمجتمع بأسره وخاصة النساء حيث يتعرضن إلى كل أشكال العنف وبشكل قاسي جدا مما جعلها هذا أن تشكل ساحة عظمى لممارسة ثقافة العنف ضدها، ففي إحدى الإحصاءات والتي جرت في بلدان عديدة، تبين إن نسبة من النساء تتراوح بين 20% ـ 50% قد تعرضن للضرب من الأزواج، وكانت نسبة 18% منهن قد احتجن إلى علاج بالمستشفى نتيجة إصابات أحدثتها تلك الاعتداءات.
كما إن العنف ضد المرأة يترك آثارا نفسية واجتماعية سيئة منها تنشئة أطفال غير أسوياء لان الطفل عندما يرى أمه تضرب من قبل أبيه ينكمش على نفسه من الخوف وهذه الحالة إذا تكررت سوف تؤدي إلى ظهور حالات نفسية عند الأطفال وكذلك الخوف من أي شيء، كما وجدت بعض الدراسات ان هناك علاقة بين اضطرابات القلق وبين العنف إثناء الطفولة أو من شريك الحياة وخاصة العنف الجنسي، حيث وجد ان نسبة 45% ـ 83% من الأشخاص المتعرضين للعنف الجنسي لديهم أعراض ظاهرة من اضطرابات القلق وفقدان الثقة بالنفس مما يجعلهم أكثر عرضة للمخاوف والاكتئاب.
كنت شاهداً في إحدى المرات عندما دخل إلى المشفى الوطني في محافظة الحسكة منذ فترة قريبة سيدة في العقد الرابع من عمرها وآثار اللكمات والجروح بادية على وجهها وكامل أجزاء جسمها المكشوفة، وعند سؤال الطبيب الذي يربطني به علاقة القرابة عن هذه السيدة وما تعاني منها قال بأنه ليس هذه هي المرة الأولى التي تزورنا هذه السيدة وغيرها اللواتي يتعرضن للعنف والضرب من قبل أزواجهن، حيث أصبح العنف جزء من سلوكيات بعض الناس يمارسوه على النساء بشكل متكرر، وفي اغلب الحالات لا تلجأ المرأة إلى تقديم الشكوى إلى الأجهزة المتخصصة بذلك ولا تدافع عن حقوقها بالعيش بكرامة وإنما تحاول أن تكون متسامحة مع من قام بإهانتها وتعذيبها بشكل وحشي بعيدا عن القيم الإنسانية والأخلاق النبيلة خوفاً من العادات الاجتماعية التي ترفض قيام المرأة بتقديم الشكوى إلا لله عز وجل، ويترتب على المرأة التي تتعرض للعنف أضرار جسدية ونفسية وشعورها بالخوف وانعدام الأمان، وأيضاً الانطواء والعزلة وفقدان الثقة بالنفس و احترام الذات.
نعم لقد أضحى العنف جزء من يوميات الإنسان المعاصر فهو في البيت، المدرسة، المحيط العام وقنوات الإعلام والاتصال على اختلافها بفعل التحولات التي أثرت على هيكلة وسلوك وعلاقات أفراد الأسرة، فحتى وإن كان العنف سلوكاً قديما قدم البشرية إلا أنه أضحى بمؤشرات خطيرة تتطلب عناية ومتابعة مركزين لأن دائرة الأطفال والشباب منفذي العنف في اتساع ملحوظ، وانطلاقا من قناعة مفادها أن العنف ظاهرة معقدة من كل الزوايا وتحتاج إلى تضافر الجهود وتكامل تدخل المعنيين و الفاعلين للحد منها بغية إعداد إستراتيجية لمحاربة العنف ضد النساء والأسرة بشكل عام، ودعم القدرات التقنية والمؤسسات المدنية في هذا المجال، وتوجيه وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة للعمل على توعية المواطنين للحد من انتشار العنف داخل الأسرة.
فوسائل الإعلام المختلفة وبخاصة الإعلام المرئي ومنها المسلسلات التلفزيونية تشكل نسبة عالية من المشاهدة من قبل أفراد الأسرة الذين يأخذون الكثير من القيم وأساليب التعامل منها، حيث حاولت الدراما السورية أن تركز على المشاكل الاجتماعية في السنوات الأخيرة حتى وإن كانت لا تلبي الطموح لكنها اللبنة الأساسية في ترسيخ قيم التسامح والحوار بين أفراد الأسرة والمجتمع، فالعنف أياً كان مصدره مرفوض دينياً ودنيوياً، وهو ليس محصور في مجتمعنا وإنما المجتمعات المتطورة أيضا يمارس العنف ضد النساء ففي فرنسا 95% من ضحايا العنف هم من النساء، وفي كندا 29% من الرجال يمارسون العنف ضد زوجاتهم، وفي الهند ثماني نساء من كل عشر نسوة ضحايا عنف أسري، أما في أمريكا فـ 30% من النساء يتعرضن للعنف
إن العنف أيا كان مصدره ومنفذه لا يمكن الحد من استشرائه بالصكوك الدولية و القوانين الوضعية فحسب، وإنما الجهد كله يجب أن يرتكز على الوقاية منه انطلاقا من الأسرة و المدرسة باعتماد أساليب تعامل حضارية ترقي بكرامة الإنسان و تصون حقوقه، وإن عماد هذه الأساليب هو الحوار و حسن التنشئة والعمل على تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية لأفراد الأسرة، فالعنف في جميع الحالات هو الابن الشرعي للحرمان و الإقصاء والاضطهاد والفاعل والمفعول فيه أي المجني عليه والمعتدي ضحايا يجب التكفل بهما كي لا تظل الجهود في حلقة مفرغة