تستمر الصباحات الجميلة على هذا البلد الآمن، وتسطع حبات العناب لتمدنا بعلامات الفرح الدفين الذي يداعب مشاعرنا مع كل نضوج جديد لمواسم العطاء.
فيتجدد الموعد مع صباح خريفي لمعجزة نباتية عمرها آلاف السنين تسكن بلادنا في المناطق الساحلية وتتحمل الحر وقلة المياه في المناطق الداخلية.
سحر المعنى
عرف العرب العناب قبل الإسلام وورد ذكره في الشعر الجاهلي فقيل:
كأن قلوب الطير رطباً ويابسا
لدى وكرها العناب والحشف البالي
وقيل من العناب وشوكه صنع تاج السيد المسيح وشيدت منه أسوار حمت مدن الأرض واحتمت العصافير بالأوكار التي أقامتها في هذه الأشجار فالعناب عناقيد من الأزهار الصفراء المخضرة، وثمار بيضوي بنية إلى حمرة، وأحياناً سوداء تشبه حبات الزيتون، لذيذة الطعم لبها أبيض هش. ومن وصف العناب إلى استخدامه في الوصف لدى الشعراء حتى احتار النقاد في تفسير ما قصده زيد بن معاوية في قوله:
«وأمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقت ورداً وعضت على العناب بالبرد».
وجوده
تمتلىء المرتفعات الجبلية في المنطقة الساحلية في المواسم الحالي بأشجار العناب المثمرة، وتزين أشكالها الجميلة مختلف القرى وحقولها وبساتينها، وهو من أغلى الفاكهة الموسمية لطيب مذاقه ولقيمته الغذائية، يصل سعر الكيلو الواحد إلى 150 ل.س.
يقول المهندس محمد عبد المعين قضماني مدير الانتاج النباتي في وزارة الزراعة: إن العناب من فصيلة rhman cea والجنس sisihus ونوع syuba, انتشرت زراعته في المناطق الاستوائية والمدارية مع أنه قديم جداً في بلادنا، بدأ الاهتمام بزراعته حديثاً حيث تنتشر في المدن الساحلية ضمن الحدائق المنزلية والبساتين الناشئة، وتوجد أسباب عديدة تدفع الناس اليوم لتدجينه منها انخفاض تكاليف زراعته وفوائده وغلاء ثمنه.
من أيار إلى أيلول
يعتبر العناب من النباتات المعمرة حيث يصل عمر بعض أنواعه إلى مئة عام وهو نبات جبلي شائك- حيث يوضح قضماني بعض الخصائص المورفولوجية والفيزيولوجية للعناب في سورية: بأن شجرته من متساقطات الأوراق مع أنها تتساقط في المناطق الاستوائية، وهي أوراق بسيطة متبادلة تشبه الأجنحة منتشرة على قضبانه، ويتراوح طول الشجرة بين 8-9 أمتار.
يزهر العناب في شهر أيار، بأزهار بنفسجية اللون على شكل زهر الياسمين غير أنه أرق، وتستمر بين 30-60 يوماً، ويثمر في أوائل أيلول بحسب الصنف بثمار بلحية بيضوية متطاولة قليلاً، طولها 3-4 سم وعرضها 2.0 سم بقشرة رقيقة جداً، حمراء أو صفراء وأحياناً متماوجة مع خطوط غامقة، واللب أبيض أو أخضر فاتح حلو المذاق والبذرة صغيرة الحجم.
سعر العناب
أوضحت الثقافة الطبية الحديثة القيمة الدوائية والوقائية للعناب، وربما هذا ما شجع المزارعين على زراعته وتصدير ثماره موسمياً بأسعار مرتفعة وعلى انتاج ما يعرف بعسل سدر العناب الذي يفيد في تنشيط عمل البنكرياس في الجسم وتحسين آلية عمل خلاياه، ما يساعد على تخفيض نسبة السكر في الدم، لكون العسل الطبيعي يحتوي على هرمون شبيه بالأنسولين وحالياً تجري العديد من الأبحاث لا ختبار أهمية عسل سدر العناب وقدرته على مساعدة مرض السكري.
أخطر الآفات
ينظر إلى ذبابة البحر المتوسط على أنها الداء الوحيد الذي يصيب ثمرة العناب في وقت محدد من العام ، على حين يضيف م القضماني أن هناك مرض تشقق الثمار وهو مرض فيزيولوجي يعزى إلى زيادة معدل نمو الثمرة الداخلية مع توقف نمو الغلاف الخارجي، أو نتيجة التغير المفاجئ لدرجة الحرارة والرطوبة الجوية أثناء موعد النضج للثمار، ويؤكد أن الطيور من أخطر الآفات التي تتعرض لها شجرة العناب.
وفي حديث التكاثر، فإن أفضل الطرق الحالية وأسرعها هي طريقة استخدام الفسائل الجذرية حيث تعطي الشجرة الواحدة من 5-15 فسيلة جذرية يمكن زراعتها.
في الطب القديم
استخدم العناب في الطب منذ 2500 سنة على الأقل، وقيل إن الجنود الرومان الذين كانوا في القدس كانوا يحيطون به معسكراتهم لمنع الناس من الاقتراب منهم اجتناباً لشوكه. وتحدث عنه الأطباء العرب القدامى فقال داود الانطاكي: ينفع في خشونة الصدر والحلق والسعال والعطش، وغلبة الهم وفساد مزاج الكبد والكلى وأورام المعدة ومضغ أوراقه يحبس القيء.
وقال التفليسي:
الشربة منه ثلاثون عدداً، تسكن الصداع، وتقوي البدن ويصفي اللون، ويسكن عليان دم الأطفال.
أما ابن سينا في القانون فقال: جيد للصدر والرئة وقد أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية أنه من الأغذية التي تقاوم السرطانات وأمراض القلب لاحتوائه على نسبة عالية من مضادات الأكسدة.
وفي الحديث
لم يغفل الطب الحديث عن فوائد العناب ووصف بأنه مفيد لأمراض الحلق ومسكن ومهدئ، مكافح للسعال، في الطب الصيني مقو ًللكبد ومقوً للعضلات وفي اليابان أنه يزيد من مقاومة الجهاز المناعي.
وذكر الدكتور عبد المؤمن قشلق المختص بالطب البديل أن ثماره مغذية وتؤكل طازجة وتعتبر من الفاكهة القليلة حالياً رغم أن أسواق حمص كانت تزخر بسلال العناب، لافتاً إلى أن للعناب فوائد طبية كثيرة فهو مقشع قوي، مضاد للتحسس منق للدم ويفيد في الأمراض النفسية والهستيرية، وأن القدماء استخدموا أوراقه لتضميد الجروح الموبؤة. ويؤكد مدير الانتاج النباتي أن للعناب استخدامات كثيرة حيث تستخدم ثماره غذاء طازجاً أو مجففاً، وتصنع منه المربيات ويفيد في معالجة أمراض الانفلونزا عن طريق أخذ 4-5 وجبات مجففة ومغلية بالماء لمدة 5 دقائق ثم تشرب كالشاي..
موضوع: العـــــناب.. معجزة نباتية تعود لآلاف الســــــــــنين!.. صنع منه تاج السيد المسيح وشـــيدت أســوار المدن